أوكرانيا بالعربية | الدستور الجديد والخلافات المذهبية والسياسية... بقلم د. عادل عامر

إن الدستور الذي يصاغ بطريقة ديمقراطية يضع الأساس الصحيح لممارسة ديمقراطية لاحقة، ولهذا ينبغي أن تسبق صياغة الدستور الفعلي حوارات وموافقات سابقة على المبادئ الأساسية كما هو جارٍ الآن وذلك لتجنب الدساتير السابقة في العديد من الدول التي كانت في شكل منحة من الحاكم إلى مواطنيه

كييف/أوكرانيا بالرعبية/إن الدستور الذي يصاغ بطريقة ديمقراطية يضع الأساس الصحيح لممارسة ديمقراطية لاحقة، ولهذا ينبغي أن تسبق صياغة الدستور الفعلي حوارات وموافقات سابقة على المبادئ الأساسية كما هو جارٍ الآن وذلك لتجنب الدساتير السابقة في العديد من الدول التي كانت في شكل منحة من الحاكم إلى مواطنيه والدساتير التي أتت بعدها والتيتحدثت بلغة أكثر ديمقراطية ولكنها لم تجسد روح الديمقراطية. 

"إن محاولة صياغة دستور يعبر عن الاتجاهات المختلفة في المجتمع هو أمر غير واقعي من وجهة النظر القانونية، وقد يعوق عملية الصياغة ذاتها "ربما يكون من السهل نسبيا وجود اتفاق على المواد التي تتعلق بالحقوق والحريات، إلا أنه سيكون هناك الكثير من الجدل حول المواد الخاصة بتوزيع السلطة. وهو ما شاهدناه فى معظم البلدان التي تمر بثورات." أنه: "في جميع الدول التي قامت بها ثورات، تضمنت الدساتير الجديدة مواد تتعلق بالحقوق والحريات العامة، إلا أنها يجب أن تترجم إلى قوانين. ويمتد الجدل إلى حدود أبعد من كتابة الدستور، وتكون مسئولية الحكومة تطبيق المواد المتعلقة بحقوق المواطنين."

إن الشعب المصري معظمه من أهل السنة والجماعة، وبالمناسبة هذه مصطلحات سياسية وعلمية لأن المسمى مسلمون ونقول الشريعة الإسلامية الدين الإسلامي، لكن لا نقول شيعة وأهل سنة وأباظية هذه كلها تسميات غريبة وبالذات في الدساتير.

كثر الأمور المرتقبة هو دور الجيش وصلاحياته في الدستور الجديد". ويرفض الجيش حتى الآن التخلي عن الصلاحيات والامتيازات التي يتمتع بها ومن بينها عدم الكشف عن ميزانيته بشكل مفصل، كما أن القضايا ذات الصلة بالجيش يتم بحثها أمام القضاء العسكري وهو أمر ينطبق أيضا ، على المدنيين الذين يعملون في الشركات الاقتصادية التابعة للجيش وبما أنه بدا أن ضبابية تلف موقع القوات المسلحة المصرية في الدساتير وما يستتبعه ذلك من تأثير على طبيعة العلاقات المدنية العسكرية، فإن حاجة تبدو ملحة لتقشيع تلك الضبابية عبر تأطير هذا الأمر في دستور مصر ما بعد مبارك بشيء من التفصيل ومزيد من الوضوح ووفق ما تقتضيه الأعراف الديمقراطية التي تحظر منح القوات المسلحة أي وضع استثنائي، كما تمنع تدخلها في العملية السياسة، وتنأى بها عن أية انتماءات فكرية أو حزبية ورغم أن موقع الجيوش في العملية السياسية لا يرتهن فحسب بالنصوص الدستورية بقدر ما يتعلق بمدى إمكانية تطبيق تلك النصوص بالفعل علاوة على كيفية تفسيرها، خصوصا أن غالبية الدول التي شهدت انقلابات عسكرية لم تكن دساتيرها تتضمن نصوصا دستورية صريحة تتيح للجيوش التدخل في السياسة، كما لم تكن دساتير الدول التي لم تشهد انقلابات تحوي نصوصا واضحة أيضا بحظر تلك الانقلابات، وإنما كانت الجيوش تقوم بها غير مكترثة بنصوص الدساتير تارة أو مفسرة إياها على النحو الذي يسوغ لها هذا الأمر تارة أخرى، فإن حرص المجلس العسكري على تحصين الوضع الخاص للقوات المسلحة بنصوص دستورية مكملة يمكن أن يتم تضمينها لاحقا في الدستور الدائم، يثير تساؤلات بالغة الأهمية بشأن دور الجيش في مرحلة ما بعد مبارك أما عن المحاكمات المدنيين أمام القضاء العسكري  أن المحاكم العسكرية بطبيعة القوانين المنظمة لها غير مستقلة. أدخلت معظم الدساتير الحديثة المفاهيم الديمقراطية مثل الشرعية الشعبية والحقوق الفردية وفصل السلطات وأنظمة المراقبة والتحقق وذلك بدرجات مختلفة وفقاً لوضع البلد. أدت النصوص الدستورية إلى إنشاء برلمانات منتخبة والاعتراف وحماية حريات التعبير وإنشاء المؤسسات والفكر واعتناق الدين كما أدت الى إعلان مساواة المواطنين أمام القانون والى تكريس مبدأ الحماية من الاعتقالات العشوائية إضافة الى إستقلال النظام القضائي. في البلدان العربية حيث كان هناك مثل هذه الدساتير، حصلت انتخابات وقامت حياة سياسية صحية نسبياً تميزت بطلبات تطبيق الحكم الذاتي. كانت الغاية من وراء القيود الدستورية على الحكومة هي التحقق من الأعمال التعسفية لأنظمة ملكية وراثية اساءت استخدام القوة وفرضت ضرائب غير مرغوب فيها أو أطلقت حروب لا حاجة لها. تمكن النبلاء الأوروبيون الذي يتمتعون بأملاك ضخمة، وعبر استخدام اتفاقات مثل الماغنا كارتا، أن يفرضوا مبدأ الضبط على ملوكهم، حتى لو كان معظم ذلك عبر المؤسسات الاستشارية. لكن بمرور القرون، وعبر الثورات الشعبية أو التطور التمثيلي للمؤسسات مثل البرلمانات، تم تطوير أنظمة تحقق أكبر على السلطة وفصل أكبر للسلطات عبر فروع مستقلة. لم يعد القادة قادرين على التصرف بشكل أحادي الجانب ضد رغبة الشعب، نتيجة وجود الدساتير المكتوبة وغير المكتوبة، إذ اصبح عليهم أن يحصلوا على موافقة البرلمانات وأن يطيعوا القوانين القائمة. حصل أحيانا هذا التطور التدريجي للقيود الدستورية على سلطة الدولة في مجتمعات في قارات أخرى، ولكن بشكل عام فإن الدولة المركزية في آسيا وإفريقيا والأميركيتين لم تكن لتفرض على قادتها مثل هذه القيود المؤسسية الصريحة. في النظام شبه الرئاسي، فإن الرئيس الذي يقود السلطة التنفيذية يتم انتخابه بشكل مباشر من قبل الناس، كما هو الحال في النظام الرئاسي، كما أن مجلس الوزراء، وهو الهيئة التنفيذية، يظل مسؤولا أمام البرلمان، كما هو الحال في النظام البرلماني. هذا هو حال النموذج الفرنسي تحت الجمهورية الخامسة والتي انشئت وفقاً لدستور عام 1958. تقوم الحدود الدستورية على فكرة أن حكم القانون – القواعد التي وضعها ممثلو الشعب – هو أسمى من سلطة أي فرد أو أية مجموعة. في منشورته المهمة بعنوان منطق، أشار توماس بين الى أنه في الممالك الاستبدادية، الملك هو القانون، في حين أنه في المجتمعات الحرة التي تعتمد الحكم الذاتي، فإن القانون هو الملك. إن فصل السلطات باستخدام الدستور يؤمن عدم تمكن أي فرد من السيطرة على الحكومة وبالتالي صياغة قانونه الخاص به. يشكل الدستور والقوانين التي تنبع منه الإطار الذي لا يمكن خرقه والذي ينطبق على كل المواطنين. 

