أوكرانيا بالعربية | جريدة جدارية سورية في أوكرانيا... بقلم ريمون بطرس
كييف/أوكرانيا بالعربية/في منتصف شهر أيلول/سبتمبر من عام 1970، بدأت الدراسة في كلية تعليم اللغة الروسية التابعة لجامعة «كييف» و«كييف» كما هو معروف هي عاصمة جمهورية أوكرانيا السوفييتية آنذاك، وما زالت حتى اليوم عاصمة ذاك البلد الذي درست فيه وعشت أجمل أيام عمري... وبعد نحو أربعة أشهر من الدراسة، ومع بداية العام الجديد 1971، تقدمت بطلب إلى مدير الكلية بهدف إصدار جريدة حائط في الكلية تحت عنوان: «الصداقة».. وقد وافق المدير على الطلب دون تردد، وشجعني كثيراً، ووعدني بتقديم كافة مستلزمات إصدار الجريدة من ورق مقوى وأدوات وقرطاسية.. وبما أنني حينها كنت في بدايات تعلمي للغة الروسية، فقد جرى الحوار مع المدير، وبطلب مني بحضور معلمتي فالنتينا علييفنا، المشرفة على الطلاب العرب في الكلية، والتي كانت تجيد اللغة العربية بشكل استثنائي،.. وكانت فالنتينا قد درستها في جامعة دمشق منذ سنوات.. ولم تكن معلمتي عاشقة للغة العربية فقط، بل كانت عاشقة لسورية- الشام ولأهلها بكل ما تحمل كلمة العشق من معنى... ولا شك أبداً أن هذا قد ساعدني كثيراً على تحقيق مشروع إصدار الجريدة... وودعنا المدير- أنا وإياها- إلى باب مكتبه، والفرحة ترتسم جلية على كل تفاصيل وجهه.
وبدأنا المشروع بتشكيل هيئة تحرير للجريدة مؤلفة من طلاب في الكلية ينتمون إلى بلدان مختلفة- سورية، لبنان، فلسطين، العراق الجزائر، نيجيريا، كوبا.. والآن أذكر جيداً الصبية الوحيدة في الهيئة، الصبية الخلاسية الحسناء التي كانت تمثل كوبا، والتي على مدى عملنا في الجريدة كانت بأفكارها وكتاباتها وتعليقاتها تدخل السرور إلى قلوب جميع أعضاء الهيئة.. وأنا اليوم أيتها الكوبية الجميلة أعتذر منك كثيراً لأنني نسيت اسمك، ولكنني، قطعاً، لن أنساك أبداً رغم مرور عشرات السنين... وأتمنى الآن، وفي هذه اللحظة التي أكتب فيها عنك، أن تكوني بخير... وأنت تستحقين كل الخير... وسلامي لك أينما كنت... وفي الاجتماع الأول لهيئة التحرير اتفقنا، وبعد حوارات مطولة على إصدار الجريدة بخمس لغات (العربية، الروسية، الإنكليزية، الفرنسية، والإسبانية)، بحيث تحقق التواصل مع أغلبية طلاب الكلية البالغ عددهم نحو /750/ طالباً، والقادمين من نحو /60/ دولة في العالم، والمنتمين بشكل أساسي إلى ثلاث قارات (آسيا، إفريقيا، وأمريكا اللاتينية)... وصدر العدد الأول، وكتبت افتتاحيته تحت عنوان «تحية إلى شعب فيتنام العظيم، وإلى العظيم هوشي مينه» وكانت فيتنام حينها محتلة من قبل أهم رمز من رموز الدعوة إلى الحرية والديمقراطية، أمريكا. وأقامت إدارة الكلية احتفالاً صغيراً بهذه المناسبة، حضره عدد من المعلمين والمعلمات والطلبة الأجانب، وأيضاً مدير الكلية الذي عبر من خلال خطبة مقتضبة عن فرحته الكبيرة بهذه الخطوة... ولكن، الأكثر ابتهاجاً بين الحضور كانت معلمتي فالنتينا عليبفنا، وأنا حتى اليوم، ومنذ ذاك اليوم، ما زلت أشكرك بيني وبين نفسي على مساهمتك الكبيرة في إصدار جريدة «الصداقة» أيتها المعلمة الجليلة... أيتها الصديقة الحقيقية...
وفي صباح اليوم التالي، وكما في كل صباح دخلت إلى الكلية التحضيرية لتعليم اللغة الروسية، وكانت المفاجأة مفرحة بالنسبة لي... الجريدة، جريدة «الصداقة» ممزقة بالكامل، ومزقها ملقاة على الأرض أمام عينيها... وقامت إدارة الكلية ببعض التحقيقات لمعرفة الجاني أو الجناة، ولكن دون جدوى.. وفي المساء، وفي السكن الداخلي الطلابي، عرفت عن طريق عضو هيئة التحرير الجزائري والصديق العزيز مرزوق أسماء الطلبة الثلاثة الذين قاموا بهذه الفعلة الشنيعة، وهم من دولة عربية مغربية شقيقة، وبما أنني كنت آنذاك عروبي الهوى، وما زلت كذلك حتى اليوم، لم أتقدم بشكوى ضدهم إلى إدارة الكلية، ولم أفصح عن أسمائهم، وذلك كي لا نفضح أنفسنا نحن العرب أمام الخلق، أمام إدارة الكلية، وأمام الطلبة الأجانب الآتين إلى الكلية من عشرات بلدان العالم.. وبعد أسبوع من ذلك، وبما أنني كنت أحتفظ بمعظم مواد الجريدة في غرفتي الصغيرة، أعدنا إصدار العدد تحت عنوان فرعي: «العدد الأول مكرر»، واستمرار إصدار جريدة «الصداقة» نصف الشهرية حتى نهاية العام الدراسي، أي بداية شهر حزيران من عام 1971 ولن استطرد في الحديث عن المواد التي كانت تنشر في هذه الجريدة التي كانت بمبادرة سورية، والتي أصبحت جريدة أممية بكل ما تحمل كلمة أممية من معنى.. وترفع عالياً مشعل الصداقة بين شعوب الأرض.
وأخيراً أقول: إذا كنا في عز شبابنا، ومنذ أكثر من أربعين عاماً نعمل من أجل الصداقة بين الشعوب، فما أحوال الصداقة بين أبناء شعب واحد عمره آلاف السنين من الحضارات الشعب السوري..؟ أرجوكم أن تخبروني.. ولكم مني، أنا المواطن العادي جداً، جزيل الشكر.
ريمون بطرس
المصدر: صحيفة الوطن