أوكرانيا بالعربية | الحــرية ومقـتـضـيـات الأمـن القــومي... بقلم حسن زايد

14.04.2014 - 08:00 #مصر, #حسن زايد
هناك غلالة رقيقة للغاية للغاية تفصل بين الحرية والأمن القومي ، فإذا هتكت الحرية هذه الغلالة من جانبها تحولت إلي فوضي . وإذ هتكت مقتضيات الأمن القومي هذه الغلالة من جانبها تحولت إلي استبداد . والمصلحة تقتضي الحفاظ علي هذا الخيط الرفيع الرابط بين الأمرين دون انقطاع ينجم عن الشد أو إرخاء يفضي الهتك . والعلاقة بين الحرية والأمن القومي في مصر في حالة خصومة ، فلا تجد متحدثاً عن الحرية إلا واتخذ موقفاً معادياً من الأمن القومي باعتباره الذريعة التي تستند إليها الأنظمة الإستبدادية في تبرير عسفها بالحريات والتغول علي الحقوق الإنسانية المقررة . ولا تجد متحدثاً عن الأمن القومي إلا وقد غالي في الإعلاء من شأنه إلي حد المطالبة بوأد الحريات بغير مقتضي انتصاراً لفكرة الأمن القومي . وكأنه لا سبيل للجمع بين القضيتين في صعيد واحد دون صراع يفضي إلي

كييف/أوكرانيا بالعربية/هناك غلالة رقيقة للغاية للغاية تفصل بين الحرية والأمن القومي ، فإذا هتكت الحرية هذه الغلالة من جانبها تحولت إلي فوضي . وإذ هتكت مقتضيات الأمن القومي هذه الغلالة من جانبها تحولت إلي استبداد . والمصلحة تقتضي الحفاظ علي هذا الخيط الرفيع الرابط بين الأمرين دون انقطاع ينجم عن الشد أو إرخاء يفضي الهتك . والعلاقة بين الحرية والأمن القومي في مصر في حالة خصومة ، فلا تجد متحدثاً عن الحرية إلا واتخذ موقفاً معادياً من الأمن القومي باعتباره الذريعة التي تستند إليها الأنظمة الإستبدادية في تبرير عسفها بالحريات والتغول علي الحقوق الإنسانية المقررة . ولا تجد متحدثاً عن الأمن القومي إلا وقد غالي في الإعلاء من شأنه إلي حد المطالبة بوأد الحريات بغير مقتضي انتصاراً لفكرة الأمن القومي . وكأنه لا سبيل للجمع بين القضيتين في صعيد واحد دون صراع يفضي إلي هدم إحداهما لحساب الأخري . ونظراً لأننا لسنا في مجال التنظير لمفهومي الحرية والأمن القومي ، ولا بصدد استعراض فلسفة جون لوك عن قيمة الحرية وحقوق الإنسان  . 

فإنه يحضرني واقعة دالة . ففي مقتبل العمر جندت ضابطاً احتياطياً بالجيش المصري ، وكنت انتقل وزميل لي من مدينة إلي أخري في أتوبيس نقل عام ونحن نرتدي الزي العسكري .  وتصادف عدم وجود مقاعد خالية ، فوقفنا في الممر بين المقاعد ، والذي سرعان ما تكدس بالركاب . 

وأثناء سير الأتوبيس في المسافة بين المدينتين ، تجاذبت وزميلي أطراف الحديث في أمور شتي ، حتي عرج بنا الحديث إلي تناول بعض الأحداث البسيطة التي كانت تجري بين المجندين في وحدتنا العسكرية ، وهي أحداث بسيطة في نظرنا لا ترقي لمستوي السرية أو حتي التحفظ العادي في تناولها . ورغم انشغال الركاب بالأحاديث الجانبية ـ كعادة المصريين في قتل الوقت ـ إلي حد عدم انتباه أحد إلي ما يقوله الآخر . فوجئت بيد تمسك بيدي اليمني وتطبقها علي وريقة صغيرة ، ولم ألتفت إلي صاحب اليد ، ولم أعرفه ، ولم أحاول التعرف عليه . وواصلت الكلام ويدي متدلية إلي جانبي مطبقة علي الوريقة ، وبعد لحظات رفعت يدي بما فيها ، وفتحت الوريقة المطبقة ، وقرأت عبارة : " لا تفشي أسرار وحدتك العسكرية " . وضعت الوريقة في جيبي وواصلت الحديث محولاً دفته إلي اتجاه آخر . 

وبعد ذلك تحاورنا مع أهل الإختصاص حول هذه الواقعة ، فقيل لنا تبريراً أراه مقنعاً ، مفاده :" أن الطعام الذي يتناوله الجنود يعد سراً عسكرياً ، لأنه علي أساس هذه المعلومة يجري احتساب عدد السعرات الحرارية ، وما يرتبط بها من حسابات أخري متعلقة بالجهد المبذول سواء في التدريب أو أثناء المعارك ، وقوة الإحتمال المتوقعة .. الخ " . وبغض النظر عن الدقة العلمية التي ينطوي عليه هذا التفسير ، إلا أنني خرجت من ذلك بدرس بليغ مفاده أن حريتي في الحديث لابد أن يكون لها حد حتي لا تهتك الغلالة الفاصلة بينها وبين الأمن القومي ، لأنني سأجد في الجانب الآخر من يعترض تغولي عليه ، وهتكي لستره ، وعبث أصابعي بأرنبة أنفه . 

