أوكرانيا بالعربية | الاسد مرتاح لـ"التطبيع الاعلامي" مع امريكا ويأمل ان يتطور الى تطبيع سياسي.. والحرب في اليمن خففت الضغوط عليه... بقلم عبد الباري عطوان
كييف/أوكرانيا بالعربية/لعل الرئيس السوري بشار الاسد الاكثر ارتياحا من بين اقرانه بالتدخل السعودي الخليجي العربي (جزئيا) في اليمن، وتحوله الى حرب شاملة قد تطول لاشهر وربما سنوات، لان هذه الحرب تخفف من حدة الضغوط الممارسة على نظامه، وتورط اعدائه في حروب استنزاف مباشرة ظلوا في منأى عنها طوال السنوات الاربع الماضية من عمر الازمة السورية.
هذا الارتياح بدا واضحا في المقابلة التي اجرتها معه محطة تلفزيون "سي بي اس" التي تعتبر واحدة من اهم اربع محطات امريكية، وكان لافتا انه لم يتطرق مطلقا فيها الى القمة العربية المنعقدة بداية هذه الاسبوع في شرم الشيخ، ولا الى الغارات الجوية السعودية الخليجية على مدن يمنية، وربما يعود ذلك لان المقابلة جرى تسجيلها قبل هذين الحدثين المهمين في المنطقة.
ولعل هذا الارتياح ترسخ بصورة اكبر واقوى لان هذه المقابلة تتم مع محطة امريكية كبرى، مما يعكس بداية "تطبيع" اعلامي امريكي معه ونظامه، ربما يكون مقدمة "لتطبيع سياسي"، فاللافت ان المقابلات الاعلامية معه، وعلى مدى السنوات الاربع الماضية، كانت خجولة في البداية، وتقتصر على محطات "تلفزة" او صحف شبه مجهولة، وغالبا تابعة لاحزاب تركية معارضة للرئيس رجب طيب اردوغان، ولكنها تطورت تدريجيا، مع تطور الازمة وصمود نظامه، الى مقابلات مع محطات او صحف غربية حتى وصلت الى هذه المحطة العملاقة في تزامن مع تصريحات جون كيري وزير الخارجية الامريكي التي تحدث فيها عن حتمية الحوار مع النظام السوري من اجل القضاء على الارهاب.
الرئيس السوري التقط طرف الخيط هذا، وكرس معظم اجاباته حول العديد من النقاط او الرسائل التي يريد لفت الادارة الامريكية لها:
• اولا: التأكيد على ان تنظيم "الدولة الاسلامية" او "داعش" مثلما ورد في النص، يتوسع ويزداد قوة رغم الضربات الجوية الامريكية لقواعده.
• ثانيا، الاعتراف بأن الغرب غير حساباته بعد الصعود الكبير لـ"داعش"، ولكنه لم يغير مقاربته للصراع في سورية القائمة على "تغيير النظام".
• ثالثا: التشديد على ضرورة قيام حوار مباشر مع الامريكيين لمحاربة الارهاب معه ومع نظامه، "لان هذا الارهاب موجود على الارض السورية، ولا يستطيعون هزيمته دون تعاوننا لاننا نعيش معه، ونعرف كيف نهزمه".
واذا تأملنا هذه النقاط الثلاث، نجد ان الرئيس الاسد يدرك جيدا ان الهدف الامريكي في نهاية المطاف هو الاطاحة بنظامه، ولم يتخل عن هذا الهدف باعطاء الاولوية مؤقتا لمحاربة "الدولة الاسلامية" ولعله يأمل ان تطول هذه الحرب، اذا استمرت "المقاربة" الامريكية الغربية للصراع في سورية التي تحدث عنها وقال انها لم تتغير والقائمة على تغيير النظام.
التطور الابرز الذي يعزز صحة هذه "المقاربة" استيلاء جبهة "النصرة" على معظم مدينة ادلب وحديث الائتلاف الوطني المعارض على جعلها "عاصمة له" على غرار مدينة الرقة في الشرق كعاصمة لـ"الدولة الاسلامية".
الرئيس الاسد اتهم تركيا وقطر بدعم هذه الجبهة تسليحيا وماليا، وربما يبدو هذا الاتهام صحيحا، فقد ترددت انباء بأن دولة قطر طلبت من "النصرة" التخلي عن انتمائها لتنظيم "القاعدة" لتغيير صورتها، وبما يسهل تسويقها امريكيا وغربيا ورفعها من قائمة "الارهاب"، ومن استمع الى خطاب امير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني في القمة العربية الاخيرة، والفقرة "الصقورية" المتعلقة بالازمة السورية يدرك جيدا ان الجهود الخليجية والقطرية السعودية على وجه الخصوص متصاعدة لدعم المعارضة المسلحة، واطاحة النظام السوري.
لا نعرف ما اذا كانت ادارة الرئيس باراك اوباما ستتجاوب مع رسائل الرئيس الاسد بشكل ايجابي، وتبدأ في فتح حوار معه يتطور الى تحالف في مواجهة "الدولة الاسلامية"، لكن ما نعرفه ان اي اتفاق نووي مع ايران يتم التوصل اليه خلال الساعات المقبلة قد يكون من بين بنوده السرية بقاء النظام السوري الحليف الاكبر لايران في المنطقة، او هكذا نعتقد، وهذا ما يفسر الهجمة السعودية القطرية التركية الشرسة ضد النظام السوري في الفترة الاخيرة.
الازمة اليمنية المتفاقمة اعطت فرصة للرئيس الاسد لالتقاط الانفاس، بسبب انشغال اعدائه بها، وتورطهم في شعابها الوعرة، وكلما طال امد هذا التورط، كلما ازدادت مساحة الارتياح والتقاط الانفاس بشكل اعمق، اما اذا جاءت نتائح هذا التورط عسكية بالنسبة الى التحالف الايراني السوري العراقي (الرسمي) فان الصورة ستكون غير وردية للنظام في سورية.
عبد الباري عطوان
رئيس تحرير ومؤسس صحيفة "راي اليوم" الالكترونية
محلل سياسي وكاتب عربي
المصدر: أوكرانيا بالعربية