أوكرانيا بالعربية | الشــــباب وتــراجـــع الــدور الـثـــوري... بقلم حسن زايد

20.01.2014 - 05:00 #حسن زايد
شغلني ما تم تداوله في وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمقروءة عن إحجام الشباب عن المشاركة في الإستفتاء علي الدستور الجديد . وقد أرجعت معظم الأراء ذلك إلي إعتراض الشباب علي نشر التسريبات الهاتفية لبعضهم . إذ أنهم اعتبروه مؤشراً علي سماح الدولة من خلال مؤسساتها بالتراجع عن اعتبار ثورة يناير ثورة ، والسعي من خلال ما تم تسريبه إلي تشويه شبابها تمهيداً لهذا التراجع ، وتوطئة له ، وذلك لحساب ثورة يونية، وما صاحبها من ظهور رموز نظام مبارك كخلفية مؤيدة لهذه الثورة ، إذ يمثل هذا الظهور وضع الثورتين في حالة تناقض يقتضي منطقياً نفي إحداهما لصالح الأخري .

كييف/أوكرانيا بالعربية/شغلني ما تم تداوله في وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمقروءة عن إحجام الشباب عن المشاركة في الإستفتاء علي الدستور الجديد . وقد أرجعت معظم الأراء ذلك إلي إعتراض الشباب علي نشر التسريبات الهاتفية لبعضهم . إذ أنهم اعتبروه مؤشراً علي سماح الدولة من خلال مؤسساتها بالتراجع عن اعتبار ثورة يناير ثورة ، والسعي من خلال ما تم تسريبه إلي تشويه شبابها تمهيداً لهذا التراجع ، وتوطئة له ، وذلك لحساب ثورة يونية، وما صاحبها من ظهور رموز نظام مبارك كخلفية مؤيدة لهذه الثورة ، إذ يمثل هذا الظهور وضع الثورتين في حالة تناقض يقتضي منطقياً نفي إحداهما لصالح الأخري .

ولما كانت الموجة الغالبة الآن هي موجة يونية باعتبارأن مفجريها هم السلطة الفعلية في البلاد ، فإن ثورة يناير هي التي لاتمثل ثورة ، وإنما لا تعدو كونها انقلاباً علي الوطن وخيانة له . فضلاً عن القبض علي بعض ثوار يناير ومحاكمتهم  والحكم عليهم  . ومن هنا كان عزوف الشباب عن المشاركة في التصويت علي الدستور ، وإطلاقهم عليه دستورالعُجُز " جمع عجوز " . والأمر المزعج هو الإنسحاب من المشاركة في الإستفتاء إن كان قد حدث ، لأنه يمثل تراجعاً من جانب وقود الثورة عن المشاركة الفاعلة في حالة المد الثوري التي تعيشها البلاد وصولاً إلي الغاية المنشودة . وبالقطع لن يسعد بهذا التراجع سوي من لديهم الرغبة في إطفاء جذوة الثورة في نفوس المصريين ، ومن ثم تثبيط همتهم عن مواصلة السير في طريق التغيير ، وإعادة عقارب الساعة إلي الوراء بإعادة المشهد السابق علي يناير بنفس شخوصه وآلياته .

أو إعادة المشهد السابق علي يونيه بنفس شخوصه وآلياته . وهناك بالفعل من جنح إلي هذا الإتجاه ، بعد أن كان مستخفياً أو لائذاً بالصمت ، في انتظار اللحظة المناسبة التي تصوروها في ثورة يونيه . والطرفان يمثلان خطراً داهماً علي الثورة ، إذ أن كلاهما يهدف إلي شد الثورة وإعادتها إلي الخلف ، وتثبيت المشهد عليه دون غيره ، ونفي الآخر في عمومه خارج الإطار . وبقليل من التدبر لابد للشباب أن يدرك ـ دون وصاية نفسية أو فكرية من أحد ـ أن مصر الثورة لا سبيل إلي إعادتها إلي الخلف مرة أخري . وأنه لا انفصام مطلقاً بين ثورة يناير وثورة يونية لأن الأولي تخلصت من نظام مبارك ، والثانية تخلصت من الوجه الآخر لعملته متمثلة في جماعة الإخوان . وما ثورة يونيه سوي تصحيح مسار لثورة يناير بعد إختطافها من الجماعة المحظورة . وبقليل من التفكير الهاديء سنجد أن الثورة ـ سواء يناير أو يونيه ـ في  إحدي صورها كانت ثورة علي دولة اللاقانون بقصد إرساء قواعد دولة القانون . وهذا في ذاته يتطلب التطهر من كل دنس قد لحق بنا أو بغيرنا ، والتطهر يقتضي المحاسبة علي الأفعال والأقوال ، والقاعدة أن التخلية قبل التحلية ، وما نشر التسريبات الهاتفية والمحاسبة عليها سوي جزء يسير من هذا التطهر ، و(كُلُّ نَفسٍ بِمَا كَسَبَت رَهِينَةٌ ) . والمُسَرِّب والمُسَرَّب إليه والمُسَرَّب عنه خاضعون جميعاً للقانون . إذن فلا ضير من المحاسبة ، لأننا لو فتحنا باب الإستثناء والتجاوز مرة فسيظل مفتوحاً كل مرة . ولا يشين ذلك ثورة يناير ولا ثوَّارها في شيء ، (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) . هناك من تهاتف ، وهناك من تدرب ، وهناك من انتفع بثوريته ، وهذه الأفعال ليست مبرأة من كل سوء ، وليس هناك من البشر ملائكة ، كل ذلك طبيعي في السياقات الثورية . وقد يكون توقيت نشر التسريبات من وجهة نظر المُسَرِّب مرتبط  بالتحالف المُعْلَن من جانب هؤلاء مع الإخوان في إسقط ثورة يونيه ، بزعم أنها انقلاب وليست ثورة ، وأن النشر سيفضُّ هذا التحالف ، دفاعاً عن ثورة يونيه التي تتكالب عليها القوي الكونية .

