أوكرانيا بالعربية | الجنس .. ومعضلات أخرى.. بقلم هشام عبده
كييف/أوكرانيا بالعربية/من المؤكد أن للإنسان احتياجات أولية، احتياجات لم تتغير في جوهرها منذ كان بدائيا، والفرق بين الإنسان والحيوان في هذا المجال هو إمكانية الإنسان التحكم في هذه الاحتياجات، وتنظيمها من حيث كيفية وكمية إرضائها، مكان وزمان ودرجة التكرار في عملية الإرضاء، وتعود جمـيع احتياجات الإنسان الأولية والثانوية إلى حاجة أساسـية أولى هي حفظ الذات، أي من خلال غريزة البقاء وغريزة الجنس .
ان أهم ما يميز مجتمعاتنا العربية هو الكبت على كافة المستويات ، الكبت السياسي والذي يتمثل في عدم الجرأة على نقد الأنظمة المتسلطة ،ثم الكبث الديني ويتجلى أساسا في عدم القدرة على التشكيك في الأمور اللاهوتية وأخيرا الكبت الجنسى والذي يتجلى أساسا في تحريم الخوض في أمور الجنس والعلاقات الغرامية مما يعني أننا لا نزال نتخبط في براثن العصور الوسطى ،فإذا كانت العقلية القروسيطة تسلم بالجاهز وترفض البحث عن الحقيقة ، وبعبارة أخرى إذا كانت الأنوار تعني التخلص حسب كانط من كل رقابة أو وساطة ، فإن هذه الوساطة لا تزال تفرض نفسها علينا وبقوة ، لاسيما في الأمور الدينية والتي يعتبر الخوض فيها كفرا أو زندقة والدليل هو السلطات الدينية صورت للمجتمع الجنس وكانه من صنع الشيطان،ووضعت الاخلاق الحميدة في ناحية ورمت بالجنس الى الناحية المعاكسة ،وزاوجت بين الجنس والقذارة ،والعهر، والفسق فصبغته بالخطيئة .
هذا النوع من التفكير يمجد التخلف الجنسي،ويحتقر الانسان ورغباته، ويحتقر الفرح والتعبير عن العواطف ، ويجعل من جسد المراة مثالا للشهوة .
وفي مجتمعنا العربي نلاحظ أن الأسرة تحيط الأمور الجنسية بالسرية والخوف والتكتم الشديد، فينمو الطفل ويبلغ سن المراهقة وهو معزول تماما عن حقيقة ما يجري حوله، وما يدور في نفسه من تحولات وتبدلات، فتنشأ عنده عقدة نفسية، ويصبح موضوع الجنس محاطا بالخجل بالرغم من أنه شأن من أهم شؤون الحياة ،وبهذا تتحول الأسرة إلى مؤسسة لتنظيم الجنس وتقييده، ولتهيئة الأطفال للزواج وتكوين أسر جديدة منسوخة عن الأسرة الأم، وإذا لم يسمح للطفل بأن يعيش حياته الجنسية الطبيعية ستجري في كيانه تبدلات مخيفة، ويغدو نفورا وجلا متحفظا كسير النفس يهاب السلطة، وتنمو لديه إندفاعات جنسية غير طبيعية مثل الميول السادية، ويحل محل الكيان الحر الجريء الطاعة والتأثر الشديدين، وقد أثبت علم النفس أن الكبت الجنسي يقتل روح التمرد في الفرد، ويخضعه لإرادة الأب والسلطة، وهذا الإخضاع يؤدي بدوره إلى عوارض نفسية مختلفة، من أهمها ضعف القدرة على التساؤل الحر والتفكير المستقل، إضافة إلى التشتت العقلي .
