أوكرانيا بالعربية | الأردن على حافة ثلاثة براكين وسياسة الاقصاء ليست الحل... بقلم عبد الباري عطوان
كييف/أوكرانيا بالعربية/ردود الفعل التي رصدت في اوساط اردنية عديدة، من مختلف الاصول والمنابت، تجاه قرار العاهل الاردني الملك عبد الله الثاني المفاجىء بتغيير اعضاء مجلس الاعيان ورئيسه عكست حالة من الاحباط، وخيبة الامل في وقت تحتاج فيه البلاد الى اتخاذ كل الخطوات اللازمة لتعزيز الاستقرار، والوحدة الوطنية، وتحصين الجبهة الداخلية الاردنية من اخطار عديدة تهددها.
صحيح ان مجلس الاعيان الاردني الذي لا يزيد عدد اعضائه عن 75 عضوا لا يتسع لكل الشخصيات الكبيرة والصغيرة في البلاد، وانه لا يوجد بلد في العالم يتم فيه تداول المناصب ويضم عددا من الوزراء والنواب واعضاء مجلس الاعيان مثل الاردن، ولكننا ونحن نضع كل هذا في اعتبارنا، نتوقف هنا عند التوقيت واهميته في مثل هذه المرحلة الحساسة التي تجتازها البلاد.
***
نشرح اكثر، ونقول بالصراحة كلها، ان استبعاد الشخصيات الاسلامية والوطنية البارزة من مجلس الاعيان الجديد جاء فالا سيئا للاصلاحيين ومطالبهم، وهذا الا يعني التشكيك في قدرات وكفاءات ووطنية الكثير من الشخصيات الجديدة فيه، ونقر ونعترف بوجود العديد من الوجوه الوطنية الشابة والمخضرمة من مختلف التيارات، ولكننا نتحدث بشكل محدد عن استبعاد اعمدة رئيسية من اعمدة النخبة السياسية في الاردن عن المجلس وبطريقة متعمدة ومقصودة، مما يعني انطباعا بأن النظام بات يشعر بالاسترخاء والراحة وسط قناعة بتجاوزه الازمة، وهذا شعور ربما يكون سابق لاوانه لان المخاض الاصلاحي في الاردن والمنطقة العربية باسرها، ما زال في بداياته، واذا كان تعرض للخطف او الانحراف في بعض البلدان عن هدفه الرئيسي، لاسباب نحتاج الى مقال آخر لشرحها، فهذه مرحلة مؤقتة، لان المعطيات التي انطلق من اجلها الحراك، وابرزها الفساد وغياب الاصلاح والرغبة في التغيير الديمقراطي ما زالت قائمة.
نظامان اعتمدا اعتمادا مباشرا في استمرارهما في الوطن العربي على دعم الاسلاميين، الاول هو النظام السعودي في عصوره الثلاثة الذي تبنى عقدا سياسيا عماده التحالف بين المؤسسة الدعوية الوهابية واسرة آل سعود، مضمونه تولي الاولى (الوهابية) امور الدعوة والعقيدة ونشرها وضبط سلوك المجتمع وفق تعاليمها، مقابل تولي الثانية امور الحكم وادارة شؤون البلاد الدنيوية، اما النظام الثاني فهو النظام الهاشمي الاردني الذي اقترب من الاسلاميين وقربهم واحتضنهم ونسج تحالفا وثيقا معهم، في وقت كانوا يتعرضون للاضطهاد في معظم الدول العربية الاخرى.
الاردن يعيش على حافة ثلاثة براكين رئيسية، اثنان منها في حال انفجار (سورية والعراق)، والثالث وهو فلسطين المحتلة في الطريق حتما، ووضع هذا الجوار الملتهب الاردن امام سلسلة متواصلة من الاشكالات والتحديات السياسية والعسكرية والاقتصادية بل والاجتماعية ايضا، تحتاج الى كل دهاة العرب والعالم لتجنيبه اخطارها وافرازاتها.
في الاردن حاليا اكثر من مليون لاجيء سوري ربما يستقر معظمهم في البلاد مثل لاجئين كثيرين عرب ومسلمين، ونحن نعرف ان القادة الاردنيين اشتكوا وما زالوا من مخاطر الخلل في التركيبة السكانية، انطلاقا من حرصهم على التوازن السياسي والاجتماعي، كما ان هناك مخزونا من التواجد الجهادي المسلح على الحدود مع سورية، ولا بد ان تجربة تونس مع الجوار الليبي وما يترتب عليه من اخطار شاهدنا ارهاصاتها في الايام الثلاثة الماضية تقرع جرس انذار عالي الرنين للمسؤولين الاردنيين.
ولا ننسى في هذه العجالة التحذير المبطن الذي وجهه الرئيس بشار الاسد الى الاردن عندما قال انه بدأ في دعم "الجماعات الارهابية" في العام الاخير، وهو اتهام يصدر للمرة الاولى منذ بداية الازمة السورية، وينطوي على الكثير من المعاني فسورية كانت وستظل تشكل في الابجديات الامنية الخطر الاساسي والابرز.
ما نريد ان نختم به هذه المقالة القول بان الاردن بحاجة ماسة الى المزيد من الحكمة والتعقل في قراراته وخطواته هذه الايام، واكثر من اي وقت مضى، مثلما هو بحاجة الى تجنب فقه الاقصاء والتعصب، والعمل على استيعاب الجميع بروح ديمقراطية اصلاحية، وعدم الانخداع بسراب بعض ما يسمى بالانتصارات في دول الجوار البعيد ومصر على وجه الخصوص، لانه ما زال من المبكر الاغراق بالتفاؤل والنوم على فراش من الحرير الناعم.
عبد الباري عطوان
رئيس تحرير القدس العربي سابقا
رئيس تحرير ومؤسس صحيفة "راي اليوم" الالكترونية
محلل سياسي وكاتب عربي