من أعطى ؟ ومن رفض ؟... بقلم د. فوزي الأسمر
كييف/أوكرانيا بالعربية/ لا يبدو أن العالم توقف عندما أعلن الرئيس الأمريكي ، باراك أوباما ، أنه سيتوجه إلى الشرق الأوسط بزيارة رسمية لإسرائيل ، وهي الأولى من نوعها بعد إنتخابه رئيسا للولايات المتحدة .
وعدم التوقف هذا نابع بأغلبيته بسبب الفشل الدائم والمستمر في تحقيق أي تقدم على تلك الساحة ، رغم الجهود الكبيرة التي تبذل من جانب بعض الدول ، ورغم القرارات التي تتخذها المؤسسات الدولية ، وفي مقدمتها الأمم المتحدة ، وتقابل برفض كامل من جانب إسرائيل ، مما يؤدي إلى تتراجع الدول عن مواقفها تحاشيا من الدخول في صراع مع تل ــ ابيب ، أو مع المنظمات الصهيونية العاملة عندها .
ولكن الأمور بدأت تأخذ طابعا مختلفا في السنوات الأخيرة ، ولهذا السبب بدأت وسائل الإعلام الإسرائيلية ، والصهيونية بتقييم رحلة أوباما وما يمكن أن يترتب عليها . فهناك وجهات نظر مختلفة داخل إسرائيل ، ولكنها جميعها ترحب بالزيارة ، والإعتقاد السائد هو أن هذه الزيارة ستضع الكثير من النقاط على الحروف ، والمحاولات الإسرائيلية الجارية هي أن توضع هذه النقاط على الحروف التي تختارها وتستفيد منها إسرائيل .
ولكي تغذي وسائل الإعلام هذه ، الأفكار الموجهة ، بدأت تنشر مقالات موجهة بصورة مباشرة وغير مباشرة للرئيس أوباما .ففي مقال نشرته صحيفة "معاريف "19 شباط/فبراير الجاري، يحاول الكاتب توجيه نظر أوباما للأماكن التي يجب أن يقوم بزيارتها، كي تكون الرحلة مثمرة وتستفيد إسرائيل منها .
وتقول صحيفة " يسرائيل هيوم " التي تعبر عن موقف نتنياهو مذكرة الرئيس أوباما أن إسرائيل هي حليفة الولايات المتحدة الوحيدة في منطقة الشرق الأوسط . وتحاول إسرائيل إفهام الرئيس الأمريكي أن يدها لا تزال طويلة، فتقول :" لقد شكل تأجيل الموافقة على تعيين تشاك هيغل للشهر القادم صفعة مؤلمة بالنسبة لإدارة الرئيس باراك أوباما " .وأثار كاتب المقال موضوع تسليح المعارضة السورية ورفض واشنطن تزويدها بأسلحة ثقيلة فيقول إنه يستطيع أن يتفهم الموقف الأمريكي ،ولكن كان في إمكان إدارة أوباما :" القيام بخطوات أخرى مباشرة أو غير مباشرة من أجل الإسراع في انهيار نظام حزب البعث ،وفتح السبيل أمام القوى الجهادية للسيطرة " .
ويأتي هذا الكلام على الرغم من أن كاتب المقال يعرف أن القرار الأمريكي بالنسبة لهذا الموضوع شبه نهائي . فمصلحة أمريكا تتطلب ذلك ، ولديها درس من تسليح المقاومة الأفغانية في حربها ضدّ الإتحاد السوفيتي ، الشيء الذي أدى إلى ولادة " منظمة القاعدة " والتي بدأت تحول الأسلحة التي حصلت عليها من أمريكا ضد الجنود والمنشآت الأمريكية في العالم .
والحملة ضدّ الفلسطينيين مستمرة . ففي اكثر من مقال نشر في الصحف العبرية كانت هناك حملة مركزة عليهم فهم متهمون بالنقاس ، والعمل على إستمرار الإرهاب ضدّ إسرائيل في حين تستمر إسرائيل بالعمل من أجل السلام .
فمثل هذا الكلام فيه إظهار وجهت نظر إسرائيلية وعرضها أمام الرئيس أوباما قبل وصول ، وهي أيضا للإستهلاك الداخلي تمشيا مع إمكانية تفجير الموقف ، أو وقوع خلافات بين نتنياهو والرئيس أوباما ، فقد سبق وحدث ذلك أكثر من مرة . ويركز بعض الكتاب على ما قدمته إسرائيل للفلسطينيين ، ولكن إنهيار التحرك السلمي والمحاثات جاءت كلها بسبب الموقف الفلسطيني .
ومن بين الذين تناولوا هذا الموضوع شخصيات كان لها وزن في الحياة السياسية والعسكرية الإسرائيلية ، ولعبت ، ولا زالت تلعب ، دورا لدى صناع القرار السياسي والأمني في إسرائيل .
من بينهم وزير الدفاع الإسرائيلي السابق موشه إرنس ، والذي يعتبر من المطلعين بل الخبراء بالنسبة للأفكار الأمريكية . فقد نشر مقالا في صحيفة " هآرتص " (19/2/2013 ) كان عنوانه " أمل ضائع " ، يتحدث فيه عن فشل حكومات إسرائيل من الوصول إلى إتفاق مع الفلسطينيين،رغم كل " التنازلات " التي تقدمها لهم ، ولكن الفلسطينيون إستمروا بأعمالهم الإرهابية .
" .... عندما وافق ياسر عرفات على التخلي عن الإرهاب في المؤتمر الصحفي الذي عقده في شهر كانون الأول / ديسمبر 1988 في جنيف صدقناه ووقعنا معه إتفاقيات أوسلو في عام 1993، وسمحنا له ولأنصاره بالإنتقال من تونس إلى غزة ورام الله ، ولكن سرعان ما اتضح أن عرفات لم يتخل أبدا عن الإرهاب " .
طبعا لم يتحدث إرنس في مقاله عن الأسباب الحقيقية وراء إنهيار إتفاقيات أوسلو ، ولا عن التعجزيات التي وضعتها حكومات إسرائيل لتطبيق هذه الإتفاقيات ، ولا مجال هنا لشرح أسباب . ويجب أن نلاحظ اللغة المستعملة صدقناه ... وسمحنا له ولأنصاره ... لغة تحمل أبعادا معينة على ضوء زيارة الرئيس الأمريكي .
لماذا يثار هذا الموضوع الذي أكل الدهر عليه وشبع ، في هذا الوقت بالذات ؟ السبب طبعا متعلق بالزيارة القادمة ، وبسبب موقف إسرائيل المنعزل في العالم . لقد برهنت إسرائيل خلال السنوات الأخيرة أنها غير معنية بالسلام ، وما كتبه موشه إرنس جاء ليبرر موقف إسرائيل ، وفي محاولة من جانبها إظهار أن الدول التي صوتت إلى جانب إعتراف الجمعية العامة للأمم المتدة بدولة فلسطينية غير متكاملة ، قد أخطأت .
د. فوزي الأسمر
كاتب وصحافي فلسطيني يقيم في واشنطن.
المصدر : أوكرانيا بالعربية