أوكرانيا بالعربية | مُـتَـلَازِمَـة الْحُـرْيَّة وَالصَّـحَـافَـة وَالْإرْهَـاب... بقلم حسن زايد
كييف/أوكرانيا بالعربية/المتلازمة لغة هي الأعراض المتزامنة . واصطلاحاً : هي مجموعة الأعراض المرضية المتزامنة التي تنبه إحداها إلي وجود الأُخَر، وتشير في مجموعها إلي وجود حالة مرضية معينة ، أو احتمال ظهور مرض معين . وقد شاع استعمال كلمة المتلازمة في عالم الطب والطب النفسي . كما شاع استعمالها مؤخراً خارج نطاق الطب ، إذ انتقلت لوصف مجموعة من الظواهر الإجتماعية أو الثقافية التي تحدث معاً ، وتشير في مجموعها إلي حالة مرضية معينة ، أو احتمال ظهور حالة مرضية . وقد تلاحظ لنا أن هناك مجموعة من الأعراض أو الظواهر الإجتماعية والثقافية في مص والتي تزامنت في حصولها مع بعضها البعض ، وتنبه إحداها إلي وجود الأُخَر ، لتشير في مجموعها إلي وجود مرض معين ، أو احتمال ظهور هذا المرض المعين . وهذه الأعراض أو الظواهر المرصودة في الأيام القليلة الماضية ـ بخلاف ظواهر وأعراض أخري ظهرت علي مدار أربع سنوات انقضت من عمر الثورة ـ هي : ظاهرة أو عرض الحرية ، وظاهرة أو عرض العمل الصحفي والإعلامي ، وظاهرة أو عرض الإرهاب وقانون مكافحته .
الظاهرة الأولي وهي ظاهرة الحرية ، ويبدو أن مفهوم الحرية لدينا يعاني من الخلط والتشوش ، شأنه في ذلك شأن العديد من المفاهيم والقيم . وقد ذابت الحدود الفاصلة بين الحرية والتسيب ، والإنفلات . فإذا كانت الحرية تعني التحرر من القيود المادية والمعنوية ، التي تكبل طاقات الإنسان وإنتاجه ، وقدرته علي اتخاذ القرار دون قيود ، أو التخلص من الإجبار والفرض والسطوة والإستبداد . إلا أنها تعني كذلك المسئولية . وقد عانت الحرية في مصر من التشوش والخلط في الممارسة والتطبيق نظراً لغياب المفهوم النظري المنضبط في الأذهان ، فيما بعد ثورتي يناير ويونية ، إلي حد أنها صارت تهدد كيان المجتمع من القواعد . الظاهرة الثانية : هي ظاهرة العمل الصحفي والإعلامي ، وترتبط هذه الظاهرة ارتباط الوجود والعدم بظاهرة الحرية ، وهي ما يطلق عليه اصطلاحاً حرية التعبير . ولا احد يستطيع أن ينكر أهمية الصحافة في تخليق الوعي العام بقضية من القضايا الإجتماعية والإقتصادية والسياسية والثقافية التي تهم المجتمع ، وأنه لن يتسني لها الإطلاع بهذا الدور إلا إذا تمتعت بحرية التعبير في الحدود المتعارف عليها دولياً .
أما أن تقوم الصحافة بدور معكوس ، أي في الإتجاه المضاد ، لحركة المجتمع ، فلا معني هنا لحرية التعبير . ليس معني ذلك مصادرة الحق في النقد والتقييم والنشر ، فهذا الحق جزء أصيل من حرية التعبير ، وإنما معناه الإلتزام بقواعد الحرية المسئولة وضوابطها ، وأشراطها المتعارف عليها . والواقع أن السلطة السياسية في البلاد قد سعت إلي التواصل مع وسائل الإعلام لتأصيل علاقة جديدة قائمة علي تفعيل الدور السياسي والإجتماعي للصحافة والإعلام . والظاهرة الثالثة : هي ظاهرة الإرهاب التي تعدت حدود الدول والحدود الإقليمية ، وأصبحت ظاهرة عالمية .
