أوكرانيا بالعربية | البيان في الرد علي خزعبلات عطوان... بقلم حسن زايد
كييف/أوكرانيا بالعربية/جاء في قاموس المعاني أن الخزعبلات مفردها خزعبل، والخزعبل هو الباطل والكذب ، وقيل بأنه ما يضحك القوم من الهزل والمزاح ، وقيل بأنه الحديث المستظرف الذي يضحك منه ، وقيل بأنه الحديث المستطرف الذي يبعث علي الضحك ، والخزعبلة الأضحوكة ، وقد تواردت هذه المعاني علي ذهني ، وأنا أقرأ مقال السيد / عبد الباري عطوان ـ رئيس تحرير القدس العربي سابقاً ، وكاتب متجول حالياً ، في جريدة "أوكرانيا بالعربية" ، التي تصدر في أوكرانيا ، في عددها الصادر يوم الأحد الموافق 15/ 3 / 2015م ، تعليقاً علي المؤتمر الإقتصادي الذي عقد بمدينة شرم الشيخ بمصر.
المعنون بـ : " مؤتمر شرم الشيخ مظاهرة سياسية لدعم حكومة السيسي.. والقيود كبيرة.. والاستقراران السياسي والامني هما المعيار ". وقد جاء مقاله خزعبلة من خزعبلاته التي تبعث علي الضحك ، لما ينطوي عليه من مستظرف القول ومستطرفه ، وما يحويه من هزل ومزاح . فقد أراد الرجل أن يقلل من أهمية المؤتمر ، ويسيس أهدافه ، ويطمس ورديته " من لون الورد " بسواد سريرته ، وقبح توجهه ، وخبث مراميه . ففي محاولته تقزيم المؤتمر عنون مقاله بعبارة : " مؤتمر شرم الشيخ مظاهرة سياسية لدعم حكومة السيسي " .
وكأن الشركات الكبري ـ العربية والعالمية ـ قد جاءت بملياراتها ، دافعة بها إلي شرايين الإقتصاد المصري ، كي تخاطر بها في مظاهرة سياسية ـ أي تمثيلية ـ كي تضفي الشرعية علي حكم الرئيس السيسي ، وتدعم حكومته ، وهكذا يكون الإستثمار الآمن من وجهة نظر السيد عطوان ، إلا أنه لم يبين لنا ، ما الذي دفع هذه الشركات إلي هذا المسلك الخطر؟ ، وما هي الضغوط التي مورست عليها ؟، وما الجهة أو الدولة التي مارست هذا الضغط ؟. والمفترض في المظاهرات السياسية علي مستوي الدول أن يكون الإحتشاد فيها علي مستوي الرؤساء والزعماء ، وأن يكون الحضور فيها كثيفاً حتي تؤتي المظاهرة أكلها ، وتحقق أهدافها ، إلا أن السيد عطوان يري خلاف ذلك فيقول بأن : " الحضور السياسي العربي والدولي في المقابل كان اقل كثيرا من التوقعات، توقعات الحكومة على الاقل ، فقد اقتصر على وزراء الخارجية في غالبية الحالات، وغاب عنه زعماء مثل الرئيس الامريكي باراك اوباما، او الروسي فلاديمير بوتين او الفرنسي فرانسوا هولاند، او البريطاني ديفيد كاميرون " .
وبهذا الحضور الخافت للزعماء والرؤساء والقادة ، ينتفي وصف مظاهرة سياسية ، بقصد تأييد حكم السيسي ، كما ذهب السيد عطوان . لكن الصحيح أن المؤتمر الإقتصادي قد تحول ـ بالفعل المصري والحضور العربي ـ إلي مظاهرة سياسية ، أحرجت من لم يحضر من الزعماء والرؤساء والقادة . الأمر الذي دفع بجون كيري إلي تغيير كلمته المعدة مسبقاً ، ودفع بالمستشارة الألمانية ميركل إلي توجيه الدعوة للسيسي لزيارة ألمانيا أثناء انعقاد المؤتمر . أما بوتين فموقفه معلن قبل المؤتمر وبعده ، وصفقة الأسلحة الفرنسية ترد علي غياب هولاند ، وزيارة الزعيم الصيني في إبريل مسألة لا يجوز إغفالها . إذن فالمؤتمر كان اقتصادياً في الأساس جري توظيفه سياسياً من الجانب المصري .
