أوكرانيا بالعربية | الإنـتهـازيـة الســيـاسـية للإخوان ومأزق القدسية في المجتمعات... بقلم حسن زايد
كييف/أوكرانيا بالعربية/قد يجد المرء نفسه، أسير مأزق اجتماعي، لا دخل له فيه، ولا سعي للإنغماس في بركته، أو الدخول في أتونه، من بين هذه المآزق ، مأزق الموقف من جماعة الإخوان . فإن لم تكن منغمساً في عضويتها ، أو متعاطفاً معها ، أو قارئاً لأدبيات أعضاءها المنتمين إليها ، فقد تجد من بين أقاربك ، أو أصدقائك ، أو معارفك ، أو زملاءك في العمل من يكون كذلك .
ومن الصعب أن تمسك بسكين لتقطع العري مع هؤلاء قطعاً فاصلاً ، تنهي به كل صلة معهم ، لأن العلاقة معهم ليست مجرد صفحة في كتاب التاريخ يجري طيها ، ثم لا شيء، ومع افتراض ذلك ، وتصور إمكانية حدوثه ، إلا أنه لا يستقيم تصوره لو كان هذا الشخص هو الأب ، أو الإبن ، أو الأخ . وإزاء هذا المأزق تجد نفسك مضطراً للخوض في مثالب الجماعة وجرائمها ، لتكشف لهؤلاء وأولئك ما يغيب عنهم من حقائق ، لعل ذلك يكون مدعاة لهم لمراجعة النفس ، وتعديل المواقف ، برؤية واضحة لا لبس فيها ولا غموض . وهي دعوة صادقة للتأمل ، وإعمال العقل ، وتحسس الطريق .
ولا ريب أن هؤلاء وهؤلاء سيكتشفون أن الإخوان ما هم إلا أكذوبة كبيرة ، اتخذت من الدين مطية لتحقيق مآرب سياسية لا علاقة لها بالدين بحال من الأحوال . ولعل في اعتصامهم بميدان رابعة العدوية ، ونقل وقائع هذا الإعتصام علي الهواء مباشرة ، عن طريق قناة الجزيرة مباشر مصر ، قد أتاح لنا ـ وللكافة ـ الإطلاع علي ما يجري ، وبالألوان الطبيعية ، ليس معني ذلك أن هذه القناة كانت موضوعية ومحايدة في النقل والبث ، ولكننا سنفترض ذلك ، علي أية حال . وتعالي نتساءل سوياً : لماذا كان الإعتصام ؟ قبل الإجابة علي السؤال لابد من الإشارة إلي حالة الإنقسام المجتمعي التي أحدثها مرسي وتياره في مصر ، ما بين فسطاطين ، فسطاط الإيمان ، وفسطاط الكفر !!
وقد تبدي ذلك واضحاً في الكلمة التي ألقاها أحد شيوخ السلفية ، ودعا فيها علي الشعب المصري ، بعدها دخل الإخوان في اعتصام رابعة ، رداً علي دعوة الخروج علي مرسي يوم 30 / 6 / 2013 م . دخل الإخوان إلي الميدان وهم محكومين بتصورات معينة عن أنفسهم ، وعن الآخر ، فهم أهل الإيمان ، وغيرهم أهل الكفر والضلال ؟؟ وهم جند الله ، وغيرهم جند الشيطان؟؟ وهم جيل النصر المنشود ، وشباب الصحوة الإسلامية المعاصرة ، الذين اختصهم الله بنصرته ، والإنتصار لدينه . وأن الله معهم ، ومؤيدهم بجنوده وملائكته ، وأنه ناصرهم لا محالة ، فحق علي الله نصر المؤمنين كما وعد ، وأن إيمانهم كفيل بنصرهم .
وهذه التصورات كلها صحيحة ـ لا سبيل إلي التشكيك فيها ـ إذا كانت قائمة علي إيمان حقيقي ، ليس مزيفاً ولا مصطنعاً ، فإذا لم تحدث فليراجع المرء إيمانه هو لا المعتقد . وعندما صدر بيان 3 / 7 / 2013 م الذي أفضي إلي عزل مرسي كان بمثابة الصدمة المروعة التي أصابت هذه التصورات في مقتل ؛ لأن الغاية من الخروج والإعتصام كان حماية مرسي ، والحيلولة دون عزله . ولما تحقق العزل كان لابد من مراجعة التصورات الحاكمة ، والإيمان الذي في الصدور ، فلابد أن هناك خلل ما يتعين إصلاحه وتصويب مساره .
فمن يكون مرسي حتي تتنزل الملائكة لنصرته ؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ومن يكون مرسي حتي يتنزل جبريل عليه السلام للصلاة مع أتباعه في ميدان رابعة العدوية ؟؟؟؟؟؟؟ ولماذا لم ينتصر له الملائكة ؟ إذن خرجنا من معترك السياسة إلي معترك الدين ، وخرجنا من معترك الدين إلي معترك آخر هو معترك الهذيان والهلاوس السمعية والبصرية . فإذا كان هناك من يقول بأن النبي صلي الله عليه وسلم قد قدم محمد مرسي لإمامته في الصلاة ، ثم نجد من يصدقه ، ويهلل ويكبر لقوله ، فهنا يحق لنا أن نتساءل عما يمكن أن نصف به هذه الحالة .
لا ريب أنها حالة من الهذيان !!! لا أقول ذلك انتقاصاً من قدر أحد ، ولكن أقوله من باب التوصيف للحالة ليس أكثر . وبالقطع نحن لا ننكر علي من احتشد في الميدان صلاته وصيامه وقيامه ودعاءه وقراءته للقرآن وإخلاصه في الإنتصار للدين ، ولكن كل ذلك من أجل قضية فاسدة ، والله لا يصلح عمل المفسدين ، وما بني علي باطل فهو باطل . والعلة وراء الفساد أن النية مدخولة ، فاستجلاب كل هذه الأمور الغيبية عن طريق الرؤي والأحلام والهلاوس ونوبات الهذيان من أجل إضفاء شرعية علي من لا شرعية له ، وإحاطته بهالة من التقديس ليس لها بأهل ، من أجل التمكين له ولجماعته ، والمنتفعين بوجوده ، كل ذلك يدل دلالة واضحة علي ما انطوي عليه عملهم من فساد . ولا أدل علي هذا الفساد من الخروج المسلح علي المجتمع انتصاراً لقضية باطلة ، وهي تمكين الدين الممكن أصلاً ، ولكنه الدين حسب رؤيتهم وتصوراتهم الفاسدة ، الدين الذي يمكنهم من الحكم والسلطة ، لا الدين الذي يحكم بهم أو بغيرهم . ومن هنا نقول للإخوة والأباء والأصدقاء والمعارف والزملاء راجعوا مواقفكم ، واستفتوا قلوبكم وإن أفتوكم ، والله من وراء القصد ،،،
حسن زايد
كاتب مصري ومدير عام
المصدر: أوكرانيا بالعربية