أوكرانيا بالعربية | اللـغــط حــول قــضــيــة الـقـــرن... بقلم حسن زايد

أمرٌ مثيرٌ للدهشة والإستغراب، أن يصبح ما تتخذه المحكمة من إجراءات ، وما تُصدره من قرارات ، محل شد وجذب في وسائل الإعلام ، في دولة المفترض فيها أن استقلال القضاء أحد المطالب الرئيسة لثوارها . فقد أفزعتني تلك الهجمة الشرسة ، التي مارسها البعض علي هيئة المحكمة ، لأسباب مختلفة . خاصة وأن الرأي العام قد تأثر كثيراً بتلك الصورة السلبية التي صدَّرتها جماعة الإخوان للقضاء والقضاة ، إبان فترة حكمها ، حيث صورت القضاة بأنهم فاسدون ، مسيسون ، وأن القضاء في حاجة إلي تطهير ، شأنه في ذلك شأن كافة مؤسسات الدولة التي كانت تسعي الجماعة إلي تقويضها ، وهدمها ، وبناء مؤسسات الجماعة علي أنقاضها . حيث حُرِّض شباب الجماعة علي احتلال قاعات المحاكم ، والهتاف بداخلها ، وافتعال المعارك الكلامية ، بل والإشتباك بالأيدي مع خصومها في القضايا المنظورة ، والهدف النهائي نزع الهيبة المفترضة للقضاء والقضاة ، وإزاحة الإحترام الواجب لهما من النفوس ، فيسهل بذلك هدمهما ، دون أن يترك ذلك أثراً للتعاطف معهما، أو الأسي عليهما .
كييف/أوكرانيا بالعربية/أمرٌ مثيرٌ للدهشة والإستغراب، أن يصبح ما تتخذه المحكمة من إجراءات ، وما تُصدره من قرارات ، محل شد وجذب في وسائل الإعلام ، في دولة المفترض فيها أن استقلال القضاء أحد المطالب الرئيسة لثوارها . فقد أفزعتني تلك الهجمة الشرسة ، التي مارسها البعض علي هيئة المحكمة ، لأسباب مختلفة . خاصة وأن الرأي العام قد تأثر كثيراً بتلك الصورة السلبية التي صدَّرتها جماعة الإخوان للقضاء والقضاة ، إبان فترة حكمها  ، حيث صورت القضاة بأنهم فاسدون ، مسيسون ، وأن القضاء في حاجة إلي تطهير ، شأنه في ذلك شأن كافة مؤسسات الدولة التي كانت تسعي الجماعة إلي تقويضها ، وهدمها ، وبناء مؤسسات الجماعة علي أنقاضها . حيث حُرِّض شباب الجماعة علي احتلال قاعات المحاكم ، والهتاف بداخلها ، وافتعال المعارك الكلامية ، بل والإشتباك بالأيدي مع خصومها في القضايا المنظورة ، والهدف النهائي نزع الهيبة المفترضة للقضاء والقضاة ، وإزاحة الإحترام الواجب لهما من النفوس ، فيسهل بذلك هدمهما ، دون أن يترك ذلك أثراً للتعاطف معهما، أو الأسي عليهما .
فقد سبق لها التشكيك في أحكام المحكمة الدستورية العليا ، والتطاول علي قضاتها ، ووصل الأمر إلي حد محاصرتها بعصابات مسلحة من جماعة حازمون ـ نسبة إلي حازم أبو اسماعيل ـ حتي لا يتسني لها الإنعقاد ، والنظر في القضايا . بل إن هؤلاء المغيبون طلبوا من الرئيس الأسبق ـ مرسي ـ أن يعطيهم الإشارة ، كي يُحضرُونهم ـ قضاة المحكمة الدستورية العليا ـ له في شيكارة . إن هذا العته لا ريب أنه ترك في نفوس العوام أثراً سلبياً تجاه القضاء والقضاة . هذا الأثر لم يندمل بعد ، وما زال يسري في النفوس ، بفعل وَهْم أن ما كان يأتي من هؤلاء المعاتيه هو الدين . ورغم أن موقف القضاة كان الشرارة الأولي التي أطلقت ثورة يونيه ضد نظام الجماعة الفاشي ، إلا أن ذلك وحده لا يعد كافياً لإعادة بناء جسور الثقة بين سلطة القضاء والشعب المصري . فليس من المعقول ، ولا المقبول ، أن يقوم نفر منا ، باللهاث وراء الدعاية الإخوانية المغرضة ، متبنياً وجهة نظرهم ، بحسن نية ، أو بجهلٍ ، أو بقصدٍ مغرضٍ ، محققين بذلك مراميهم وأهدافهم الخبيثة في النيل من القضاة والقضاء . فمحاولة الإخوان وأذنابهم ، ومن لف لفهم ودار في فلكهم ، النيل من قضاة محاكمة القرن ـ محاكمة مبارك ورموز نظامه ـ  بتصورات ساذجة ، لكنها مقصودة ، هي محاولة بائسة من أناس لفظهم الزمن ، ويتحركون خارج أُطُر التاريخ . إذ لابد أن ندرك ابتداءًا أن الحكم الذي مُدَّ أجل النطق به ، لأسباب قانونية متعلقة بعدم استيفاء أسباب وحيثيات الحكم ، هو حكم مطعون عليه بالضرورة في الحالتين اللتين لا ثالث لهما : حالة الحكم بالبراءة ، وفي هذه الحالة ستقوم النيابة العامة ـ ممثل المجتمع ـ بالطعن عليه أمام محكمة النقض .
