أوكرانيا بالعربية | المشيروالخلطة السرية... بقلم هشام عبده
كييف/أوكرانيا بالعربية/من المعلوم لدى الجميع أن اقتصاد أي دولة لا يمكن أن ينهض على قواعد صلبة وأن يحقق نوعاَ من التنمية المستدامة والاستقرار إذا كان نظامها السياسي خرب والسلطة التشريعية غائبة والنظام القضائي غير مستقل.
أما مشكلتنا العجيبة في مصر والتي تثير حيرة العالم المتحضر فهي أن غالبية شعبنا الطيب تريد إعادة عجلة التاريخ إلى الوراء وإثبات أن النظم الإدارية والسياسية والاقتصادية الحديثة التي تقوم على الشفافية والمحاسبة ودولة المؤسسات القوية والمتوازنة والمستقلة كلها خاطئة وفاشلة ،وأن المصريين سوف يثبتون للعالم أن المنظومة الحالية في مصر هي الصحيحة وأن العالم المتحضر والمتقدم وكل تجارب التاريخ الاقتصادي والسياسي ماهي إلا أكاذيب وسراب.
نعم المشاكل المعقدة تحتاج بالتأكيد الى برامج إصلاح طويلة الأمد وموارد هائلة وتوافق سياسي ومجتمعي على من سيتحمل فاتورة الإصلاح ،ولغياب هذا التوافق حاليا وضبابية الافاق المستقبلية فإنه لا يوجد إجماع بين الاقتصاديين سواء المصريين أو الأجانب على كيفية التعامل مع هذه المشاكل التي يتطلب حلها تغييرا شاملا في النظام السياسي الذي ساد في العقود السابقة .
ولكن المشير السيسي يؤكد على أن لديه القدرة على حل هذه المشاكل من خلال برامج اقتصادية لم يعلن عن تفاصيلها حتى الآن ،والسؤال الذي يتبادر الى ذهني دائماً كلما سمعت السيسي يتكلم هو ما الذي ينتظره السيسي حتى يبدأ في تطبيق برامجه السرية الغامضة للتخفيف من معاناة المصريين خاصة وكلنا يعلم أنه الحاكم الفعلي لمصر منذ يوليو 2013 الماضي ،وحتى أيام الرئيس المعزول الذي لم يحكم مصر فعلياً في فترة العام اليتيم الذي أمضاه في الحكم بسبب تحالف الجميع ضده بما فيهم جماعته الانتهازية.
وبالرغم من هذا إلا ان نظام السيسي في إطار إصلاحه بـ"الخلطة السرية" للمنظومة الاقتصادية قام برفع الدعم عن القطاعات الفقيرة ليزيد من معاناتها ولم يمس مصالح رجال الأعمال والصناعة بمعني أن هذه السياسات الجديدة هي مزيد من تشوهات نظام الدعم .
فتم زيادة أسعار إستهلاك الكهرباء والبنزين بنسبة 48% والغاز الطبيعي بنسبة 175% مع زيادة طفيفة نسبياً للغاز المقدم للقطاع الصناعي بنسبة 30 الي 40% إذاً فسياسات الدعم الجديدة منحازة أيضاً كسابقها ضد مصالح أغلبية الجماهير من الطبقات الفقيرة والمتوسطة.
ومن جانب آخر فقد صدعنا النظام الحاكم على أنه في وقت الأزمة يجب على الجميع أن يضحي ويتكاتف ويقلل من نفقاته من أجل الوطن ،ولكن الغريب أن رجال الدولة أنفسهم يرفضون أن يقللوا من نفقاتهم من أجل الوطن، ففي موازنة التقشف الجديدة التي اعتمدها السيسي تزيد تكلفة النقل والإنتقالات العامة للحكومة من 2.6 مليار الي 2.9 مليار ،كما تزيد النفقات الخدمية والمتنوعة من 2.4 مليار الي 2.9 مليار ،كما تزيد موازنة القوات المسلحة إلي 30% ؛وكأن الموازنة الجديدة تطّلب ضبط النفقات من أصحاب البطون الخاوية، أما رجال الحكومة فتزيد من نفقاتهم على حساب الأغلبية مع العلم بأن هذه الزيادة في النفقات الحكومية إحدى مصادرها هو الضرائب القادمة من جيوب الكادحيين أما رجال الأعمال فيتهربون من الضرائب والذي وصلت أموال التهرب الضريبي إلى 70 مليار جنيه وحتي الآن النظام لم يأخذ أي خطوة في سبيل الحصول على هذه الضرائب .