ثم ذهب السيد عطوان إلي الغمز واللمز وضرب الأسافين في العلاقة المصرية السعودية حين قال : " المملكة العربية السعودية صاحبة الفكرة الاساسية لانعقاد هذا المؤتمر تمثلت في الامير مقرن بن عبد العزيز ولي العهد في ظاهرة لافتة للنظر، فقد كان من المتوقع مشاركة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز فيه الامر الذي طرح العديد من علامات الاستفهام حول الاسباب السياسية لهذا التغيب، وطبيعة العلاقات المصرية السعودية في العهد الجديد " . وقد تغافل السيد عطوان عامداً كلمة الأمير مقرن التي جعلت جون كيري يبدو متبرماً مرتبكاً متوتراً ، حين عمد الأمير إلي توجيه اللوم لمن يسعي بازدواجية في المعايير في مواجهة الإرهاب ، وكان من الواضح أنه كان يقصد إلي الإنتصار للموقف المصري ، في مواجهة الموقف الأمريكي .
ثم يذهب السيد عطوان إلي المصادرة علي المطلوب ، حين جعل يعدد أسباب حاجة مصر إلي هذا المؤتمر ، ثم علق الإستثمار علي توافر شرطي الاستقرارين الامني والسياسي في البلاد ، وكأنه قد أعاد اكتشاف العجلة . وقد تغافل عن أن هذا المطلوب معلن من الجانب المصري ، بل وقد تم تقديمه باعتباره برنامج العمل الذي يحدد مجالات الإستثمار ، وقدوم الشركات العملاقة ، وإبرام عقود فعلية يعني بالضرورة توافر الأمن والإستقرار مسبقاً ، في تلازمية السبب والنتيجة ، أي أن توافر الأمن والإستقرار ، والقدرة علي توفيرهما ، والثقة في ذلك ، مقدمة طبيعية لوجود المؤتمر ونجاحه ، والأمر ليس محلاً للتجربة . وقد حدث خلط ذهني لدي السيد عطوان ـ أو تخليط متعمد ـ حين تحدث عن شروط للإستثمار فقال : " وجود هذه الاستثمارات الاجنبية الضخمة لا يمكن ان يتحقق دون الالتزام بالشروط المطلوبة وابرزها المحافظة على معاهدة السلام مع اسرائيل واستمرار التطبيع معها، والمضي قدما في محاربة "الارهاب" وفق المعايير الغربية وربما يتأتى هذا من خلال تدخلات عسكرية في ليبيا واليمن وسورية والعراق اذا لزم الامر " .
وهذا الكلام المرسل كان يصح لو أن المؤتمر الإقتصادي كان مؤتمراً للمانحين ، حيث يشترط المانح اشتراطات بعينها لتنفيذ منحته والإلتزام بها . وي كأنه قد استيقظ فجأة من غفوته ، فلم يدرك ما جري ، فأسقط كلامه المرسل عن شروط المنح لتكون هي شروط للإستثمار . ولم يميز بين مؤتمر المانحين ، ومؤتمر المستثمرين . وقد رهن السيد عطوان نجاح المؤتمر ، وهذه الإستثمارات الضخمة ، في دفع الإقتصاد المصري إلي الأمام بشروط ، منها عدم وجود الفساد والمحسوبية، وعدم هيمنة القطط السمان على مقدرات البلاد الاقتصادية، وعلى المشاريع الاستثمارية ، وهو كلام أيضاً فيه مصادرة علي المطلوب ، وتلميح سخيف وغير مقبول لرمي الإدارة الحالية بما ليس فيها ، ثم يخلص في نهاية مقاله إلي المطلوب من المقال ، والهدف من وراء تحريره من الأصل وهو التسويق لفكرة المصالحة الوطنية الحقيقية كشرط لنجاح هذه الإستثمارات ، ويقصد بالقطع المصالحة مع الجماعة الإرهابية وتوابعها وأزلامها ، لأنه لا توجد خصومة في المجتمع المصري إلا من هذه الزاوية ، وهي زاوية يحول دون تحققها الدم والإرهاب .
حسن زايد
كاتب مصري ومدير عام
المصدر: أوكرانيا بالعربية