أو في حالة الحكم بالإدانة : وفي هذه الحالة سيقوم الدفاع عن المتهمين بالطعن علي الحكم أمام محكمة النقض . وفي الحالتين ستنظر محكمة النقض في القضية كمحكمة موضوع ، أي هي التي ستنظر القضية بنفسها . ولا ريب أن كل ذلك سيستغرق وقتاً ، سواء صدر الحكم في الجلسة الحالية ، أو في الجلسة القادمة . وبالتالي يصبح من السخف إشاعة أنه يتم تأجيل القضية ، أو النطق بالحكم ، حتي تنقضي الدعوي الجنائية بوفاة الجاني ـ مبارك ـ بالنظر لتدهور حالته الصحية تطبيقاً للمادة (14 ). وفي إطار المصارحة والمكاشفة والشفافية وعلانية الجلسات التي اعتمدتها هيئة المحكمة منهجاً لها ، ارتأت دحض المزاعم الشائعة بقصد إحداث البلبة بين أبناء الشعب الذي تُفتَتَح الجلسات ، وتصدُر الأحكام باسمه ، فأفصحت عن المادة (14) من قانون الإجراءات الجنائية ، والتي تنص علي : " تنقضي الدعوي الجنائية بوفاة المتهم ، ولا يمنع ذلك من الحكم بالمصادرة في الحالة المنصوص عليها بالفقرة الثانية من المادة ( 30 ) من قانون العقوبات إذا حدثت الوفاة أثناء نظر الدعوي " .  فأُخِذَ علي هيئة المحكمة أنها صَرَّحت بذلك ، وهي غير ملزمة ببيان  ذلك للرأي العام ، وبالتالي فهي قد تأثرت ـ وهو ما لا ينبغي لها ـ بما جري إشاعته ، وقد يمثل ذلك مطعناً علي الحكم . وهو في الواقع كلام متهافت ، لأن كون المحكمة تدرأ هذه الشبهة ، لا يعني أنها قد تأثرت بما يثار في الشارع ، وأنا أميل إلي درء الشبهات .
أما عن القول بأن تأثرها يمثل مدخلاً للطعن علي الحكم ، فهو أيضاً كلام محل نظر ، لأن من يتقول بذلك غير مأذون له بهذا الطعن ، باعتباره غير ذي مصلحة . وأصحاب المصلحة طرفان لا ثالث لهما هما : النيابة العامة ، وهيئة الدفاع عن المتهمين ، وكلاهما لا مصلحة له في إطالة أمد الدعوي ، ولن يكون هذا المدخل هو مدخلهما للطعن الحاصل بالضرورة من أي منهما بحسب الحكم . وبيان المحكمة بأن أسباب وحيثيات الحكم ستكون مثبتة بالضرورة بغض النظر عن انقضاء الدعوي من عدمه ، لأن الأجل المضروب هو تمديد لأجل النطق بالحكم ، والحكم هو سابق علي أسبابه وحيثياته ، حيث تتكون عقيدة الحكم ، ثم يجري البحث في أسبابه ، هو بيان لإزالة ما قد يطرأ من التباس علي أذهان الناس ، وليس تأثراً بهم . ومما أثير حوله اللغط  دون لزوم منطقي لذلك ، ما ذهب إليه البعض من أن إدخال كاميرات التصوير إلي مقر وجود ملفات القضية ، وإذاعتها علي الهواء مباشرة ، يعد تدخلاً في القضية من غير ذي اختصاص من ناحية ، وبحثاً عن الشهرة الإعلامية من ناحية أخري ، وإن كان ولابد من ذلك ، فلتكن للتلفزيون الرسمي للدولة من باب أولي ،من ناحية ثالثة .