ولما كان هذا الإرهاب قد ضرب المجتمع المصري ، في الداخل ، وأصبح يهدد الأمن القومي المصري ، وحدود الدولة المصرية ، وسلامتها الإقليمية ، فكان لابد من الإصطفاف الوطني لضمان صلابة المواجهة ، وليس الإصطفاف الوطني الذي قصدته القيادة السياسية هو ذلك الإصطفاف الذي يقضي علي التنوع والإختلاف كما غمز البعض ولمز ، وإنما ذلك الإصطفاف الذي تنصهر فيه عناصر المجتمع علي هدف واحد مع احتفاظ كل عنصر بموقفه وبتميزه . وقد كان من بين الإنتقادات اللاذعة التي وجهت للحكومة في الآونة الأخيرة ، تقاعسها في إصدار قانون لمواجهة الإرهاب . فلما ظهر إلي النور مشروع قانون بهذا الشأن ، اصطدم أول ما اصطدم بمن كان ينادي به ، وينظر لضرورته وأهميته . وقد كان من بين أسباب الصدام المادة 33 من مشروع قانون الارهاب المتعلقة بالصحفيين والتى تنص على « يعاقب بالحبس الذى لا تقل مدته عن سنتين، كل من تعمد نشر أخبار أو بيانات غير حقيقية عن أى عمليات إرهابية بما يخالف البيانات الرسمية الصادرة عن الجهات المعنية، وذلك دون إخلال بالعقوبات التأديبية المقررة فى هذا الشأن ". وأنا أظن أن من بين أسباب إدراج هذه المادة في المشروع الموقف الذي اتخذته بعض الصحف الخاصة من أحداث في سيناء . حيث أنها تجاوزت في معالجتها الصحفية علي نحو يخالف القواعد المهنية ، ويجاوز حرية التعبير ، إلي ما عداها مما لا يندرج تحت بند
" الحرية " . حيث نقلت أخبارها عن مصادر مجهلة ، ومصادر مشبوهة ، وروجت لإشاعات تهدد أمن المجتمع وسلامته وتماسكه ، وتؤثر معنوياً بالسلب علي الروح القتالية للقوات ، وذلك بدعوي تأخر البيان الصحفي للمتحدث العسكري . وفي رد فعل غير متوقع ـ وفي إطار ممارسة حرية التعبير في صورته المشوشة ـ هاجمت مواقع التواصل الإجتماعي الصحفيين هجوماً ضارياً وصل إلي حد الإتهام بالخيانة والعمالة . وبذلك فقدت الصحافة الظهير الجماهيري الذي من أجله تطالب بحرية التعبير المفتوحة ، دون أن تدري . وأعتقد أنه لا مصلحة للسلطة السياسية الحالية في حبس الصحفيين ، ولا رغبة لديها في ذلك ، وإنما الأمر يتعلق بضبط الإنفلات الحاد في ارتكاب جرائم النشر ، دون المساس بحرية التعبير ، ولا غضاضة في تعديل المادة محل الخلاف بحيث يصبح الحبس آخر الحلول الممكنة . أما الإصرار من جانب الصحفيين علي بقائها فلا يعني سوي التكريس لحالة الإنفلات المهني والأخلاقي في تناول أخبار قوات في حالة حرب ، علي خلاف ما هو معمول به في كل دول العالم ، بما في ذلك الدول المتقدمة . ومن هنا يمكننا القول بأن متلازمة الحرية والصحافة والإرهاب تشير إلي وجود حالة مرضية يعاني منها المجتمع المصري أو علي الأقل محتملة الوجود ... فماذا نحن فاعلون ؟ .
حسن زايد
كاتب مصري ومدير عام
المصدر: أوكرانيا بالعربية