أوكرانيا بالعربية | الـغـــرب .. وغروب شمس الإخوان... بقلم حسن زايد
كييف/أوكرانيا بالعربية/لقد جاء قرار السيد كاميرون ، رئيس الوزراء البريطاني ، بشأن جماعة الإخوان ، مفاجئاً حقاً . قد تكون له مقدمات خلف الكواليس ودوائر العلاقات التحتية ، التي ترتبط بها الدول بعيداً عن أعين الشعوب . إلا أنه يعد مفاجئاً من حيث التوقيت ، ومن حيث التحول ، ومن حيث التكليفات ، ومن حيث الشمول ، ومن حيث الآثار لو جري مد الخيط حتي نهايته ، وامتد شعاع البصر علي استقامته . فالمفاجأة في التوقيت أنه جاء بعد زيارة أوباما للسعودية ، التي سبقتها حركة سحب سفراء ثلاث دول خليجية ـ علي رأسها السعودية ـ لسفرائها من قطر ، علي خلفية دعمها لجماعة الإخوان ، ثم إعلان السعودية جماعة الإخوان جماعة إرهابية . ثم جاءت القمة الأمريكية / السعودية بفتور الإستقبال ، وبرودة الوداع ، وغموض المحتوي ـ حيث لا يوجد مؤتمر صحفي ، ولا تصريحات ولا تسريبات صحفية ـ الذي دارت حوله المناقشات . ثم كان القرار البريطاني . وقد كان هذا القرار مفاجئاً من حيث التحول الذي طرأ علي العلاقة بين البريطانيين والإخوان ، فرغم أن صيغة القرار وفحواه تذهب إلي الإيحاء بان بريطانيا قد تفاجأت بوجود جماعة الإخوان علي أراضيها ، وكأنها لم تعرفها من قبل منهجاً وتنظيماً وحركة . وهذا يعد تحولاً في العلاقة التاريخية بينهما ، والتي بدأت منذ نشأة الجماعة ، وامتدت حتي لحظة صدور القرار ، وما زالت .
إلي حد أن البعض قد ذهب إلي القول بأن الجماعة هي صنيعة استعمارية في الأساس . يقول روبرت دريفوس في كتابه : " لعبة الشيطان "" تأسست حركة الإخوان المسلمين علي يد البنا بمنحة من شركة قناة السويس البريطانية ، وخلال الربع قرن التالي بدعم من الدبلوماسيين البريطانيين والمخابرات البريطانية " . [ لعبة الشيطان ـ ترجمة : مصطفي عبد الرازق ـ ص :60 ] . ثم يقول : " أبرمت بريطانيا معاهدات واتفاقيات مع العديد من الشياطين في كفاحها بعد الحرب العالمية الأولي للحفاظ علي الإمبراطورية . وشكلت تلك الإتفاقيات اعتباراً من أواخر عشرينات القرن الماضي إلي الحرب الفاشلة علي السويس في عام 1956 م ، دعماً لحركتين مزدهرتين في مصر وفلسطين . في مصر وفي عام 1928 م أسس الشاب ذي الإتجاهات الدينية حسن البنا حركة الإخوان المسلمين وهي المنظمة التي ستغير مسار التاريخ في الشرق لأوسط في القرن العشرين " [ نفس المصدر السابق ـ ص : 60 ] . وقد استمرت هذه العلاقات طوال عقود الحرب الباردة ، بقصد تشكيل قوس اسلامي ، في مواجهة المد الشيوعي القادم من الكتلة الشرقية ، في إطار من المنافع المتبادلة ، ففي مقابل الإيواء والتواجد والتمدد داخل المجتمع البريطاني ،علي نحو يخلق تصور لدي الجماعة أنها الفائز الأكبر من تلك الصفقة ، تصبح الجماعة بنفوذها الديني داخل مجتمعاتها الأم ، العصا الغليظة في أيدي الدول الغربية ، لمواجهة تمرد الدول المستقلة في الشرق الأوسط من خلال دعوات قومية مناهضة لمصالح الغرب من ناحية ، وخنجر في جنب الإتحاد السوفيتي قديماً ، وروسيا حديثاً من خلال الولاء الذي تحمله الدول الإسلامية المستقلة حديثاً عن روسيا . وقد ورثت أمريكا ذات الدور إبان عقود الحرب الباردة إلي جانب بريطانيا . وسمحت للإخوان بما سمحت به بريطانيا من غض الطرف عن اختراق الجماعة للمجتمع الأمريكي إلي حد تصور إختراقهم البيت الأبيض ، مقابل أن تكون الجماعة هي المطرقة التي تضرب بها الأنظمة المارقة ، ومخلب القط الذي يرعب هذه الأنظمة . وقد نجحت الدول الغربية وأمريكا في احتواء الجماعة ، واختراقها ، وتطويعها لتنفيذ مخططاتها في المنطقة . ومن هنا يمكن القول بأن القرار البريطاني في متابعة أنشطة الجماعة ـ المتابعة بالفعل ـ لو كان جاداً ، فلا ريب أنه يعد تحولاً دراماتيكياً في العلاقة بين الدولة الملاذ والملجأ والداعم وبين الجماعة . ويعد القرار البريطاني مفاجئاً من حيث التكليفات التي تضمنها القرار . حيث جري تكليف أجهزة الإستخبارات الداخلية والخارجية بالتحقيق في تواجد جماعة الإخوان في لندن ، والأنشطة التي تديرها في المملكة المتحدة ، وصلتها بالأعمال الإرهابية في الشرق الأوسط ، واتخاذ لندن مركزاً لإدارة هذه الأنشطة . وقد أمر السيد كاميرون بهذه التحقيقات علي اعتبار أن الحكومة البريطانية لا تتوافر لديها هذه المعلومات .