وهذا الكلام فيه افتئات صارخ علي الحقيقة ، وتزيّد لا لزوم له . فلابد من القول أن علانية الجلسات هو الأصل من الناحية القانونية ، ومن ثم فإن قرار نقل جلسات المحاكمة علي الهواء مباشرة ليس بدعة ، ولا مخالفاً لصحيح القانون ، ولا بحثاً عن الشهرة الإعلامية لأنه عمل بالأصل المقرر . وقد كان نقل الجلسات مُسْنَداً للتلفزيون الرسمي للدولة ، حتي امتنع عن نقل مرافعات الدفاع عن المتهمين ، وهو ما يناقض مبدأ العدالة ، والشفافية ، والأمانة ، وعندما طُلِب منه تعديل موقفه أبَي . فجري سحب هذا الإختصاص منه ، وإسناده إلي إحدي القنوات الخاصة المصرية التي تمكنت من توفير الإشتراطات الموضوعة ، ومن بينها إعطاء شارة البث لمن يرغب مجاناً . والنقل الحي لجلسات المحاكمة لايعد تدخلاً في سير القضية ، ولا مؤثراً عليها ، ولا تأثراً باتجاهات الرأي العام ، وإنما كما قلنا عملاً بالأصل .
وقد أفاد هذا النقل الرأي العام ، وجعله مطمئناً إلي سير القضية ، وإعطاء النيابة ، ودفاع المتهمين ، والشهود ، سواء شهود النفي أو شهود الإثبات ، والمتهمين ، الفرصة الكاملة في عرض وجهة نظرهم الكاملة غير المنقوصة ، وغير المقيدة بأي قيد ، قد حقق العدالة ، وأزال أي شك في سلامة وصحة إجراءات المحاكمة  من صدر أي من طرفي الموضوع ، سواء المؤيد لمبارك أو المعارض له . كذلك كان السماح لإحدي الفضائيات بتصوير ملفات القضية دون الخوض في تفاصيل ما تحتوي عليه ، ودون التدخل في الشئون القضائية كتصوير الجلسات ، الهدف الأسمي منه هو إطلاع كافة الأطراف ، بما في ذلك أحاد الناس من المشاهدين ، علي أسباب التأجيل بمد أمد النطق بالحكم ، الذي هو حق أصيل للمجتمع . أما القول بأن تصوير فيلم تسجيلي لملفات القضية يعني حتمية الإطلاع عليها ، وهي ليست طرفاً في القضية ، مما قد يفتح الباب للطعن أمام النيابة حال الحكم بالبراءة ، هو قول تعوزه الدقة ، لأن تصوير الملفات لا يعني الإطلاع عليها بحال من الأحوال . وفي النهاية لا يسعنا سوي القول بأن احترام القضاء ، وعدم التعليق علي أحكامه ، وقراراته ، هو السبيل الوحيد لبناء دولة القانون  ، لأن القاضي في النهاية يستند في قراراته وأحكامه لأحكام القانون ، وهومما لا يجوز التعليق عليه بآراء شخصية ، وإلا أصبحت الأحكام القضائية محلاً للتشكيك ، وعرضة للإستفتاء الشعبي عليها ،وهو أمر لا يستقيم لدولة تسعي جاهدة أن تدخل في إطار دولة القانون ، بل تنهدم بذلك دولة القانون ، وهو ما لا نرغبه ، ولا نسعي إليه ، ولا نشجع من يسعي إليه أو يدعمه .
حسن زايد كاتب مصري ومدير عام 
المصدر: أوكرانيا بالعربية

مشاركة هذا المنشور:
الأخبار الرئيسية
سياسة
في ذكرى الأحداث المأساوية في أوديسا ..أوكرانيا ترد على المعلومات المضللة
سياسة
رئيس أوكرانيا يلتقي وزير خارجية بريطانيا في كييف
سياسة
كاميرون: أوكرانيا لها الحق في ضرب أهداف داخل روسيا بالأسلحة البريطانية
أخبار أخرى في هذا الباب
آراء ومقالات
عن النصر والخوف والمعارضة...بقلم رئيس حركة "الأخوية القتالية الأوكرانية" بافلو جيربيفسكي
آراء ومقالات
الفساد العظيم الذي ضيّع أوكرانيا!..حسين الراوي
آراء ومقالات
الإجرام الروسي والطفولة الأوكرانية..حسين الراوي
تابعونا عبر فيسبوك
تابعونا عبر تويتر
© Ukraine in Arabic, 2018. All Rights Reserved.