أوكرانيا بالعربية | 28 عاماً على انتفاضة الحجر .. بقلم نضال الأسطل

في الثامن من ديسمبر سنة 1987 تفجرت الانتفاضة الفلسطينية الأولى، ويعود سبب الشرارة لقيام سائق شاحنة صهيوني بتعمّد دهس مجموعة من العمّال الفلسطينيّين على حاجز «إيريز» الذي يفصل قطاع غزة عن بقية أرض فلسطين المحتلة منذ سنة 1948

كييف/أوكرانيا بالعربية/في الثامن من ديسمبر سنة 1987 تفجرت الانتفاضة الفلسطينية الأولى، ويعود سبب الشرارة لقيام سائق شاحنة صهيوني بتعمّد دهس مجموعة من العمّال الفلسطينيّين على حاجز «إيريز» الذي يفصل قطاع غزة عن بقية أرض فلسطين المحتلة منذ سنة 1948.

 استشهد وأصيب في هذا الحادث عدد من العمّال الفلسطينيين، ولم يمضِ وقت طويل على الجريمة البشعة حتى كانت الثورة الشعبية العارمة تعمّ الضفة والقطاع، إذ خرج فيها أطفال فلسطين على رصاص الجيش الإسرائيلي بقبضاتهم وبإلقاء الحجارة. ليصبح بإمكان العالم أجمع مشاهدة العصيان الشعبي الفلسطيني على شاشات التلفاز ضد  الإرهاب الصهيوني بحقّ المنتفضين من الكبار والصغار والنساء والأطفال والشباب.

 كانت المسيرات والتظاهرات والاعتصامات والإضرابات تعمّ كل المناطق الفلسطينية بالرغم من القمع والبطش والهمجية الصهيونية، ومع مرور الأيام تطوّرت الانتفاضة وابتدعت أساليب جديدة ونهجاً مقاوماً جديداً امتاز بقيامة الحجر وشموخ أطفال الحجارة وانتصارهم على الجندي والدبابة وسياسة الجنرال رابين لتكسير العظام.

لم تجدي سياسات الإدارة المدنية الصهيونية الإجرامية في قمع الشعب المنتفض، إذ جاء ردّ الانتفاضة على  السياسة الدموية الصهيونية بتأليف القيادة الوطنية الموحّدة للانتفاضة ( ق و م )، التي توزّعت على الفصائل والتنظيمات الفلسطينية، بالإضافة إلى الشخصيات الوطنية، وأصبحت تلك القيادة المرجعية السياسية والتنظيمية للانتفاضة.

شعرت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية في منافيها العربية البعيدة بأن هناك مدّاً إسلامياً ينمو في فلسطين المحتلة، وأن فرصتها قد أتت لتخرج من ركودها وعزلتها ولتستعيد دورها المفقود، مستفيدة من مساعدة الشعب الفلسطيني الذي قدّم لها الانتفاضة عنواناً سياسياً عريضاً يمكن عبره المناورة والعمل لفرض شروط تلبي الحد المقبول من الطموحات الفلسطينية في التحرير والاستقلال والعودة. عرفت قيادة المنظّمة كيف تدخل جسد الانتفاضة وكيف تدير سدّة القيادة فيها، واستفادت من ذلك بإعادة دورها بقوّة وبتعزيز وجودها وتقويته على أرض فلسطين المحتلة. وكان هذا ضرورياً جدّاً للقيادة الفلسطينية والفصائل التي كانت أخذت بعد بيروت تتصارع فيما بينها،  و بروز حركة فتح فيها

 ويجدر الذكر هنا أنّ المنظّمة كانت في سنوات سابقة قد اضطرت للخروج من الأردن بعد مجازر أيلول الأسود ومعاركها مع النظام الأردني سنة 1970ـــــ1971. إنّ السنوات السابقة كانت سنوات من الجحيم العربي بالنسبة إلى الفلسطينيّين وثورتهم ومنظّمتهم ومخيّماتهم في الشتات، حيث ما زالت أحداث أيلول الأسود في الأردن والحرب الأهلية في لبنان والمجازر بحق المخيمات الفلسطينية ماثلة في الأذهان. ترافقت تلك الحملات مع حملات أخرى صهيونية سياسية وعسكرية واستخبارية منظمة استهدفت الشعب الفلسطيني في الشتات وقيادة المنظمة وكوادرها، ومن ثم وجودها في الأردن ولبنان بالذات.

