أوكرانيا بالعربية | المثقف الأميري... بقلم د. عادل عامر
كييف/أوكرانيا بالعربية/إن مصدر كلمة ثقافة في العربية هو من الفعل الثلاثي ثقف، ثقف الشيء ثقفاً وثقافة وثقوفة ومعناها حذقه وثقف الرجل، أي انه رجل حاذق أو صار حاذقاً أو ماهراً. ويقال ثقف الشيء بمعنى تعلمه بسرعة والثقاف ما تســوى بهــا الرمــاح. وتثقيف الرماح معناها تسويتها أو صقلها.
لم يكن الحراك بعيداً عن النخب وإنما عملية فرزٍ حقيقية بين مثقفي السلطة والمثقفين العضويين بحسب تصنيف جرامشي للمثقف. فمثلاً نرى سقوطاً مدوياً حقيقي لكتابٍ ومثقفين وإعلاميين، طالما تطرقوا بشكلٍ نظري فقط لفكرة المثقف والسلطة والعلاقة الجدلية بينهما، سرعان ما سقط هؤلاء المُنظِرين بوحل السلطة والاصطفاف إلى جانبها، وظهرت مفارقة غريبة من نوعها، حيث ما شهدته الثورة المصرية واليمنية وغيرها كان انقساماً بين مثقفين يمنيين أو مصريين مع وضدّ السلطة والحق أنه من الظلم للمثقف إهمال محاولات السلطة لاحتوائه، وإدماجه داخل جهازها الحكمي، وأن يتحول إلى مجرد حاشية أو بطانة أو بوق دعاية أو أداة تسلط. باختصار يتحول إلى خصم مناوئ للجماعة، وليس جزءًا منها، ومتفاعلاً معها… هذه الثقافة الناتجة عن فلسفة وأسلوب فاسد من التفكير لأنه غير أخلاقي بحجة ضرورة أن يتم التعامل معهم بطريقة مختلفة لأنهم ممثلي نخبة شعب الله المختار وهذه الطريقة من التفكير بالضرورة تؤدي إلى تقزيم بقية خلق الله، لأنّه يجب أن يكون لهم هيبة ويجب المحافظة عليها على حساب الآخرين؟!!!وهذه الطريقة من التفكير بالذات هي ما قامت ضده انتفاضات أدوات العولمة لأنها أساس كل المفاسد والظلم والاستبداد والاستعباد
يرى جان بول سارتر إن "المثقف إنسان يتدخل ويدس انفه فيما لا يعنيه".
أما العالم الإيطالي غرامشي فهو الرائد في هذا حيث يميز بين نوعين من المثقف وهما: المثقف العضوي والمثقف التقليدي، ويعني بالمثقف العضوي: "هو المثقف الذي يعمل على إنجاح المشروع السياسي والمجتمعي الخاص بالكتلة التاريخية المشكلة من الفلاحين (الجنوب الإيطالي) والعمال (الشمال الإيطالي)، وعني بالمثقف التقليدي" هو المثقف الذي يوظف أدواته الثقافية للعمل على استمرار هيمنة الكتلة التاريخية السائدة المشكلة من الإقطاع والبرجوازية والفئة العليا الاكليروس".ويضيف غرامشي موضحا بتساؤل "هل يشكل المثقفون فئة اجتماعية متجانسة ومستقلة؟" ويجيب عليه "إن المثقف لا يشكل انعكاسا للطبقة الاجتماعية وإنما هو يؤدي وظيفة إيجابية في تحقيق رؤيتها (تصورها) للعالم بشكل متجانس". الصوت الوحيد الذي يستطيع أن يسمعه الخطاب السلطوي هو صوت القوة، وعندما يسمع هذا الصوت في النهاية، فإن صوت السلطة يلوذ بالصمت، قد تفلح السلطة في السيطرة على المثقف بالترغيب والترهيب، الذي قد يصل إلى حد التصفية الجسدية، وعلى المثقف أن يصمد وأن يناضل.
أذكرك بمقولة غاندي "أفضل للإنسان أن يناضل بدلاً من أن يخاف".
في ضوء ذلك يحدد غرامشي دور المثقف ومسئوليته تجاه الطبقة الاجتماعية التي ينتمي لها، وممكن تصور هذا الدور على انه لسان حال هذه الطبقة والناطق باسمها وصداها الإعلامي الداعي لأفكارها والناشر لمبادئها، إي انه منتمى لطبقة. والمثقف في مفهوم ماكس فيبر، هو المفكر المتميز والمسلح بالبصيرة. وفي مفهوم بارسونز، هو المفكر المتخصص في أمور الثقافة والفكر المجدد البعيد عن أمور الحياة. وبمفهوم الأفغاني هو المتعلم". من جملة التعريفات السابقة عن مفهوم المثقف، يتضح إن المثقف هو إنسان امتاز عن بقية أبناء مجتمعه بقابلية على التفكير وإدراك التحديات التي تواجه محيطه الاجتماعي وبخزين معرفي متمايز أيضا، وباتخاذه لمواقف محددة في قضايا حساسة وحاسمة. وليس شرطا أن يكون قد حاز على درجة رفيعة من التعليم، أي ليس شرطا أن يكون التعليم هو مصدر أو مشروعية المثقف.
عن خطورة دور المثقف يتحدث الفيلسوف غرامشي عن المثقفين الإيطاليين عام 1919 فيقول " لم يعد بالإمكان أن يتمحور نسق حياة المثقف الجديد حول الفصاحة والإثارة السطحية والآنية للمشاعر والأهواء. بل صار لزاما عليه أن يشارك مباشرة في الحياة العملية كبان ومنظم مقنع دائما، لأنه ليس مجرد فارس منابر. بات لزاما عليه أن يتغلب على التفكير الحسابي المجرد، فينتقل من (التقنية – العمل) إلى (التقنية – العلم)، والى النظرة التاريخية الإنسانية، وألا يبقى اختصاصيا دون أن يصبح – قائدا- أي رجل سياسة بالإضافة إلى كونه اختصاصيا" بالتأكيد لن يكون جيش المثقفين كلهم قادة أو سياسيون، لكن بالضرورة أن يعي المثقف دوره في مسيرة المجتمع، وان يثقف أبناء المجتمع في معظم أمور حياتهم. المثقف إذن هو منتج للإبداع وذو موقف.
إن التحدي الأساسي أمام المثقف العربي في اللحظة الراهنة هو أن يرتفع فوق ذاته وفوق الموقف الحالي, الذي يتسم باختلاط الأوراق, والخاص بمجتمعه الغافل والمبلبل فكرياً. للوصول إلى المثقف الحقيقي, الذي هو من نوع وطراز "ديمقرايطس"(القرن الخامس, ق.م) الذي يعتبر مؤسساً للفلسفة المادية, حين قال: إنه يفضل الظفر بفكرة تتقدم بها الحياة على أن يظفر بملك فارس خاصة أن المثقف - برأي هادي العلوي - وحده القادر على إحداث التوازن بين البشري والمعرفي. وهو في هذه الحال مبدع وليس بمثقف "فما أكثر المثقفين, وما أندر المفكرين, خصوصاً في العالم العربي حيث غاب المفكر لصالح المثقف"
د. عادل عامر
دكتور في الحقوق وخبير في القانون العام
رئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية
عضو المعهد العربي الأوروبي للدراسات الإستراتجية
والسياسية بجامعة الدول العربية
المصدر: أوكرانيا بالعربية