الديكتاتورية هي الصيغة المعاصرة المضادة للحكم الذاتي الشعبي وحكم القانون والتي من خلالها يحكم قائد مستبد أو طغمة، أو أقلية تحكم بواسطة مرسوم، وتمارس السلطات بشكل مشابه لما كانت تمارسه الممالك التاريخية الموصوفة أعلاه. قد يكون للديكتاتورية دستور، ولكنه عملياً يستخدم لتوسيع بدلاً من الحد من سلطات الدولة كما وتُمنح معظم السلطة، إن لم يكن كلها، الى القائد أو الى المجموعة المتنفذة. يمكن بالعادة في ظل أنظمة كهذه، تغيير الدستور من  دون مداخلات تذكر من قبل الناس. النتيجة تكون اساءة استخدام السلطة (ويمكن أن نجد النتائج المروعة لذلك في دراسات البلدان المصنفة غير حرة). تعتمد الديكتاتوريات أحياناً نصوصاً دستورية ليبرالية لغايات المظاهر أو لخداع الرأي العام العالمي وذلك عبر منح المواطنين بعض الإمكانيات لتنظيم التغيير. تدعو بعض الدساتير الى الالتزام الكامل بالمبادىء الأساسية لحقوق الإنسان أو الحكم الذاتي، ولكنها تعطي في الوقت نفسه المجال لبعض السلطات العليا – قائد أو حزب حاكم – لإلغاء هذه المبادىء باسم الأمن الوطني أو لصالح أولوية ايديولوجية رئيسية.


د. عادل عامر

دكتور في الحقوق وخبير في القانون العام

 رئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية

 عضو المعهد العربي الأوروبي للدراسات الإستراتجية

 والسياسية بجامعة الدول العربية


المصدر: أوكرانيا بالعربية

مشاركة هذا المنشور:
الأخبار الرئيسية
سياسة
بيربوك: أوكرانيا تحتاج إلى أسلحة بعيدة المدى للدفاع عن خاركيف
رياضة
زيلينسكي: أوكرانيا فعلت كل ما يلزم للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي
سياسة
رئيس أوكرانيا: شركاؤنا لا يضغطون علينا للتفاوض مع روسيا
أخبار أخرى في هذا الباب
آراء ومقالات
عن النصر والخوف والمعارضة...بقلم رئيس حركة "الأخوية القتالية الأوكرانية" بافلو جيربيفسكي
آراء ومقالات
الفساد العظيم الذي ضيّع أوكرانيا!..حسين الراوي
آراء ومقالات
الإجرام الروسي والطفولة الأوكرانية..حسين الراوي
تابعونا عبر فيسبوك
تابعونا عبر تويتر
© Ukraine in Arabic, 2018. All Rights Reserved.