أوكرانيا بالعربية | الغرب يحاول فرض الأمر الواقع في أوكرانيا وكييف تدفع إلى عسكرة المنطقة... بقلم أشرف الصباغ
كييف/أوكرانيا باعلربية/أعرب وزير الخارجية الأوكراني بافيل كليمكين عن اعتقاده بأن الولايات المتحدة لن تقدم على تنازلات في موضوع استقلال أوكرانيا ووحدة أراضيها. واعتبر الوزير الأوكراني أن دعم استقلال بلاده يخدم المصالح الاستراتيجية الأمريكية.
هذا التصريح جاء في ختام اجتماع وزراء خارجية الدول الأعضاء في حلف الناتو في مدينة أنطاليا التركية يوم الأربعاء 13 مايو/أيار الحالي. وحضره كليمكين على الرغم من أن أوكرانيا ليست عضوا في هذا الحلف. يبدو أن وزير الخارجية الأوكراني يدرك جيدا عدم فهم الغرب لطبيعة الأزمة الأوكرانية الداخلية، أو أنه يستغل طموحات الناتو في الاقتراب من الحدود المباشرة لروسيا، من أجل تحقيق جملة من المكاسب لصالح قطاعات اقتصادية معينة مرتبطة بالغرب، وقوى سياسية موالية لأوروبا والولايات المتحدة. إضافة إلى التحالف غير المقدس مع القوى القومية المتطرفة والنازيين الجدد.
لقد خرج حلف الناتو الذي تديره وتوجهه عمليا الولايات المتحدة بمجموعة من التوصيات أو القرارات بشأن الأزمة الأوكرانية، لا تتضمن أي جديد غير توجيه الاتهامات إلى روسيا، ومحاولة تصوير الصراع بأنه بين كييف وموسكو.
لقد أعلن الأمين العام للناتو ينس ستولتنبرغ أن إجراء الانتخابات في دونباس ومنحها وضعا خاصا هو جزء من اتفاقات مينسك. وأكد إصرار الناتو على تنفيذ الجزء السياسي لاتفاقات مينسك بشأن التسوية في أوكرانيا بالكامل، الأمر الذي يقتضي منح منطقة دونباس وضعا خاصا وإجراء انتخابات هناك. ولكنه في الوقت نفسه يحمل ما يصفهم بـ "الانفصاليين المدعومين من روسيا" (في إشارة إلى قوات الدفاع الشعبي في جنوب شرق أوكرانيا) الجزء الأكبر من المسؤولية عن انتهاكات وقف إطلاق النار في منطقة النزاع. بل ويجدد توجه الحلف نحو مواصلة تعاونه مع أوكرانيا، معلنا أن الحلف يخطط لتوسيع قوام مكتبه وإرسال مستشارين إلى وزارة الدفاع الأوكرانية. كما اعتبر أن التعاون الوثيق مع الناتو سيوسع إمكانيات أوكرانيا في الدفاع عن نفسها، مؤكدا أن الحلف يساعد كييف حاليا في إدارة القوات ويقدم لها دعما لوجستيا وعلاجا للجنود الجرحى، وأن بريطانيا وكندا تقدمان مساعدة لكييف في تدريب الجيش، وسوف يجري الناتو وأوكرانيا الخريف المقبل تدريبات مشتركة على مواجهة الأزمات تحمل عنوان "الرد الجنوبي".
هذا يعني ببساطة أن الناتو ما زال يناور حول الأزمة الأوكرانية، بينما تطلق واشنطن تصريحات أكثر مرونة على الرغم من أنها تسير على نفس المسار المثير للتساؤلات حول النوايا الحقيقية بشأن أوكرانيا. هذا الأمر يتضح جيدا في تصريحات وزير الخارجية الأوكراني الذي أشار إلى أن جميع وزراء خارجية الدول الأعضاء في الحلف أكدوا دعمهم لكييف. ودعا الحلف إلى تأسيس مزيد من الصناديق الائتمانية لدعم الجيش الأوكراني. كل ذلك على خلفية اعترافات كييف بارتفاع معدلات الفساد في البلاد والتي تبتلع مبالغ ضخمة من المساعدات والقروض الأجنبية.
إن ما طرحه أمين عام الناتو بشأن الوضع الخاص لشرق أوكرانيا، والحفاظ على سيادتها وسلامة أراضيا كدولة "مستقلة مسالمة"، يثير الالتباس بعض الشيء. فهناك اتفاقات بين روسيا والغرب منذ تفكك الاتحاد السوفيتي على الوضع الحيادي لأوكرانيا من جهة، وإخلائها من الأسلحة النووية من جهة أخرى. وبالتالي، وبدون مراعاة هذين البندين، ستظهر الكثير من العقبات أمام أي إصلاحات دستورية في أوكرانيا. وقد تتحول أوكرانيا إلى دولة من دول المواجهة مع روسيا الأمر الذي يضع المنطقة، وأوروبا بالكامل، فوق برميل من البارود.
لقد أعلن كليمكين أن بلاده مستعدة للتعاون مع منظمات دولية، بما فيها منظمة الأمن والتعاون الأوروبي، لبدء العمل التحضيري لإجراء "انتخابات نزيهة" في منطقة دونباس، جنوب شرق أوكرانيا. وقال إن هذا العمل يقتضي تحديد ممثلين حقيقيين عن دونيتسك ولوغانسك، وسيستطيعون أن يأخذوا على عاتقهم مسؤولية إعادة الحياة في المنطقة إلى طبيعتها.
وقبلها بيوم واحد فقط، في 12 مايو/أيار الحالي، طرحت جمهوريتا "دونيتسك" و"لوغانسك" الشعبيتان المعلنتان من طرف واحد، شروطا لإجراء انتخابات محلية على أراضيهما. وتشمل المقترحات تشكيل لجان انتخابية مؤقتة ومستقلة من قبل السكان المحليين. وستقوم تلك اللجان بتنظيم الانتخابات وحملة الدعاية وعملية فرز الأصوات وغير ذلك. كما يجب منع الأحزاب الأوكرانية التي اتخذ أعضاؤها قرارات بإجراء العملية العسكرية في شرق البلاد وفرض حصار اقتصادي على منطقة دونباس، وإشعال نيران الدعاية العسكرية والفتنة الاجتماعية والعرقية، من المشاركة في الانتخابات. وسيتم إجراء الانتخابات فقط بعد وقف العملية العسكرية وصدور قانون حول العفو عن عناصر "الدفاع الشعبي" والنشطاء السياسيين المناهضين لكييف في دونباس، والرفع التام للحصار الاقتصادي عن دونباس.
في نهاية المطاف، لا يمكن تسوية الأزمة الأوكرانية بدون تعديل الدستور لضمان الوضع الخاص بمنطقة دونباس، وتأكيد مبدأ حيادية أوكرانيا. غير أن كييف تحاول التعتيم على هذه النقاط المحورية أو طرحها بشكل خاطئ ومشوه لخلط الأوراق أمام الرأي العام المحلي والغربي، إما مستغلة جهل الغرب بطبيعة المنطقة وطبيعة الصراع، أو متماهية مع رغبات الغرب في إعاقة روسيا، وتقليص نفوذها، وعدم احترام مصالحها كدولة كبرى.
أشرف الصباغ
المصدر: آر تي