أوكرانيا بالعربية | الدبلوماسية الشرق اوسطية.. الرحلات المكوكية تساوي صفرا... بقلم د. فوزي الأسمر
كييف/أوكرانيا بالعربية/منذ عدة سنوات دخل قاموس الدبلوماسية الشرق أوسطية مصطلحا جديدا اطلق عليه كنية الرحلات المكوكية. وقد جاء هذا تعبيرا عن رحلات يقوم بها وزراء الخارجية الأمريكية بين طرفي الصراع الفلسطيني ــ الإسرائيلي. واستعمل هذا الأسلوب منذ عدة عقود من جانب وزراء الخارجية الأمريكيين في سعيهم لحل المشكلة الفلسطينية.
ولا يختلف وزير الخارجية الأمريكية الحالي جون كيري عن غيره من وزراء الخارجية الأمريكيين الذين سبقوه، فهو يقوم حاليا بجولاته المكوكية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، على أمل الوصل إلى كسر الجمود القائم في المسيرة الدبلوماسية بين طرفي النزاع.
والنتائج التي توصل إليها كيري حتى الآن لا تختلف عن نتائج وزراء الخارجية الأمريكيين الذين سبقوه وهي صفر. ورغم أن كيري لم يعلن رسميا عن فشل مساعيه، ولديه تفاؤل في كسر الجمود القائم، إلا أن الأمور كما تسير الآن لا تدعم هذا التفاؤل، ولا تبشر خيرا.
وسبب فشل هذه الرحلات المكوكية، وحتى حسب ما ينشر في الصحافة العبرية، هي المواقف التي تتخذها حكومة إسرائيل. في البداية كانت مواقف تعجيزية، حيث كانت تطلب من الفلسطينيين تقديم المزيد من التنازلات، وكلما قدم الفلسطينيون تنازلا طلبت إسرائيل المزيد.
ولكن اليوم تغيرت بعض الأمور فإضافة الى طلباتها التعجيزية من الفلسطينيين، بدأت إسرائيل ترفض علنا كل الاقتراحات الأمريكية المتعلقه بكسر الجمود القائم. وأول خطوة قام بها وزير الخارجية جون كيري هي محاولة إقناع حكام إسرائيل قبول المبادرة العربية، التي مضى على وجودها في الساحة الدبلوماسية عشر سنوات، إلا أن إسرائيل كعادتها رفضت ذلك (صحيفة ‘واشنطن بوست’ 9/4/2013).
وكانت الحكومة الإسرائيلية قد رفضت بشكل قاطع المبادرة العربية منذ صدورها، حيث رفض رئيس الحكومة الإسرائيلية في حينه ارييل شارون المبادرة بحجة أنها تشير إلى قرار الأمم المتحدة 194 الخاص بحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى بلادهم، متجاهلا العبارة الرئيسية في المبادرة، التي تقول انه يتعين أن يوافق الجانبان على أي حل.
ووجد كيري في مباحثاته مع القيادة الإسرائيلية صعوبة في وضع رزمة بنود لكسر الجمود. السبب في ذلك يعود إلى الشروط التي تضعها إسرائيل أمام الفلسطينيين وتعرف مسبقا أنها شروط تعجيزية لا يمكن للفلسطينيين قبولها (‘معاريف’ 9/4/2013).
وتقول صحيفة ‘يديعوت أحرونوت’ (11/4/2013) ان الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية الأمريكية كشفت القناع عن وجود خلاف أساسي بين إسرائيل والولايات المتحدة، حيث رفضت إسرائيل كل الاقتراحات التي كان يحملها كيري معه والتي تدعو إلى أن تبدأ المباحثات حول الأمور الأمنية والحدود.
كما رفضت إسرائيل اقتراحا أمريكيا يدعوها إلى تقديم مبادرة حسن نية للفلسطينيين لبناء الثقة وكسر الجمود، في مقدمتها إطلاق سراح أسرى فلسطينيين (‘معاريف’ 11/4/2014). من ناحيتها تطالب إسرائيل الفلسطينيين بأن تشمل المباحثات كل الأمور، كما تطلب منهم كشرط لبدء المباحثات الموافقة على استمرار البناء في المستعمرات اليهودية واعترافهم بيهودية دولة إسرائيل. (‘يديعوت أحرونوت’ 10/4/2013 ).
وقد أدى ذلك إلى أن تتهم صحيفة ‘هآرتس′ ( 12/4/2013) الحكومة الإسرائيلية في وضع العراقيل أمام إي تقدم في المساعي الأمريكية لكسر الجمود. فقد نشرت في ذلك اليوم افتتاحية حملت العنوان التالي ‘لا مفاوضات’. ومما جاء في الافتتاحية، أن المساعي المكوكية للوزير كيري اسفرت عن خيبة أمل مقلقة. فالانطباع الذي تركته هو أن إسرائيل مصممة على عدم السماح في تقدم مسير السلام.
وتضيف الصحيفة: ‘من المستحيل تفهم الموقف الإسرائيلي، الذي يمنع حتى الأمل في الوصول إلى حوار حول تحديد خريطة إسرائيل وتأمين كل متطلباتها الأمنية، وهي تعلم أن الموضعين المذكورين هما الأساس لكل تقدم نحو السلام’.
إن كلام وسائل الإعلام الإسرائيلية لا تدع مجالا للشك، أن إسرائيل هي المسؤولة عن عرقلة الأمور وترفض محاولات الوصول إلى حل. هذا ليس موقفا جديدا فقد كان موجودا قبل أن تبدأ الرحلات المكوكية الأمريكية، ولكن المسؤولين الأمريكيين لم يشيروا إلى هذا الموقف الإسرائيلي علنا.
معنى ذلك أن الولايات المتحدة بإداراتها المختلفة تعرف أن إسرائيل هي السبب الرئيسي في عدم التقدم في مسيرة الحل في المنطقة ، ومع ذلك كانت هذه الادارات تحمل الجانب الفلسطيني القسط الكبير من مسؤولية فشل مساعي السلام، وعدم التعاون معها من أجل الوصول إلى حل، وتشير بشكل مستمر إلى ‘تصلب الفلسطينيين في مواقفهم’.
السؤال الذي يطرح نفسه هو، لماذا لا تقوم أمريكا بوضع حد للعبث الإسرائيلي إذا كانت جادة في الوصول إلى حل للقضية الفلسطينية، وبالتالي للصراع القائم في منطقة الشرق الأوسط؟ ألم يحن الوقت لمواجهة إسرائيل ووضع ضغط حقيقي عليها كي تقبل تقديم بعض التنازلات التي قد تؤدي إلى إحلال سلام في المنطقة؟
والواقع أن كل هذه الرحلات المكوكية ستستمر في الفشل إلا إذا واكبها موقف أمريكي (وعالمي) صلب تفهم من خلاله إسرائيل أن العقوبات ستنزل عليها إذا رفضت الخضوع لمطالب المجتمع الدولي.
وحتى يحدث ذلك فإن الرحلات المكوكية لوزراء الخارجية الأمريكية تساوي صفرا.
د. فوزي الأسمر
كاتب وصحافي فلسطيني يقيم في واشنطن.
المصدر : أوكرانيا بالعربية