والأرضية الملائمة لتفاقم الكبت الجنسي بشكل خاص، أو انفلات الجنس من دائرة السيطرة الإنسانية الواعية، تكمن في غياب التربية العقلانية الحديثة التي تؤمن نموا عاطفيا ونفسيا سليما للطفل، وفي ضعف الثقافة الجنسية، وفي تخلف نظرة المجتمع للجنس أو للمرأة بشكل عام، حتى اعتادنا ان وجود صديق او زميل للطفل او الشابة يثير ذعر اسر كثيرة ويبدأوا يتسائلوا ماذا وراء تلك الصداقة وربما يتم التعنيف والاهانة دون اى مناقشة وكأن ولدهم او ابنتهم وقعوا بالفعل فى المحذور .
وتوفر هذه العوامل – وهي غالبا ما تكون متوفرة – وترافقها مع عوامل أخرى ستجعل من الكبت الجنسي مشكلة في غاية الأهمية والخطورة، تهدد استقرار المجتمع، فمثلاً: غلاء المعيشة وارتفاع تكاليف الزواج، وتعقيدات الحياة، وترافقها مع أزمات خانقة عديدة أخرى، وتبدل قيم المجتمع وغيرها من المشاكل الاجتماعية، أدت جميعها إلى تأخير سن الزواج للجنسين، مما يعني أن الشـاب – والفتاة طبعاً - سيمر بفترة عصيبة مسكونا بالخوف من المستقبل، الذي سيراه مظلما ومجهولا، تنعدم فيه أدنى التأمينات والضمانات، كما أن استفحال ثقافة الاستهلاك في العديد من المجتمعات سيجعل من الفتاة المستلبة -التي تشبعت بهذه الثقافة- ومن جسدها مجالا للعرض والاستعراض أمام الشباب الذين سيرهقهم كبت اندفاعاتهم ورغباتهم .
خضاع الإندفاعات الجنسية يتطلب الكثير من الطاقة والانتباه وضبط النفس، وبقدر ما تصبح القوى البيولوجية للطفل أو للمراهق عاجزة عن التوجه إلى العالم الخارجي، وإلى إرضاء الدافع الجنسي، فإنها تفقد من قدرتها المحركة وجرأتها وإحساسها بالواقع، ويصبح الطفل مكبوتا، وفي مركز هذا الكبت تكبت الحركة، الركض، الشقاوة، الذكاء، النشاط، أي كبت النشاط العضلي والذهني عموما، وهكذا تقف الأسرة السلطوية أو التقليدية عموما عائقا أمام الأطفال والشاب في تفتح شخصياتهم، وتكونها بشكل صحي، وترغمهم على عكس إرادتهم في تطوير نفسياتهم وشخصياتهم مستخدمة في ذلك وسائل ردع وقمع عديدة .
في حين أن التربية في أجواء الحب والتفاهم ستؤدي إلى النضوج الجنسي، وبالتالي النضوج العاطفي، هذا النضوج يساعد الإنسان على إقامة علاقة مستقرة مع الجنس الآخر، مشبعة نفسيا وفكريا وجسديا، تشكل فيها المعرفة الجنسية ،الوسيلة الأساسية للتعبير عن الحب، أي على عكس ما يؤدي إليه الكبت الجنسي وعدم النضوج العاطفي، من تحول الطاقة الجنسية المكبوتة إلى عدوانية إجرامية وإلى تضخيم الحقد والكره والأنانية، وداخل النفس المكبوتة، ستنمو عدوانية أخرى ناتجة عن الإضطهاد والقمع الذي يتلقاه الإنسان من محيطه المجتمعي .
إن تناقض القيم الدينية والمواعظ الأخلاقية مع ما يذاع على الناس في وسائل الإعلام المختلفة، التي تعرض آخر ما توصلت إليه في تجارة الجسد والإثارة، وما يشاهدونه على أرض الواقع، هذا التناقض سيولد لدى الشباب شخصيتان: إحداهما مخصصة لسماع المواعظ وتردادها حتى يصبح أشبه بالآلة، والثانية لممارسة النـزوات والمغامرات الجنسية .
إن التخلص من عقلية القرون الوسطى يعني أساسا عند صادق الاعتراف بالنوازع الفردية ،وإشباعها بكيفية ملائمة مما يعني انتصارا لشريعة الاشتداد على شريعة الإمتداد الكلاسيكية والتي تسلطت على رغبات الفرد زمنا طويلا .