 لذا رأت تلك القيادة في الانتفاضة مخرجها من المأزق والأزمة التي وقعت فيها بعد فقدانها لبيروت، بقيت الانتفاضة مستمرّة، وازدادت اشتعالاً يوماً بعد يوم، ولم تتأثّر باعتقال الاحتلال الآلاف من الشبّان. وكذلك باستشهاد المئات وجرح الآلاف من أبناء الشعب المنتفض والثائر على الاحتلال، الحالم بحرية واستقلال وعودة للديار المحتلة.

 تقدمت الانتفاضة ببرنامج سياسي أكّدت خلاله أن منظّمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني. وقدّمت جماهير الانتفاضة تضحيات جساماً على مدى عدة سنوات من عمرها. لم تتوقف الثورة الشعبية إلا عندما شرعت القيادة المتنفذة في منظّمة التحرير الفلسطينية بحوار علني وآخر سري مع الصهاينة كانت نتائجه وقف الانتفاضة والتضحية بها وبتضحياتها لأجل اتفاقية أوسلو في 13 من سبتمبر 1993 .

هدوء وسكينة تسودان مناطق السلطة الفلسطينية الوليدة، بنية تحتية وبناء لمؤسسات وطنية ووزارية يشغل حال الفلسطينيين، تسهيلات إحتلالية لأجهزة الأمن الفلسطيني لبسط تحكمها بمناطق الضفة الغربية وغزة، هكذا كانت حال فلسطين قبيل العام2000  ولكن بعد فوز حزب الليكود الصهيوني اليميني المتطرف بزعامة أرئيل شارون وإقدامه على إقتحام المسجد الأقصى المبارك في الثامن والعشرين من أيلول/ سبتمبر من ذلك العام، قلب موازين المنطقة وخلق حالة من الفوضى والعنف والمواجهات بين شباب فلسطين وجنود الاحتلال الاسرائيلي في شتى بقاع الأراضي الفلسطينية المحتلة، والتي سميت فيما بعد "إنتفاضة الأقصى الثانية".

استغلت دولة الاحتلال الواقع العربي الضعيف، وصمت دول العالم .. في قتل الشباب والأطفال وتدمير البيوت السكنية وتخريب متعمد للبنية التحتية للمدن والبلدات الفلسطينية أثناء اجتياحها، عمدت قوات الاحتلال خلال الانتفاضة إلى استخدام الرصاص الحي لتفريق المظاهرات الشعبية التي غالباً ما كانت تتوجه إلى مناطق التماس مع حواجز الاحتلال التي تحمي المستوطنات وتعيق حركة مرور الفلسطينيين، وسقط خلالها المئات من الشهداء والاف الجرحى.

لم تمنع آلة القتل الصهيوني أي قرارات دولية أو قمم عربية، فالغطرسة الاستعمارية والإجرام الدموي كان فوق كل نداء واستغاثة، بكت أمهاتنا الفلسطينيات بكل ألم وحسرة على فلذات أكبادها، فما كان من شعبنا الفلسطيني إلا أن يدافع عن نفسه وعن مقدارته الوطنية.

حملت حركة فتح وكوادرها السلاح فكانت السباقة في العمل العسكري، كيف لا وهي أول الرصاص وأول الثورة، فظهرت " كتائب شهداء الأقصى".

وما أعطى العمل المسلح الشرعية هو الرئيس الراحل أبو عمار، فكان دائماً ما يشد على أيادي الأبطال ويبارك عملياتهم النوعية، وانطلقت فتح مع باقي فصائل شعبنا وحركاته الوطنية ، ونسجوا مع بعضهم أجمل لوحة وطنية في حب الأرض والوطن والمقدسات، فكانت العمليات الإستشهادية في داخل مدن فلسطين المحتلة، وظهر أول صاروخ محلي الصنع وسقطت أسطورة "الميركافاة" .

مع اشتداد الانتفاضة وبلوغ اوجها، وتحطم اتفاقيات السلام وأفق الحل السياسي، بدأت إسرائيل بسياستها القذرة في استهداف قادة العمل الوطني ورموزه، فانتهجت سياستها القذرة في استهداف قادة العمل الوطني ورموزه، فانتهجت سياسة التصفية الجسدية للسياسيين والعسكريين من الحركات الفلسطينية واعتقلت الآلاف منهم، إلى أن وصلت لإعلان الرئيس الراحل أبو عمار بأنه عقبة أمام أي حل سلمي ويجب تنحيته، ونفذ شارون المجنون تهديداته وبلغت به العربدة أن وصلت دباباته حتى أمام غرفة نوم الرئيس أبو عمار الشخصية، إذ تم اقتحام مقر الرئاسة الفلسطينية في رام الله وفرض حصار مشدد على الرئيس ومنع من الخروج أو التواصل بالعالم الخارجي.