إلا أن الخبثاء لم يبتلعوا هذا الطعم القائم علي هذا الإفتراض الساذج القاضي بأن أجهزة الإستخبارات البريطانية كانت نائمة عن أشخاص هذه الجماعة الذين ارتحلوا إلي بلاد الضباب طلباً للجوء السياسي فراراً من اضطهادهم علي أيدي رجال النظام الناصري ، وأن اللاجيء السياسي يخضع لضوابط قانونية تحد من أنشطته ، وأن الأجهزة الأمنية هي المنوط بها متابعة هذا النشاط ومراقبته . ولذا فإن هؤلاء الخبثاء قد بنوا علي المقدمة الفاسدة التي بُني عليها القرار ، نتائج فاسدة تقوم علي أن كاميرون وحكومته يبيعون لنا ـ نحن العرب ـ الوهم . وأنه لن يحدث تقييد لأنشطة الجماعة ، ولن يتم تسليم الإرهابيين إلي بلادهم . وأن القرار ما هو إلي حركة التفافية بقصد التهدئة ، وامتصاص الضغوط التي يمكن أن تكون قد مورست من جانب مصر والسعودية والإمارات . والجانب الخطر في القرار البريطاني أن تنتهي هذه التحقيقات إلي تبرئة الجماعة ـ بحق أو بغير حق ـ من الأعمال الإرهابية . وهذا يستلزم نشاط مكثف من الجانب العربي ـ وعلي رأسه مصر ـ لتقديم الأدلة والأسانيد المادية والفكرية الدالة علي إرهاب الجماعة للجانب البريطاني حتي يتم وضعه في الزاوية ، فلا تكون لديه فرصة للتراجع أو للقفز للأمام بتجاوز الحقائق ، وإعلان الموقف المسبق . وقد كان القرار مفاجئاً في شموله ،فإلي جانب التكليفات السابقة ، جري تكليف مستشارالأمن القومي البريطاني السير كيم داروش بإجراء تقييم مماثل . إلي جانب تكليف السفير البريطاني في السعودية السير جون جينكينز بتقديم تقرير حول فكر وقيم الجماعة وعلاقتها بالتطرف والعنف . ولعل هذا الشمول قد يضفي مصداقية من نوع ما علي القرار البريطاني قد تبدد إلي حين ضباب الشك الذي ثاور الخبثاء . أما من حيث الآثار والنتائج المترتبة علي القرار البريطاني فإنها تتوقف علي مدي شد الخيط علي استقامته في الإتجاه الصحيح . فلو حدث ذلك لكان القرار هو إعلان جماعة الإخوان جماعة إرهابية ، وفض الإرتباط التاريخي الذي كان يربط بينها وبين لندن . بخلاف وضع الموقف الأمريكي في حرج بالغ قد يدفع إلي اتهام واشنطن شعبياً ـ علي الأقل ـ بدعم الإرهاب . ولن يشفع لها حينئذ ذلك الموقف المتأرجح من الثورة المصرية بين القبول والرفض . خاصة بعد موافقة البرلمان الكندي علي إدراج جماعة الإخوان جماعة إرهابية . أما إذا انحرف الخيط عن استقامته ، وأضحي القرار البريطاني مجرد مناورة تكتيكية للإلتفاف علي الضغوط العربية ، وانصاعت لندن لعلاقة التبعية للقاطرة الأمريكية الداعمة للجماعة ، فإن الأمر هنا يتوقف علي الإرادة العربية في استخدام أوراق الضغط لديها ـ وهي كثيرة ـ إنقاذا للمنطقة من المخطط الغرب / أمريكي ، مع التوجه شرقاً نحو تعميق العلاقات ، لإحداث التوازن المطلوب بين الشرق والغرب لصالح دول المنطقة .
حسن زايد
كاتب عربي ومدير عام
المصدر: أوكرانيا بالعربية