أوكرانيا بالعربية | أيام السينيما العربية في أوكرانيا ومعجزة إيمانها ... بقلم محمد فرج الله
كييف/أوكرانيا بالعربية/أختتم بداية الاسبوع الماضي مهرجان ايام السينيما العربية في أوكرانيا والذي أقامه المركز المعلوماتي الثقافي اللبناني في أوكرانيا، حقيقة منذ البداية كنت أتسائل حول جدية ما يمكن ان تقدمه السينيما العربية للمشاهد الأوكراني لاسيما على خلفية اكتساح سوق السينيما الأوكرانية من قبل أفلام الهوليود وافلام الاكشين الغربية!!!؟؟
الا انني كنت مخطأ جدا ، فبعد مشاهدة اول فيلم بهذا المهرجان، وهو الفيلم اللبناني "غدي" من اخراج أمين درة وسيناريو وبطولة جورج خباز، وما احدثه من عواصف واعصارات بمشاعر المشاهدين الحضور، والذين قطعوا لحظات العرض بالتصفيق عند عدة لحظات حبست عندها الانفاس، وليكون هذا الفيلم جوهرة ايام السينيما العربية المعروضة - من وجهة نظري - وبسبب عرض هذا الفيلم كم شعرت بأنني لا افهم الكثير السينيا العربية وعن البلد المنتج له وعن ثقافة شعبه وتشعب ثقافته ومزيج أديانه ومذاهبه وجمال صعوبة تضاريسه وخلابة طبيعته وعراقة تاريخه ليحدث هذا البلد الصغير هذا الانفجار المشاعري الكبير لدى المشاهد الاوكراني.
الا ان هذه الدولة العربية الصغيرة والتي انّت وصرخت وعانت من جرائم الصراعات العربية والدولية والمذهبية والدينية .. لكنها صمدت وصمد شعبها وهنا تذكرت مقولة السفيرة اللبنانية في أوكرانيا خلود الحجل في احد لقائاتها الصحافية "لولا المزاج الإيجابي للشعب اللبناني لما حقق لبنان ما حققه من هذا المستوى من الازدهار".
ولكن لماذا هزني فيلم "غدي" ولماذا أراه عظيما ؟! ولماذا نجحت ايام السينما العربية في أوكرانيا رغم ما تعرضت له من تحديات قاهرة كادت ان تفشل وتجهض مهرجانها؟؟!!
الفيلم اللبناني "غدي" يحكي قصة طفل لبناني مثابر ومظلوم من زملائه حتى اصبح الصمت شعاره وصديقه الصدوق ليبقى هكذا حتى نقل الى مدرسته أستاذ الموسيقى، ليبدء رحلته في الإبداع الروحي والفكري في عالم الموسيقى على يد أستاذ قدم من خارج الحي التي يراه هذا الطفل العالم كله، ويغادر الاستاذ ويترك عصىاه الموسيقية لتلميذه النجيب وليكبر التلميذ ويصبح أستاذا للموسيقى في نفس الحي وبنفس المدرسة وليحظى بحب أفضل زميلاته ولتصبح لاحقا زوجته.
الا ان تقاليد شرقية و"حاراتية" مجتمعة هنا في هذا الحي أجربته على التفكير بالإنجاب بالابن "الذكر"!! ليرزقه الله بابنه الذكر "غدي" بعد ان رزقة بأبنتين، ولكن كتب على هذا "الرجل – الطفل" الشقاء حيث أشارت الفحوصات بانه ذكرا ولكن ..
ولكن.. ولكن ذكرا يعاني من قلة الاوكسيجين فقد يولد معاقاً او ناقصا او .. وهنا تبدأ الحكاية .. مع غدي .. وعندها يبدأ الاب التلميذ بالبحث عن أستاذه العجوز في أمل الحصول على رأي أو مشورة الاستاذ الأب الاكيبر لعل موعظته تكون الشافية !!
ولم لا وهذا الاستاذ العجوز الذي اخرج الاب الطالب من صمت طفولته وفجر ملكاته في ابداعه .. وكانت الحكمة فعلا "لا تجهضه فكلنا عيوب ومن منا بلا عيب؟؟ الا ان الاستاذ أضاف الأهم :"دع هذا الجنين يلعب دوره في هذا العالم"!!