وكان هدف شارون الأول هو الضغط باتجاه تنحية عرفات وفرض سياسات جديدة على القرار الفلسطيني بقبول شروط الإحتلال في المفاوضات، وإنهاء الإنتفاضة وتسليم سلاح المقاومين .. ولكن صمد الرئيس وصمد معه شعبنا في ملحمة أسطورية أبهرت العالم وكشفت وجه إسرائيل الحقيقي أمام حكومات وشعوب العالم الحر.

قتل عرفات .. بعد مرض مفاجئ أنهك جسده ودمر مناعته، ترجل الرجل الذي وهب نفسه ووقته وجهده خدمة لشعبه وقضيته العادلة، وبرحيله فقدت فلسطين الرئيس والأب والقائد والجندي والوحدوي الذي أجمع عليه كل الشعب الفلسطيني ولم يختلفوا  عليه الراحل بقي حتى  الأخير الرقم الصعب و الرجل الانسب في المعادلة القيادية لمنظمة التحرير والسلطة الفلسطينية

الصورة تكررت في عهد رئاسة عباس للسلطة، وكانت تجربة أول انتخابات تشريعية تعددية شاركت فيها حركة "حماس"، يناير/كانون الثاني 2006 منعطفا كبيرا في تركيبة السلطة، بفوز "حماس" بأغلبية مقاعد المجلس التشريعي و انقلابها على الشرعية  بتشكيلها لأول حكومة للسلطة برئاسة ، إسماعيل هنية، قبل أن تتحول العلاقة الى صراع وقد وصل هذا  ذروته في يونيو/حزيران 2007 بسيطرة "حماس" على قطاع غزة، وتكريس سابقة الانقسام السياسي والكياني، الذي فجرت شرارته كما جاء في رسالة أرسلها هنية إلى عباس تسليح قوات الحرس الرئاسي بكميات ضخمة، و"تشكيل قوات خاصة من الأمن الوطني تقدر بالآلاف، لمواجهة الحكومة الفلسطينية والقوة التنفيذية واعتماد "مقر أنصار في غزة" مقرا مركزيا لها".

بموت الرئيس ومعه عظماء من أفضل من أنجبت فلسطين، أُفسحت الساحة قليلاً في محاولة لإخماد جذوة المقاومة في شعبنا، فأقيمت انتخابات رئاسية تبعها محلية فبرلمانية، أملاً في احتواء التيار الإسلامي وتطويعه ثم فرض الأمر الواقع عليه وإجباره على التخلي عن السلاح وإيقاف الإنتفاضة المسلحة.

صيف العام 2005 .. أعلنت إسرائيل انسحاباً أحادي الجانب من قطاع غزة وبعض مناطق جنين، ووافقت على تنظيم انتخابات فلسطينية مطلع 2006 ، فانتخب محمود عباس (رئيس الوزراء الأسبق رئيساً للسلطة) وفازت حماس في انتخابات المجلس المحلية "البلديات" وأتبعها "التسونامي السياسي" الذي هز المنطقة وخلخل مخططات الإحتلال والدول الغربية، إذ فازت حماس بأكثر من 60% بانتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني مما أعطاها الحق الدستوري في تشكيل الحكومة الفلسطينية منفردة، وبالفعل نالت الحكومة الحمساوية الثقة من البرلمان وأمست حماس في سدة صنع القرار السياسي الفلسطيني؛ ولكن هذا الأمر جعل الدول الكبرى تضع شروطها على السلطة لاستمرار الدعم المقدم لموازنتها، فشُلَّ الاقتصاد وعجزت الحكومة عن توفير رواتب موظفيها، وأمام هذا الموقف تحتم على الرئيس فتح قنوات التواصل مع الدول الصديقة والعالم لإقناعهم بدعم مؤسسات السلطة والرئاسة إن كان في دعم الحكومة الحمساوية يشكل عائقاً.

نشبت خلال الأشهر الأولى لحكم حماس الكثير من الانفلات الأمني والقمع السياسي وظهرت التصفية المتعمدة لقيادات فلسطينية فتحاوية، هذا ما فرض على حركة فتح وعناصرها حمل السلاح في وجه من يعتدي عليهم وينكل بهم، إلى أن فوجئ الجميع في الرابع والعشرين من حزيران / يونيو 2006 م بإقدام حماس على إقتحام مؤسسات السلطة الفلسطينية وخصوصاً المقرات الأمنية وأعلنت رسمياً بدء استيلائها وحكمها منفردة لقطاع غزة.

