أوكرانيا بالعربية | مـسـتـقـبـل الإسـلام بين الـسلف والـخـلـف... بقلم حسن زايد

يعتقد فريق منا ألا سبيل لوجود الإسلام إلا بالعودة إلي حياة السلف الصالح ، وأنه لن يصلح حال هذه الأمة ، إلا بما صلح به أولها . إذن فالحل أمام المسلمين ـ حتي يحافظوا علي اسلامهم وفقاً لهذه الوجهة ـ هو العودة إلي حياة الأولين من السلف الصالح ، فَهُمُ القرآن يمشي علي الأرض ، والتنقيب عن حياة هؤلاء بين صفحات الكتب التراثية التي ورثناها عنهم ، فنتمثلها سلوكاً حياً يتحرك علي الأرض . فذلك هو السبيل الوحيد للوقوف علي حياتهم وسلوكهم ، والتعرف علي قيمهم وأخلاقهم ، والوصول إلي سبل مواجهتهم لمشاكل الحياة اليومية التي كانت تعترض سبيلهم ، وكيف مثل المصحف بالنسبة لهم منهج حياة.
كييف/أوكرانيا بالعربية/يعتقد فريق منا ألا سبيل لوجود الإسلام إلا بالعودة إلي حياة السلف الصالح ، وأنه لن يصلح حال هذه الأمة ، إلا بما صلح به أولها . إذن فالحل أمام المسلمين ـ حتي يحافظوا علي اسلامهم وفقاً لهذه الوجهة  ـ هو العودة إلي حياة الأولين من السلف الصالح ، فَهُمُ القرآن يمشي علي الأرض ، والتنقيب عن حياة هؤلاء بين صفحات الكتب التراثية التي ورثناها عنهم ، فنتمثلها سلوكاً حياً يتحرك علي الأرض . فذلك هو السبيل الوحيد للوقوف علي حياتهم وسلوكهم ، والتعرف علي قيمهم وأخلاقهم  ، والوصول إلي سبل مواجهتهم لمشاكل الحياة اليومية التي كانت تعترض سبيلهم ، وكيف مثل المصحف بالنسبة لهم منهج حياة.
تلك الشخصيات المثالية من أمثال : أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، ومن تبعهم بإحسان لا ريب أنهم مثلوا جيلاً فريداً ، لم يتصادف أن اجتمع مثله في تاريخ البشرية ، في نفس الزمان ، ونفس المكان . يعتقد البعض منا أنه يمكن استرجاع هذه الشخصيات المثالية ، واستدعائها للحياة مرة أخري ، بتمثلها ، والسير في دربها ، حذو النعل بالنعل ، فهم نجوم يسترشد بهم في دياجير الظلام ، وهم أهل الصحبة المختارة لرسول رب العالمين ، وقد رضي الله عنهم ، ورضوا عنه ، الأبر قلوباً ، والأعمق علماً ، والأقل تكلفاً . ونسي من يعتقد ذلك أن يتساءل بينه وبين نفسه : هل يمكن حقاً استرجاع هذه الشخصيات العظيمة كرة أخري ؟ .
أم أن ذلك درباً من دروب الخيال ؟ . وهل يصح لهم المقام في مجتمعات غير تلك التي عاشوا فيها ؟ . وهل يطيب لهم زمان غير ذلك الزمان الذي عاشوا فيه ؟.  لا ريب أن استدعائهم لزمان غير الزمان ، ومكان غير المكان ، ومجتمع غير المجتمع درب من دروب المستحيل عملاً ، وحلماً . أم ترانا سوف نستدعيهم بزمانهم ، ومكانهم ، ومجتمعهم ؟ . لا أظن أن هناك عاقل يقول بذلك .
ومع فرض امكانية استدعائهم سلوكاً وتأسياً ، فهل نضمن بذلك اتفاقهم علي قول رجل واحد ، فلا ينشق الصف ، ولا تتفرق الأمة علي اكثر من قول ؟ . إذ أن الصحابة رضي الله عنهم اختلفوا - في بعض المسائل - على أقوال لا يمكن الجمع بينها ، والأخذ بقول منها ، يكون مضادًا قطعًا للقول الآخر، بينما أحد هذه الأقوال هو موافق للشريعة ، والآخر غير موافق لها بالضرورة . فقد اختلف أبو بكر وعمر علي قتال المرتدين مانعي الزكاة ، وفي عهد الخليفة الأول كان هناك المرتدين مانعي الزكاة ، ومدعي النبوة مسيلمة الكذاب.