والحلول التي قدمها بعض الرجعيين للكبت الجنسي كالجواري وتعدد الزوجات وزواج المتعة ...الخ، لا تعتبر حلولا كافية أو جدية، فهي مقدمة للرجال فقط، وللأغنياء منهم على وجه الخصوص، ومن الخطأ أن نعتبر أن "الكبت الجنسي" مشكلة تخص الذكور دون الإناث، فهي تخص الطرفين بنفس الدرجة .
أما عن الحلول التحريمية المتمثلة في منع الاختلاط، وفرض ثقافة الحجاب والنقاب، واعتكاف المرأة في بيتها، ما هي إلا حلولا سطحية عقيمة، تدور حول المشكلة ولا تدخل في جوهرها، فمن المعروف أنه كلما أمعن المجتمع في انغلاقه وتحشمه الظاهرين وسجنه للنساء، كلما تفاقم الكبت، وبالتالي الانحراف، ليس لأن الممنوع مرغوب فقط، بل لأن هذا يتنافى مع المنطق الطبيعي وسنن الحياة .
وليس خافيا على أحد أن المرأة جميلة ومغرية في نظر الرجل الذي يبحث عن الجنس، مهما كدست فوق جسدها من ملابس وغطاءات، إذ كلما غطت جزءا من جسدها، كلما تحرك في خيال الرجل هاجسا جنسيا معينا، وكلما حلق خياله وتصويره الباطني لصورة المرأة المختزلة في أعماق ذاكرته، فهو ليس بحاجة إلى أي إغراء خارجي، فالموضوع عنده ذاتي بحت، يعمل في داخله وتضطرم نيرانه في سريرته، وثمة طاقة داخلية وحرارة محبوسة تبحثان عن مخرج ومتنفس، وبأية طريقة، وهنا فإن إخضاع الإندفاعات الجنسية لن يأبه كثيرا لشكل المرأة ومدى تحشمها، وعندما تصل الأمور إلى هذا الحد، سيكون مستعدا لتفريغ طاقته وإطلاق اندفاعه الجنسي بأي اتجاه، والضابط الحقيقي المتحكم في الاندفاعات الجنسية هو التربية العقلانية الصحيحة بجانب الأخلاق والقيم بغض النظر عن المظاهر والأشكال الخارجية ،كذلك فإن الكبت الجنسي يمهد نفسيا وعقليا للإستهلاك اللاعقلاني، كتعويض وسلوان عن الحاجة الجنسية غير الملباة .
إن الحل الصحيح لهذه المشكلة "الكبت الجنسي" يبدأ في البيت، ثم المؤسسة التعليمية، وينتهي بثقافة المجتمع، والعكس صحيح طبعا، فأي خلل في إحدى هذه الحلقات سيحدث شرخا في الشخصية وتشويها لمفهوم الجنس، وضرورة تدريس الجنس كمادة علمية ليس تدريس للإباحية ،ولكنه تدريس ومعرفة تضاريس هذا الجسد وتغيراته الحادة العاصفة من مرحلة الطفولة وحتى الشباب مروراً بالمراهقة إلى الشيخوخة ،وأظن أن هذا حق إنساني مشروع جداً ،وما ننادى به ليس عرض أفلام إباحية على الطلبة ولكنه تقديم علم الجنس لهم ،وهو بالفعل علم إستقر واتضحت ملامحه ،وكما قلت سابقا وأعيد ،ليس الدين أو الشريعة أو القوانين، تحمي المجتمعات من المشاكل الأخلاقية، فالمشكلة في العقول وليس في العيون، فإن تربي الشباب على قبول الجسد واعتباره عطية وجمالاً ولوحة فنية طبيعية يجب أن تحترم، يتذوقه بفكر منفتح ونظرة جمالية طاهرة صافية أفضل بكثير ،ولن يكون هناك موضع لأي "كبت جنسي" .
هشام عبده
كاتب عربي مصري
المصدر: أوكرانيا بالعربية