بعد خطوة حماس أعلن الرئيس عباس قطاع غزة منطقة متمردة وأعلن حالة الطوارئ وأمر بتشكيل حكومة طوارئ عاجلة بديلة عن حكومة الوفاق التي شكلت بعد إتفاق مكة المكرمة، والذي رمت به حماس عرض الحائط بتجرؤها وحملها السلاح في وجه أبناء شعبها والسلطة الشرعية.

وللأسف الشديد مع محاولات السلطة وفتح المتكررة لإعادة اللحمة والوحدة للمؤسسات الوطنية فإن حماس ازدادت في تعنتها وفرضها للشروط التي كانت في حقيقتها شروطاً للمحور الذي وضعت نفسها فيه مع إيران وقطر وتركيا وحزب الله. وبعد تجارب كثيرة واتفاقات متعثرة .. شاءت الأقدار أن تجتمع كلمة الفلسطينيين خلف الرئيس أبو مازن بحكمته وحنكته السياسية، والذي استطاع إدارة الأزمة في سنواتها السبع بكل قدرة واقتدار حتى تشكيل أول حكومة توافق فلسطينية منذ إنقلاب حماس الأسود فكان نعم الخلف لخير سلف ..

ويبقى لغز إبعاد الرئيس الراحل ياسر عرفات الأحجية التي جعلت كل الفلسطينيين متفقين على كشف الجناة وتقديمهم للعدالة، وخلال السنوات الأخيرة نجحت الدبلوماسية الفلسطينية في كسب إعتراف دولي مهم بالجمعية العامة للأمم المتحدة بفلسطين كعضو رسمي في مؤسسات الأمم المتحدة في الطريق نحو نزع العضوية الكاملة للدولة الفلسطينية.

يوماً بعد يوم تزداد فيه الغطرسة الإسرائيلية تجاه شعبنا ومقدساته، وإصرار السلطة الفلسطينية المستمر على تقديم جرائم الاحتلال كقضايا جنائية فيوالمحاكم الدولية، جعل دولة الاحتلال تمعن في غيها وظلمها لشعبنا.. الأمر الذي يهدد بفرض هبة شعبية عارمة في وجهه، فشعبنا قد سئم الظلم والعنجهية وهو اليوم موحد في قيادته وموقفه وكلمته واحدة نحو رفض الإستيطان وحماية القدس وإقامة الدولة.. فهل يا ترى يفهم الاحتلال مشروعية حقوقنا الوطنية وتخرج لنا حكومة إسرائيلية تريد سلاماً حقيقياً لإنهاء الصراع وإقامة منطقة آمنة في فلسطين بعيداً عن الحروب والقتل ؟

أم سياسة اليمين المتطرف ورجال الدين اليهود في كره العرب والفلسطينيين ستبقى رهن الحال ؟ هذه الأسئلة وغيرها نتمنى أن تجد لها آذانا صاغية .. لكن غير ذلك فإن أطفال وشباب فلسطين سيقولون كلمتهم الحاسمة وسينتزعون حقوقهم الوطنية بقوة الإيمان والوطنية في وجه عربدة قوات الإحتلال الإسرائيلي ومستوطنيه في الوقت المناسب وخلفهم ستكون قيادته وحركاته الوطنية داعمة لتحركاتهم وغضبهم.

م. نضال الأسطل

رئيس الجالية الفلسطينية في مدينة خاركوف

ممثل إتحاد الجاليات الفلسطينية في أوروبا لدى أوكرانيا

المصدر: أوكرانيا بالعربية

مشاركة هذا المنشور:
الأخبار الرئيسية
سياسة
كندا ترسل 50 ناقلة جند مدرعة إلى أوكرانيا
سياسة
أوكرانيا والدنمارك توقعان خطاب نوايا لشراء المعدات العسكرية الأوكرانية
سياسة
الأمين العام لحلف الناتو يزور أوكرانيا
أخبار أخرى في هذا الباب
آراء ومقالات
عن النصر والخوف والمعارضة...بقلم رئيس حركة "الأخوية القتالية الأوكرانية" بافلو جيربيفسكي
آراء ومقالات
الفساد العظيم الذي ضيّع أوكرانيا!..حسين الراوي
آراء ومقالات
الإجرام الروسي والطفولة الأوكرانية..حسين الراوي
تابعونا عبر فيسبوك
تابعونا عبر تويتر
© Ukraine in Arabic, 2018. All Rights Reserved.