أوكرانيا بالعربية | الحكومة الأوكرانية الجديدة بين التحديات وواقع الإصلاحات... بقلم د. خليل عزيمة

حقق الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي فوزه في الانتخابات الرئاسية الأوكرانية، لأول مرة منذ 28 عامًا لاستقلال أوكرانيا بنسبة 73% وذلك في الجولة الأخيرة من الانتخابات الرئاسية التي جرت في نيسان/ أبريل الماضي

كييف/ أوكرانيا بالعربية/ حقق الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي فوزه في الانتخابات الرئاسية الأوكرانية، لأول مرة منذ 28 عامًا لاستقلال أوكرانيا بنسبة 73% وذلك في الجولة الأخيرة من الانتخابات الرئاسية التي جرت في نيسان/ أبريل الماضي.

وبعد ثلاثة أشهر فقط أجريت الانتخابات البرلمانية، ليحقق زيلينسكي - أيضاً - فوزه بأغلبية ساحقة - 60 % من المقاعد في البرلمان الأوكراني (الرادا العليا). وفي 29 آب/ أغسطس الماضي، انتخب البرلمان الأوكراني المُنتخب حديثًا على قرار تشكيل حكومة جديدة برئاسة رئيس الوزراء أوليكسي غونتشاروك، لتصبح الحكومة الأوكرانية الجديدة، الأصغر سناً حاليًا في أوروبا بمتوسط عمر 39 عامًا. ولكن من الضروري مراقبة عمل الفريق الجديد ودعم المساعي الإيجابية له وانتقاد المساعي السلبية والإيمان بأن أوكرانيا سوف تتغير.

فقد وعد رئيس الوزراء الجديد غونتشاروك في الأيام الأولى بعد تعيينه، بمكافحة الفساد خلال عام 2019، وزيادة الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 40% في السنوات الخمس المقبلة وإطلاق سوق الأراضي على نطاق واسع في الصيف المقبل، كما وأصدر الرئيس زيلينسكي تعليمات إلى الحكومة للبدء في الاستعدادات لخصخصة واسعة النطاق للشركات الحكوممية بحلول الأول من كانون الأول/ ديسمبر المقبل.

لكن المشكلة الرئيسية للحكومة الجديدة تكمن في الواقع الأوكراني القاسي الذي ينتظرها. فقبل البدء بالتغييرات والإصلاحات الهيكلية، من الضروري تشخيص المشكلات الموجودة حاليا. حيث أن بعض الإصلاحات التي تم إطلاقها عام 2014 تعد منطقية وواقعية التحقيق، والتي تم تنفيذها دون تناغم مع القطاعات الأخرى.

فمن هذه الحقائق مشكلة تدفق العمالة الأوكرانية إلى الخارج، فوفقا لتقديرات مختلفة، هناك من 3 إلى 8 ملايين من الأوكرانيين يعملون خارج أوكرانيا، حيث هذا من جهة في انخفاض معدل البطالة في أوكرانيا وأدى إلى زيادة مستوى الرواتب، لكن من جهة أخرى في بداية عام 2019، لاحظ الخبراء في سوق العمالة الأوكراني ظاهرة جديدة "نقص العمالة" حيث أدت هجرة العمالة إلى أزمة عميقة في الصناعة الأوكرانية، فالعمال الذين ذهبوا إلى العمل في أوروبا لن يعودوا إلى الوطن وستفقد الدولة عملياً مواطنيها كقوة عاملة. وقريبا، لن يكون هناك أحد يعمل في بناء الطائرات والسفن، والتعليم والعلاج والزراعة. وينطوي نقص موارد العمل على عجز في الميزانية، وعدم كفاية الأموال المخصصة للبرامج الاجتماعية، والرعاية الصحية، وتعليم الشباب، والحفاظ على المتقاعدين، وكل هذا سيؤدي الى "دمار نسبي" لاقتصاد الدولة.

إن إصلاح الإدارة العامة وإجراء التغييرات في الهيكل البرلماني والحكومي لجهاز الدولة والتنسيق بين فروع الحكومة والوزارات، هو أيضاً من الحقائق القاسية في أوكرانيا. إن أفكار الفريق الجديد لتوحيد بعض الوزارات أو إعادة هيكلتها أو تصفيتها ليست مرتبطة بشكل خاص بالمهام التي تواجهها البلاد، ولا ينبغي أن يكون الهدف فقط تبسيط التواصل بين المواطن وجهاز الدولة، ولكن أيضًا ضمان فعالية توفير الخدمات الإدارية.

