أوكرانيا بالعربية | اعتذار نتنياهو للاردن لا يكفي رغم اهميته.. والشهيد زعيتر يؤرخ بدمه للانتفاضة الثالثة... بقلم عبد الباري عطوان
كييف/أوكرانيا بالعربية/يستحق الشعب الأردني ونوابه كل التقدير والاحترام من كل انسان عربي ومسلم، لانهم، وللمرة الاولى في تاريخ الصراع العربي الاسرائيلي يضطر رئيس الوزراء الاسرائيلي المتعجرف والمتغطرس بنيامين نتنياهو للاعتذار مكرها ومجبرا ومرتعدا، عن جريمة اغتيال القاضي العربي رائد زعيتر على يدي جندي اسرائيلي عنصري حاقد.
هبة الكرامة التي انتفض فيها الشارع الاردني احتجاجا على هذا العمل الهمجي، والموقف الوطني الصلب والمشرف لمجلس النواب بثت الذعر في قلوب الاسرائيليين جميعا، واكدت ان زمن الاذعان قد انتهى والى غير رجعة.
الاردن يتغير، والامة العربية تتغير، والعالم الاسلامي بأسره يتغير ايضا، فقد طفح الكيل على العربدة الاسرائيلية، ونفذ الصبر، ولم يعد الانسان العربي المسلم يتحمل الاهانات وعمليات الاذلال.
الانسان العربي تحرر من عقدة الخوف ليس تجاه العدو الاسرائيلي، وانما تجاه الانظمة التي ساقته مثل الدواب، واهدرت كرامته، وانتهكت حقوقه، وسلبته حريته وما جرى في الاردن في الايام الثلاثة الماضية هو الدليل الابرز في هذا الصدد.
***
وقد يجادل البعض بانها ليست المرة الاولى التي يعتذر فيها نتنياهو عن جريمة ارتكبها مستوطنيه، فقد اضطر للاعتذار للسيد رجب طيب اردوغان رئيس وزراء تركيا اعترافا بارتكابه مجزره سفينة مرمرة التي كانت في طريقها لكسر الحصار عن اشقائنا واهلنا في قطاع غزة، وهذا صحيح، ولكن الفارق ان نتنياهو لم ينتظر عامين حتى يعتذر للاردن والامة العربية كلها، وانما بعد يومين فقط، وهنا تكمن اهمية هذا الانجاز الاردني المشرف.
نتنياهو يدرك جيدا ان بركان الغضب الاردني بكل اطيافه واصوله ومنابته، اذا انفجر فانه سيحرق كل ما حوله، وسيقلب المعادلة السياسية في المنطقة رأسا على عقب، ولهذا هرول للاعتذار لاحتواء الازمة قبل ان تتفاقم.
ومع ذلك نحن لسنا بحاجة الى اعتذار نتنياهو، ولا ننتظره، ولا يرتقي مطلقا لحجم الجريمة، ولا يجب ان يلغي الرد عليها، ولا حتى طرد السفير، والحد الادنى هو اغلاق السفارة الاسرائيلية والغاء معاهدة وادي عربة، لانها جريمة لا يجب ان تمر دون عقاب، ودون ان يدفع المعتدي الثمن، فالدم العربي المسلم لن يكون رخيصا.
نتوقف هنا ونسال اهلنا في الضفة الغربية المحتلة، والرئيس الفلسطيني محمود عباس والمجموعة المحيطة به، والعاملين في السلطه، ونقول لهم فرادي ومجتمعين، اين ردكم على الجرائم الاسرائيلية المتواصلة ضد ابنائكم وابناء الامة بأسرها، الذين يستشهدون يوميا برصاص الجيش الاسرائيلي؟
الا يستحق الشهداء الستة الذين سقطوا في اليومين الماضيين في الضفة الغربية والقطاع مظاهرة احتجاج في ميدان المنارة في رام الله، ناهيك عن الآلاف غيرهم في الماضي؟ وهل الى هذه الدرجة تعطي "عبودية الراتب" مفعولها صمتا واذعانا و"تنبلة"؟
***
نسأل مرة اخرى ونقول اين ردكم على الاهانات واعمال الاذلال التي يتعرض لها شعبنا يوميا امام الحواجز الاسرائيلية في قلنديا وغيرها وربما على يد الجندي الاسرائيلي نفسه الذي اطلق الرصاص على القاضي زعيتر؟
فماذا تنتظرون.. هل تنتظرون مفاوضات الاملاء الامريكية.. هل تنتظرون وطنية نتنياهو لرفضها.. هل تنتظرون ان تفرض عليكم امريكا القبول بشروطها وابرزها الاعتراف بالدولة اليهودية واسقاط حق العودة؟
نتقدم بالشكر كله الى الشهيد رائد زعيتر الذي رفض الظلم والاذلال، وثار في وجه الجندي الاسرائيلي العنصري المسلح وقال له لن اذعن لاهاناتك بعد اليوم حتى لو قدمت دمائي شهيدا في الدفاع عن كرامة امة وعقيدة.
شكرا للشهيد زعيتر الذي فجر انتفاضة الشرف والكرامة في الشارع الاردني واجبر الحكومة الاردنية على التحرك مجبرة للاستماع الى صوته ومطالبه، وهي التي صمتت اسوة بحكومات عربية غيرها على كل انواع الاستكبار الاسرائيلي.
دماء الشهيد زعيتر ستؤرخ لمرحلة عربية اسلامية جديدة عنوانها: انتهى زمن الصمت والخنوع، وبدأت مرحلة الفعل والتصدي للظلم والعدوان، فاذا كانت روح الشهيد بوعزيزي فجرت الثورات العربية ضد الظلم الرسمي، فان روح الشهيد زعيتر ستؤرخ لتفجير الانتفاضة الثالثة ضد الظلم والاحتلال الاسرائيلي في فلسطين، او هكذا نأمل ونصلي.
عبد الباري عطوان
رئيس تحرير القدس العربي سابقا
رئيس تحرير ومؤسس صحيفة "راي اليوم" الالكترونية
محلل سياسي وكاتب عربي
المصدر: أوكرانيا بالعربية