أوكرانيا بالعربية | الـقـطـة الإنـقـــلابـيـة... بقلم حسن زايد
كييف/أوكرانيا بالعربية/دأب الإخوان ، ومن دار في فلكهم ، ولف لفهم ، علي إطلاق لفظ انقلاب علي ثورة يونيو، باعتبار أن الجيش المصري ، قد انقض علي السلطة في مصر ، علي حين غرة منهم ، وانتزع كرسي السلطة من بين أنيابهم ، وأزاح عنه كبيرهم ، وأطاح به من قصر الرئاسة ، إلي غياهب السجن ، ليكون أول رئيس جاء من السجن إلي القصر ، إلي السجن في عام واحد ، ليسجل سبقاً في الموضوع ، وسبقاً في الزمن .
فخرج أنصاره من مكامنهم، يعقرون الناس في الشوارع ، بزعم أنهم انقلابيون ، يدعمون سلطات الإنقلاب . وتجرد هؤلاء الأنصار من كل معني أخلاقي أقرته الأعراف الأرضية ، أو تنزلت به الأديان السماوية . تجردوا من شرف الخصومة ، وأخلاق الفرسان عند النزال . وتسربلوا بسرابيل الخسة والنذالة والتدني عند مواجهة الخصوم . وحولوا الخصومة من خصومة سياسية ، قد يربح فيها الجميع ، والخسارة فيها اليوم قد تعني الربح غداً ، والعكس بالعكس صحيح ، وأنه لا خسارة دائمة ، ولا مكسب دائم في المعارك السياسية ، وحولوها إلي معركة وجود ، معركة صفرية ، حيث وجود أحد الطرفين حياً يعني موت الآخر بالضرورة ، الغاية فيها تبرر الوسيلة ، وتلبسها رداء الشرعية ، من وجهة نظر من حط الأخلاق جانباً ، وجري في البرية جري الوحوش الهائمة بحثاً عن فريسة .
استباحوا القتل والحرق والذبح والتمزيق في غفلة ممن يتوهمونهم خصوم ، أو هم اعتبروهم كذلك ، ليجدوا لأنفسهم مبرراً أخلاقياً متوهماً ، بعيداً عن دائرة العبثية والعدمية التي يدورون في فلكها . إنهم أناس قد فقدوا البوصلة ، حين قرروا مواجهة الشعب ـ الذي سعوا إلي حكمه ـ في أبناءه من الشرطة والجيش والمدنيين ، باحثين عن شرعية مزعومة ـ جري سرقتها بليل ـ المفترض أنهم قد اكتسبوها من هذا الشعب ، الذي يقتلونه ، ويذبحونه ، ويفجرونه ، ليل نهار . وآخر ما تفتقت عنه عبقريتهم الإجرامية ، ما حدث للقطة ، وأحد أطقم الحراسة ، أمام أحد البنوك ، في منطقة الدقي ، محافظة الجيزة . فقد توقف أحد المجرمين ، ممن تجردوا من كل شيء ومعني ، أمام طقم الحراسة ، ويبدو من مظهره الصلاح والتقوي ، وقد تدلت لحيته فوق صدره ، علي نحو يعطي الإنطباع بالطيبة ، والتدين .
واقترب من أفراد الطاقم ، وقد رسم علي ملامحه علامات الرضا ، والبشاشة ، والسماح . ثم مد يده لهم بوجبة سمك طازجة ، وهو يردد عبارات التعاطف معهم ، والتقدير لمجهوداتهم ، وما يتعرضون له من مشقة وتعب ومخاطر . والواقع أن هذا الحي من الأحياء الراقية ، وقضية التعاطف مع أفراد من الطبقات الفقيرة ، تلك التي تأتي من أماكنها للعمل به ، من الأمور المعتادة ، غير المستغربة ، ولا تسترعي الإنتباه . إلا أن أفراد الحراسة المستهدفين رفضوا أخذ السمك ، تخوفاً ، أو تعففاً ، أو أن الله سلَّم . ورفضهم هذا لم يأت علي هوي ذلك المجرم العتي العتيد الأثيم ، فأمعن في إصراره علي أخذهم الوجبة ، فلم يجدوا بداً من أخذها ، وبعد انصرافه ، ألقوها لقطة كانت كامنة بجوارهم ، متخيلين بذلك ، أنهم قد أتحفوها بوجبة من السمك ، لم تحظ بها في حياتها . شمرت القطة عن ساعديها ، ومسحت بلسانها علي شاربها ، وهي تظهر أنيابها المسنونة ، كأنها تبتسم تعبيراً عن الإمتنان ، لقاء هذا الصيد الوفير .
وما أن تناولت القطة أول سمكة ، ولاكتها بين أنيابها وضروسها ، وابتلعتها ، وقبل أن تستقر في جوفها ، حتي ماءت بصوت مكتوم ، ثم خمدت أنفاسها إلي الأبد ، وتمددت إلي جوار أفراد طاقم الحراسة ، معلنة أنها نالت شرف كونها ضحية للإرهاب . وتبين أنها قطة انقلابية ، من قطط هذه الأرض الطيبة ، وأنها راحت غدراً ، ضحية للخسة ، والنذالة ، والإنحطاط الأخلاقي . وقد أخطأ الإرهابي الهدف ، وطاش سهمه ، وخاب مسعاه . ولا أدري أين موقعه من تلك المرأة التي دخلت النار في هرة ، حبستها ، فلا هي أطعمتها ، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض ؟ . فأين منظمات حقوق الإنسان ؟ . وأين منظمات حقوق الحيوان ؟ . أقيموا الأرض ولا تقعدوها ، حتي تأخذوا لهذه القطة حقها المهدور ، إن كنتم صادقين ؟ .
حسن زايد
كاتب مصري ومدير عام
المصدر: أوكرانيا بالعربية