دور ؟؟! أي دور هذا سيلعبه طفل قد يكون معاقا ؟؟
وفعلا ولد الطفل "غدي" وبالفعل شاء الله بقدره ان يكون معاقا.. وليصبح الطفل مكروه من أهل الحارة والذين ملئوا حارتهم ذنوبا من سرقة وغش وغيبة وووو.. ثم يضيقون به ذرعا لان احدهم قال هذا الطفل "شيطان" واصواته كريه وتجلب للحارة النحس والخيبة، وتحت وطأة الفكر الشرقي المحافظ أجمع أهلها على طرده وابعاده، لكن ابيه المحب والعاشق لابنه والمتعلق بعشق اعاقته، والذي يرى بان ابنه أفضل ابناء الحي. رفض ورفض بقوة ذلك وخرج في كئابة يبحث عن حل وحتى انه دافع عن ابنه اما بناته واللواتي أصبحن محل سخرية من زميلاتهن بسبب أخوهن وبرزت كلمة "شيطان" من جديد.
وعند دفاع الاب عن ابنه استخدم النقيض "ملاك" وهنا جائت المعجزة وهنا التمس طرف الخيط "ملاك" .. ملاك ولم لا ؟
فجمع أهل الحارة وأبلغهم بان ابنه تحدث اليه بصوت بالغ مبشرا بانه "ملاك" حارس الحارة وما يصدره من أصوات ما هي الا إشارة لذنوبهم وابلغ بعضهم بخطاياه وبدأت "الكذبة البيضاء" تصبح خرافة ولتصبح الخرافة لاحقا معجزة.. وبدا أهل الحارة يتبركون من الطفل "الملاك" والتغير خوفا من سخط الرب عليهم والعزوف عن الخطايا شيئا فشيئا وبدأت المعجزات تحدث شيئا فشيئا وأزداد إيمان الناس بها حتى اصبح "غدي" ملاك الحي وحارسه فعلا في مخيلتهم، بعد ان كان "شيطانا" وابلها .
وغدت الحارة نموذجية بفعل أهلها وهنا تذكرت مجددا ماقاله الاستاذ العجوز: "دع هذا الجنين يلعب دوره في هذا العالم".. فكم كان عظيما دوره فقد احدث في الناس ما لم يحدثه مبشرون ووعاظ! فقد غير حال الناس ولكن في واقع الامر غير الناس حال واقعهم بايديهم فتغيروا وغيروا حارتهم بايمانهم ومعتقدهم بهذا "الملاك" فلم لا .. فالايمان يصنع المعجزات.
فها هو ذاك الطفل الذي قلب حال حي فهي قدرة الأمل والإيمان وهذا ما يحتاجه الناس اليوم.. ان يمنحوا أملا وإيمانا وعندها سيصنعون المعجزات بأيديهم، ومن يدري ما هو الدور الذي سيلعبه لبنان الصغير في الاسرة العربية المترامية والممزقة؟؟
ففي أوكرانيا لعب لبنان هذا الدور لدى المشاهد الاوكراني بفيلمه "غدي" وبالطبع ما كان لهذا النجاح ان يكون الا بمشيئة الله وبمساندة أشقائه الكويت والمغرب.
شخصيا انحني لهذان البلدين اللذان دعما هذا المهرجان الثقافي اللبناني العربي في أوكرانيا فدبلوماسية سفير الكويت وحكمة سفيرة المغرب حققا واقع عربيا سينيمائيا مشرفا في أوكرانيا.
هو الأمل.. والايمان بالله.. والثقة بالنفس.. هذا ما نحتاجه اليوم لخلاص شعوبنا ولتحقيق عدالة قضايانا فقد مل الناس التنظير والسياسة والتسيس .. فبصيص الامل هو ما تنتظره أمتنا.. ومن يدري ما ستحدثة السينيما العربية في شعوبنا مثلما احدثته سينيما شعوب اخرب ببلادها.
محمد فرج الله
رئيس تحرير أوكرانيا بالعربية
عضو نقابة الصحفيين الأوكران والنقابة الدولية للصحافيين