لم يتعلم نظام السيسى من سابقيه وأصر أن يخدع الجماهير مرة اخرى ،رغم انه يوجد العديد من الخطوات التي لو اتخذها النظام سوف تزيد من الموارد بدلاً من ضرب مصالح أغلبية المجتمع ومنها على سبيل المثال لا الحصر "رفع دعم الطاقة عن مصانع كثيفة الاستهلاك،وضم الصناديق الخاصة لميزانية الدولة والتي تبلغ قيمتها تبعاً للجهازالمركزي للمحاسبات 100 مليار جنيه،وتقليل الإنفاق الحكومي،رفع الدعم عن الصادرات،زيادة الضرائب على الواردات من السلع الترفيهية .
ومع هذا وبالرغم من وجود بعض البدائل عن التقشف إلا أن انحيازات النظام واضحة مع مصالح رجال الأعمال وخطاب الحكومة التهديدى التبريري ،والدور المضحي الذي يتقمصه السيسي لن يصمد طويلاً أمام ازدياد ألم بطون الفقراء ومعدومى الدخل، ومع استمرار هذه السياسات وازدياد تدهور خدمات الصحة والسكن والمرافق العامة ،سوف تزيد حالة السخط الشعبي، ويجب على كل القوية الثورية العمل على توجيه هذا السخط في اتجاه بناء حركة شعبية قوية ضد النظام الحاكم لاسقاطه وتشييد نظاما آخر يمثله الجماهير الكادحة اكثر عدلا وحرية ومساواة .
اما فيما يخص مشروع قناة السويس الجديدة ،او بالاحرى "التفريعة الجديدة" والتي ستكلف مصر 30 مليار جنيه ،بلا تفاصيل معلنة عن أهميته و جديته ، ومناسبته فى هذا الوقت للاقتصاد المصري ،وبلا رقابة مدنية ،لافتراض أن هذا الشعب لا يعرف مصلحته ،والضجة المثارة حوله ووصف اعلامى ورجال الرئيس له بأنه مشروع العبور الثالث ويعتبرونه ركن ركين فى برنامجه الانتخابى "السرى" ،فإن ملامح المشروع لاتزال غائبة من جراء غياب المصارحة والمكاشفة عن الرأي العام، اضافة إلي أن الدراسات غير كافية أو ما ظهر منها حتي الآن كما يؤكد بعض خبراء الاقتصاد، مشيرين في حديثهم إلي صعوبة معرفة الجدوي الاقتصادية الحقيقية من وراء هذا المشروع قبل البدء في الدراسات المستفيضة حتي لا تتكرر كارثة مشروع توشكي وغيره من المشروعات التي استنزفت الاقتصاد الوطني ولم تحقق عائدا بقدر ما انفق عليها ؛فحسب الرؤية الحالية العائد بعد حفر القناة البلد لن يشعر به المواطن العادى الا بعد 20 سنة على الاقل ،ونحن الان نحتاج الى كل مليم يخرج ويدخل اثنان للخزانة العامة للدولة فى اقرب وقت،علاوة على عدم توضيح موقف هذا المشروع بالنسبة للامن القومى المصرى .
فمن الأجدر بنا بدلاً من التوجه لإعادة إنتاج نفس سياسات اقتصاد بطرس غالي ورؤى المخلوع ومن وراءه المعزول ،أن تحدث حزمة هائلة من الإصلاحات القانونية والاقتصادية والسياسية بشكل جذري وإلغاء قوانين السوق الاقتصادي الحر ،وتحجيم دور المؤسسة العسكرية الاقتصادى والسياسى ،وإعادة هيكلة مؤسسات الدولة ...الخ، وفي اعتقادي مثل هذه الإصلاحات مرفوضة بالنسبة لرئيس عسكرى ،وواضعي السياسات والترزية، فهم في الحقيقة لن يستطيعوا الوقوف أمام قوي الإمبريالية ورأس المال العالمي وسيبقي الحال كما هو عليه اللهث وراء القروض من مختلف الجهات المانحة وتنفيذ شروطها.
هشام عبده
كاتب عربي مصري
المصدر: أوكرانيا بالعربية