وفي عهد عمر بن الخطاب كان يوجد من كره عمر وسعي في قتله ، وقد جاءت من بعده مجتمعات توارثت كرهه ، وحرمت ذكره بخير . وفي عهد ذو النورين عثمان بن عفان حدثت الفتنة الكبري ، والإختلاف حول توزيع الثروات ، وانتهي عهده بقتله ممن لم يرغب في استمرار حكمه . وفي عهد علي كرم الله وجهه وُجِد الخوارج الذين خرجوا عليه ، ووجد الأمويون ، وانتهي عهده بسفك دمه ، ودم ولديه الحسن والحسين . ولا أذكر ذلك علي سبيل القدح والذم ، وإنما أُذَكِّرُ به ، لعل الذكري تنفع المؤمنين . فهم عاشوا في مجتمع له ظروفه ، ومتغيراته الحاكمة ، عاشوه علي النحو الذي يتمشي مع الشريعة ، وفقاً لما فهموه عن مراد الله فيها ، أعْمَلُوا عقولهم في الشريعة والحياة ، وعاشوها سلوكاً وعقيدة ، علي نحو رضي الله به عنهم ، ورضوا عنه . ويبقي السؤال : هل سيتم استرجاع هذا العصر بذات الشخوص وذات الأحداث حتي يتسني إقامة الخلافة الإسلامية ؟ .
وهل هذا الإسترجاع من الدين والإيمان أم هو استرجاع تاريخي ؟ . وهل استرجاع التاريخ من الدين ؟ . هل نحن مطالبون ديناً باسترجاع التاريخ بتناقضاته وصراعاته أم استرجاع الدين خالصاً من تلك الشوائب ، فنواجه به حياتنا وزماننا ومكاننا ؟ . إن العقول والقلوب التي تهرب من مواجهة الحاضر ، بالنكوص إلي الماضي ، والإنكفاء عليه ، كالنعامة التي تدفن رأسها في الرمال ، في مواجهة الخطر، الذي يحدق بها ، فَدَفْنِ رأسها ، لن يقيها شر الخطر ، ولن يعصمها من الهلاك.
وهؤلاء الذين يَدْعُون إلي النكوص إلي التاريخ ، إنما يهرعون إلي الناقة لمواجة الطائرة ، وإلي الحصان لمواجهة الدبابة ، وإلي السيف لمواجهة الصاروخ ، وإلي قنابل المولوتوف لمواجهة القنبلة الذرية ، فكيف ستكون المواجهة ؟ وكيف ستكون نتائجها ؟ . وبالقطع ليست هذه دعوة للتحلل من الدين ، والتحرر مما نتصوره قيوداً ، بدعوي مواجهة الحاضر،  بأدواته ،وظروفه ، ومتغيراته ، حتي نلحق بالكركب الحضاري ، لأن الحضارة الغربية هي الأخري ليست هي النظريات والفلسفات التي نقرأها في الكتب ، فهي بخلاف ذلك في تفاصيل الحياة اليومية التي تحياها . كما أن هذه النظريات والفلسفات ليست نتاج ترف فكري ، مارسه الغرب ، وهو يتكيئ علي اريكته ، علي شواطيء الأنهار والبحار، وإنما نتاج تجارب ، وصراعات  ، وحروب ودماء ، فلا يصح نزع كل هذا ، عن السياق الحضاري العام . فالمطالبة بنقل الحضارة الغربية نقل مسطرة هي ذات المطالبة باستعادة التاريخ واستحضاره .
أمر لا يصح عقلاً ، ولا يصح منطقاً . كما أنه لا يمكن التوفيق بين المطلبين حتي يتحققا معاً ، فلن يتم بلوغ منتهي هذا ، ولا منتهي ذاك  . ويبقي التساؤل عن المطلوب من المسلم المعاصر ، المطلوب هو الممارسة الحقيقية للدين في مواجهة قضايا العصر ، وإعمال العقل المسلم في أسباب الحضارة المعاصرة ، حتي يعيشها مسلماً ، كما عاش السلف الصالح زمانهم . فهل إلي ذلك من سبيل ؟ .

حسن زايد
كاتب مصري ومدير عام 
المصدر: أوكرانيا بالعربية



مشاركة هذا المنشور:
الأخبار الرئيسية
سياسة
زيلينسكي يبحث مع رئيس فنلندا التعاون في بناء الملاجئ في أوكرانيا
سياسة
إيطاليا تعارض استخدام أسلحتها خارج حدود أوكرانيا
سياسة
أمريكا وأوكرانيا تستعدان لإبرام اتفاقية أمنية ثنائية
أخبار أخرى في هذا الباب
آراء ومقالات
عن النصر والخوف والمعارضة...بقلم رئيس حركة "الأخوية القتالية الأوكرانية" بافلو جيربيفسكي
آراء ومقالات
الفساد العظيم الذي ضيّع أوكرانيا!..حسين الراوي
آراء ومقالات
الإجرام الروسي والطفولة الأوكرانية..حسين الراوي
تابعونا عبر فيسبوك
تابعونا عبر تويتر
© Ukraine in Arabic, 2018. All Rights Reserved.