وحتي من قُبِضَ عليه من القوي الثورية لتحديه سلطة الدولة بعد إصدار قانون تنظيم التظاهر، ومحاكمته ، لم يكن يصح تركه مع إلقاء القبض علي الآخرين ، لأن القاعدة القانونية لها صفة العموم والتجريد ، وما كان له بصفته الثورية أن يصدر عنه هذا الفعل ، لأن الإعتراض علي القانون لا يكون إلا بالقانون . وهذا أيضاً لا يمثل مطلقاً انقلاباً علي ثورة يناير ، وإنما هو انتصار لها ، لأنه لا ينبغي أن يكون هناك من فوق رأسه ريشة في هذا البلد حتي ولو كان ثورياً ، فكافة الرؤوس متساوية ، ومن أجل ذلك قامت الثورة . أما ظهور بعض رموز نظام مبارك في محاولة منهم لركوب الثورة ، بديلاً عن نظام الإخوان ، فهو لا يعني قبول الثورة لهم  ولا قبول المجتمع لسرقة الثورة كرة أخري ، وإنما فقط هم مواطنون لهم كافة حقوق المواطنة طالما لم يتم إدانتهم قانوناً . فإن عادوا فبهذه الصفة وليس باعتبارهم رموزاً لنظام مبارك . وبراءة مبارك ورموز نظامه من الجرائم التي حوكموا عليها لا تعني مطلقاً أنهم بُرَآءُ من كل ذنب كان يستوجب الثورة عليهم . فهذا النظام أجرم بتجريفه الحياة السياسية والثقافية والفكرية والإقتصادية في مصر ، وقزم دور مصر العربي والأفريقي والإقليمي والدولي ، وكانت الثورة عليه واجبة .

والواقع أن دور الشباب قد تراجع في التصويت علي الدستور  ـ إن كان قد تراجع ـ لأسباب أخري إلي جانب ما ذكرت . منها : أن انتكاس ثورة يناير عن تحقيق أهدافها بسبب اختطاف الإخوان لها قد أصاب بعض الشباب بالصدمة ، وعبثية الفعل الثوري . ومنها : أن بعض من وضع آمالاً عريضة علي مشروع الإسلام السياسي ، ثم فشل هذا المشروع في القيادة الرشيدة للمجتمع للنهوض من كبوته ، وسقوطه المُرَوِّع نتيجة فشله في التعاطي مع المتغيرات الفاعلة ، قد يئس من إمكانية وجود البديل الأجدر ، خاصة في ظل غياب البديل الأكثر تنظيماً أو المكافيء له . ومنها : ذلك الجانب المتعاطف مع الإخوان باعتبار الدين دون ارتباط عضوي ورأي في الإطاحة بهم إطاحة بما كان يهوي ويحب . ومنها : التخوف الطبيعي من عودة الجيش الي السلطة ، وهذا التخوف ناتج عن التشويه المتعمد للجيش بفعل من انتسب إليه تاريخياً ممن آلت اليهم السلطة . ومنها : القناعة التي تولدت لدي بعض الشباب نتيجة الزخم الإعلامي المؤيد للدستور بأنه سيكتسح بالضرورة بما لا يستلزم نزوله للتصويت . كل هذا بخلاف أن معظم الطلاب كان مرتبطاً بالإمتحانات التي جرت في ذات التوقيت .

والخلاصة أنه لا محل مطلقاً للفصل في الوجدان والواقع المصري بين ثورة يناير وثورة يونيه ، وهم متلازمتان معاً وجوداً وعدماً في التاريخ المصري ، وما يناير سوي مقدمة طبيعية ليونيه ، وارتباطهما ارتباط السبب بالنتيجة .


حسن زايد

كاتب عربي ومدير عام


المصدر: أوكرانيا بالعربية


مشاركة هذا المنشور:
الأخبار الرئيسية
سياسة
ليتوانيا تقدم مساعدات عسكرية جديدة إلى أوكرانيا
سياسة
بيربوك: أوكرانيا تحتاج إلى أسلحة بعيدة المدى للدفاع عن خاركيف
رياضة
زيلينسكي: أوكرانيا فعلت كل ما يلزم للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي
أخبار أخرى في هذا الباب
آراء ومقالات
عن النصر والخوف والمعارضة...بقلم رئيس حركة "الأخوية القتالية الأوكرانية" بافلو جيربيفسكي
آراء ومقالات
الفساد العظيم الذي ضيّع أوكرانيا!..حسين الراوي
آراء ومقالات
الإجرام الروسي والطفولة الأوكرانية..حسين الراوي
تابعونا عبر فيسبوك
تابعونا عبر تويتر
© Ukraine in Arabic, 2018. All Rights Reserved.