وأنا لا أقدم بذلك تبريراً للإستبداد ، ولا تنظيراً لانتهاك الحريات . وإنما فقط أردت القول أنه ليس هناك حرية إلي ما لانهاية ، لأن لانهائيتها تعني التغول علي حريات الآخرين ، ورغم كونها حاجة إنسانية في حاجة إلي إشباع ، فهي كذلك لكل إنسان . لذا فإنها كاستحقاق طبيعي لابد وأن تكون منضبطة بسقف وحدود ، فالإنسان حر في دائرته الخاصة ، أما خارج هذه الدائرة فهو خاضع بالضرورة لضوابط نظامية تكفل للآخر حريته في مساواة تامة للجميع تحت مظلة واحدة . ويدخل في إطار هذا السقف ما يطلق عليه اصطلاحاً " الأمن القومي وهو يعني حماية القيم الداخلية للدولة من التهديد الخارجي لها وحفظ كيانها وحقها في البقاء . ومع ذلك فإن مفهوم الأمن القومي يكاد يكون سيئ السمعة لارتباطه بالقمع الداخلي الذي تمارسه بعض الدول الإستبدادية ، والأنظمة الدكتاتورية . فهل يعني ذلك في أي صورة من الصور الذهنية إمكانية الإستغناء عن الأمن القومي من أجل الحفاظ علي الحرية التي يسعي بعض الأفراد للمطالبة بها بغير سقف أو حدود ؟ . أو التجاوز عن تجاوز مقتضيات الأمن القومي ومتطلباته نتيجة سمعته السيئة وحفاظاً علي الحريات ؟ . في مصر أرادها البعض كذلك . فقد اتخذ من موقف الدولة في مواجهة التجاوزات التي ارتكبها البعض علي نحو يمثل تهديداً للأمن القومي ذريعة لمهاجمة النظام ، ووصمه بالسعي إلي الترويج لنظرية المؤامرة من أجل تكريس الدكتاتورية التي يجري التأسيس لها علي قدم وساق ، وتبرير الإجراءات القمعية ضد معارضيه . وهو كلام ينطوي علي مغالطة فادحة من قائله ، لأن ما تكشف بعد ثورة يونيه 2014م من مؤامرات دولية تحاك ضد المنطقة ،ومصر، لا يخفي . بعد فضحه من خلال ممارسات فعلية علي الأرض من أطراف أجنبية وعربية وداخلية . ومن ثم لا محل للقول باختلاق المؤامرة كي يجري التمهيد لدكتاتورية قادمة . ووجود أطراف ممن تصدروا المشهد الثوري قد تورطوا في خيوط المؤامرة علي نحو أو آخر ، لا يعني بحال أن الثورة ليست ثورة . كما أنه لا يعني بنفس القدر غض الطرف عمن تآمر بدعوي أنه ثوري . لأن من تآمر قد قبض الثمن فلا دين له في عنق مصر حتي يستذلها بثوريته . 

وتبقي خيانته لبلده قائمة في عنقه حتي يجري القصاص منه جزاء خيانته . أما عن القول بأن الحديث عن المؤامرة في الظرف الثوري الراهن يساق في إطار التبرير لقمع المعارضين ، فلا أدري معارضين لمن ؟ ولماذا ؟ . فإن كانوا معارضين للثورة من باب حرية الرأي والتعبير فلا ضير . أما أن تنتقل هذه المعارضة إلي حمل السلاح في مواجهة الدولة والمجتمع فلابد أن تنتقل من خانة المعارضة إلي خانة الإرهاب والخيانة . ومن يدافع عن الإرهاب والخيانة ويبحث لهما عن مسوغات ، فإنه واقع في دائرتيهما لا محالة . لأن دفاعه يحمل في طياته نوع من التحريض علي هذه الأفعال المؤثمة . فإذا قيل عنه بأن وطنيته منقوصة أو أنه طابور خامس أو أنه خلية نائمة فذلك لأن المجتمع لا يعرف لهذه الأفعال مسميات أخري في قاموس اللغة . وإلا فليقل لنا أصحاب هذه الفلسفة الغريبة أي المصطلحات تنطبق علي هذه الأفعال . ولا ينسي وهو يبحث في قاموسه عن هذه المصطلحات أن البلاغة في مطابقة المقال لمقتضي الحال .


حسن زايد

كاتب عربي ومدير عام

المصدر: أوكرانيا بالعربية

مشاركة هذا المنشور:
الأخبار الرئيسية
سياسة
توسك: بولندا لا يمكنها تسليم أنظمة باتريوت إلى أوكرانيا
سياسة
كوليبا: سيكون لدى أوكرانيا كل ما هو ضروري للدفاع والنصر
سياسة
ألمانيا تدعو دول الخليج العربي إلى تزويد أوكرانيا بأنظمة دفاع جوي
أخبار أخرى في هذا الباب
آراء ومقالات
عن النصر والخوف والمعارضة...بقلم رئيس حركة "الأخوية القتالية الأوكرانية" بافلو جيربيفسكي
آراء ومقالات
الفساد العظيم الذي ضيّع أوكرانيا!..حسين الراوي
آراء ومقالات
الإجرام الروسي والطفولة الأوكرانية..حسين الراوي
تابعونا عبر فيسبوك
تابعونا عبر تويتر
© Ukraine in Arabic, 2018. All Rights Reserved.