بالإضافة إلى ذلك، فإن قضية مُساءلة وشفافية الدولة أمام المجتمع مهمة. ويُعد تحويل البيروقراطية الورقية إلى سجلات ومنصات إلكترونية عمل إيجابي، ومن أجل التنفيذ الكامل للتحولات الضرورية، من المهم الاعتماد على تجربة البلدان الأخرى في هذا المجال، ولكن هل تملك الدولة المال لتزويد الجهات بالأدوات الرقمية؟

إن إصلاح اللامركزية يعد أيضاً أمراً ضرورياً، ففي هذه الحالة، يظهر التناقض بين الإصلاحات الأخرى بوضوح، أي انه عندما تظل الصلاحيات العامة لادارة الاقاليم نسبية معتمدة على الحكومة المركزية، دون وجود سلطة محلية أوسع، لن يؤدي ذلك في نهاية المطاف لتوفير بنية تحتية اجتماعية ناجحة مثل بناء رياض الأطفال والمدارس والمرافق الطبية أو أقسام شرطة المقاطعة، لذلك يعتمد إصلاح اللامركزية على إصلاح الطب والتعليم وتطبيق القانون.

كما ويجب تطوير برامج ونماذج اقتصادية للمجتمعات، وتوفر التنمية المتكاملة لكل من العاصمة وكل قرية على حدى. فالعمل على إنشاء إستراتيجية أحادية الاتجاه لإصلاح البلاد بحيث لا يتم فصل إصلاح كل قطاع على حدى، ويجب خلق نظام توجيه متناغم للتحديث، والتطوير السريع للدولة ورفاهية جميع الأوكرانيين.

إن التنمية الاقتصادية الكاملة للبلاد مستحيلة دون سوق الأراضي فهناك حاجة وجدوى حقيقة لإصلاح سوق الأراضي الذي هو عامل أساسي في النمو الاقتصادي، فمن الضروري تحديد أهداف الإصلاح، ومن أجل اختيار النموذج الأمثل لإصلاح الأراضي في أوكرانيا، ليس فقط أخذ تجربة الدول الأخرى، ولكن أيضًا يجب مراعاة الخصائص التي تؤثر على مؤشر الأسعار وجاذبية الاستثمار وحماية الفلاحين. ولهذا الغرض، ينبغي تطوير العديد من الخيارات لبرامج الإصلاح التجريبية وتنظيم نقاش واسع  يشمل الخبراء والمزارعين والممثلين الأجانب. وتخطط الحكومة الجديدة لإنشاء أكبر سوق للأراضي الزراعية في أوروبا، لإجراء خصخصة واسعة النطاق، وطرح الطرق المفتوحة والسكك الحديدية والموانئ والمطارات وقطاع النفط والغاز للاستثمار الخاص. وسيتم تحرير قوانين العمل، وخلق فرصًا لمليارات الدولارات من الاستثمارات الأجنبية والوطنية لعام 2020.

إن الكوادر الفنية الجديدة في الحكومة هي فكرة رائعة وهو مطلب شعبي، ولكن من المهم  فهم الواقع السياسي الأوكراني. لذلك تحتاج هذه الحكومة إلى حشد الدعم من المختصين الذين لديهم خبرة وعلى دراية بالعوامل التاريخية وخصائص الدولة الأوكرانية.

الدكتور خليل عزيمة

باحث وأكاديمي في أوكرانيا

المصدر: أوكرانيا بالعربية

مشاركة هذا المنشور:
الأخبار الرئيسية
سياسة
كاللاس: الدعاية الروسية تهدد الديمقراطية العالمية
روسيا تستخدم المعلومات المضللة لتبرير عدوانها على أوكرانيا
سياسة
الرئيس الأوكراني يقيل سفراء بلاده بعدد من الدول والمنظمات
سياسة
فيتسو: زيلينسكي عرض علي 500 مليون يورو مقابل دعم انضمام أوكرانيا للناتو
أخبار أخرى في هذا الباب
آراء ومقالات
التشيك تعترف بترحيل شعب تتار القرم باعتباره عملاً من أعمال الإبادة الجماعية
آراء ومقالات
مركز موارد تتار القرم يطلق حملة في الشبكات الاجتماعية بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان
آراء ومقالات
القمع في شبه جزيرة القرم المحتلة: وحشية بلا حدود
تابعونا عبر فيسبوك
تابعونا عبر تويتر
© Ukraine in Arabic, 2018. All Rights Reserved.