أوكرانيا بالعربية | محـرقـة الأوراق والـدم... بقلم حسن زايد
كييف/أوكرانيا بالعربية/راج من خلال تصريحات صحفية ، اتجاه وزارة الأوقاف إلي التخلص من الكتب التي تحمل بذور الفكر المتطرف والإرهابي ، وبعد اعتراض البعض علي توجه الوزارة المبدئي إلي حرق هذه الكتب ، تراجعت الوزارة عن فكرة الحرق ، حتي لا تتهم بالعودة إلي العصر الروماني ، وفي تراجعها أفصحت عن موقفين يمثلان انقساماً داخل الوزارة ، الموقف الأول ـ ذهب إلي الحرق ، وهو بذلك يتبني الرأي الفقهي الذي يذهب إلي حرق الكتب المراد التخلص منها ، وهي تحوي آيات قرآنية وأحاديث نبوية ، وكذا الأمر بالنسبة للمصاحف القديمة .
وما ينطبق علي هذه الكتب ينطبق علي كتب الإخوان ، والجماعة الإسلامية ، نظراً لاحتوائها علي آيات قرآنية وأحاديث نبوية . والمشكلة التي تواجه الوزارة من وجهة نظر مسئوليها ، أنها لا تمتلك محرقة خاصة تتسع لحرق هذه الكتب . والموقف الثاني ـ ذهب إلي قيام المساجد والزوايا من خلال لجان خاصة بجرد محتويات مكتباتها علي مستوي كل إدارة ومديرية ، واستبعاد أو مصادرة أي كتب أو أشرطة كاسيت أو اسطوانات مدمجة تنتهج نهج الدعوة إلي إلي اتجاهات متشددة أو متطرفة تتعارض مع تعاليم الإسلام السمحة ، ثم إرسالها إلي الوزارة للتصرف فيها .
وحيال هذا الموقف سنجد أن الوزارة لا تمتلك من المخازن ما يتسع لكل هذه الكتب ، وإن وجدت ، فإلي متي يتم تخزينها ؟ . وألا يعد ذلك تصديراً للمشكلة إلي المستقبل ؟ . ثم نلتجيء في النهاية إلي الحل الأسهل والأيسر وهو حرق هذه الكتب والوسائط . والحقيقة أن هذه الحلول لا تنصب إلا علي الأوراق .
وكأن المشكلة في وجود الكتب ذاتها ، والكتب ما هي إلا الوسيط الذي تنتقل من خلاله الأفكار والرؤي . كما أن عمر الكتب الورقية في الوجود شارف علي الإنتهاء ، بعد انتشار المتصفحات الإلكترونية علي الشبكة العنكبوتية ، وحلولها كبديل موضوعي لعالم الورق . كما أن الوسائط التي يتم من خلالها تداول الكتب الإلكترونية قد فاقت الخيال ، إلي حد أنك تحمل بين أطراف أصابعك مكتبة تضم آلاف الكتب . ومع هذه التكنولوجيا لن تتيسر لك عمليات الحرق التي تقترحها كعلاج للمشكلة ، خاصة أنها تخرج عن نطاق السيطرة بالنسبة لك .
إذن فالحلول المقترحة من جانب وزارة الأوقاف ما هي إلا حلول شكلية تستهدف استرضاء جهة ما ، طالبت بتجديد الخطاب الديني ، ومواجهته . وأنا لا أظن ـ وبعض الظن إثم ، ومعظمه ليس كذلك ـ أن ما ستقوم به الوزارة ليس هو المستهدف من هذه الجهة بحال من الأحوال . لأن أطروحات الحل المقدمة ، فضلاً عن كونها ساذجة ، فهي بدائية للغاية ، ولا تحقق المستهدف . قد تكون هذه الأساليب كانت ناجعة في الماضي ، لأنه لم يكن هناك وسيلة لنقل المعارف البشرية ـ غثها وسمينها ـ سوي الكتب أو الحكي ، فكانت تحرق الكتب ، وتقطع الألسنة . ومع ذلك وصلت إلينا أفكار حُرِق أصحابها وبقيت هي . وما يقترحه مسئولي الأوقاف كحلول ينتمي إلي هذه العصور . والطريف أن السلفيين قد ركبوا ذات الموجة ، وجدفوا في ذات الإتجاه . ولا أقول هذا اعجاباً بكتب الإخوان ، ولا اتِّياماً بها ، ولا بكتب الجماعة الإسلامية ، ولا غيرها من الجماعات التي طرأت علي الفكر الإسلامي ، وركبت موجته ، وصولاً إلي غية يتغياها . وإنما اعتراضاً علي الحلول السقيمة المقدمة من جانب أهل الذكر .
خاصة أن الحل بيِّناً واضحاً وضوح الشمس في رابعة النهار ، وهو معلوم لهم . ويتمثل هذا الحل ـ الذي ليس عبقرياً ـ في مجابهة هذه الكتب في إطار الفكر ، حيث يجري مناقشتها ، وتفنيدها ، وغربلتها ، كتاب كتاب ، وبيان الصحيح منها والسقيم ، والكشف عن تلبيس إبليس فيها ، فهي ليست شر محض ، ولا خير محض ، شأنها في ذلك شأن أي فكر بشري ، يُؤخذ منه ويُرد . وعلي ضوء ذلك يجري إصدار بيان للناس علي رؤوس الأشهاد ، يتم فيه الإعلان عن الموقف النهائي من هذه الكتب من الوجهة الشرعية ، بعيداً عن الهوي السياسي . أما قياس حرق هذه الكتب علي حرق الكتب القديمة والممزقة فهو حرق للأوراق والدم والأعصاب معاً .
حسن زايد
كاتب مصري ومدير عام
المصدر: أوكرانيا بالعربية