أوكرانيا بالعربية | الـسـيـولـــة الـسـيـاســـــية فــي المنــطـقـة العربـيــة... بقلم حسن زايد

تبدو الحسابات السياسية في المنطقة العربية في حالة سيولة كاملة، بحيث يصعب علي المراقب تحديد اتجاه بعينه ، باستخدام البوصلة التقليدية ، وبنفس القدر من الصعوبة يتعذر علي الساسة والقادة العرب ، تحديد اختياراتهم ، وأولويات هذه الإختيارات ، في ظل التفاعلات الهلامية التي تموج بها المنطقة ، منذ اندلاع ما يطلق عليه ثورات الربيع العربي .
كييف/أوكرانيا بالعربية/تبدو الحسابات السياسية في المنطقة العربية في حالة سيولة كاملة، بحيث يصعب علي المراقب تحديد اتجاه بعينه ، باستخدام البوصلة التقليدية ، وبنفس القدر من الصعوبة يتعذر علي الساسة والقادة العرب ، تحديد اختياراتهم ، وأولويات هذه الإختيارات ، في ظل التفاعلات الهلامية التي تموج بها المنطقة ، منذ اندلاع ما يطلق عليه ثورات الربيع العربي .
فهذه الثورات ابتداءًا ، وإن كانت قد توفرت لها الظروف الموضوعية التي تفضي بالضرورة إلي اندلاعها ، من فساد ، وديكتاتورية ، وبطش ، وقمع ، وانسداد أفق سياسي ، إلي آخر تلك القائمة التي لا تنتهي ، إلا أن هناك أياد عربية وأجنبية قد عبثت بالحياة الرخوة التي كانت تعيشها البلدان العربية . فقد كان بوعزيزي في تونس الشرارة التي لامست برميل البارود ، فأدت إلي انفجاره . ولا ريب عندي أن بو عزيزي قد سبقه الف بوعزيزي دون أن يفجر براميل الديناميت التي كان يعيش فوقها المجتمع التونسي . ولكنها الأيادي التي أحاطت بالشرارة ، ونفخت فيها ، سواء أكانت أياد داخلية ، أو أياد خارجية .
وفي النهاية تصادف ركوب حركة النهضة للموجة ، وتصادف أيضاً علي نحو آخر ، أن توافق ذلك مع رغبة أوروأمريكية في صعود تيار الإسلام السياسي إلي سدة الحكم . وإذا بحادث مقتل خالد سعيد في مصر ، ذلك الشاب الذي أحاطت بسيرته الذاتية العديد من الشبهات ، وليس ذلك تبريراً لقتله ، إلا أن مقتله مثل الشرارة التي فجرت برميل البارود ، رغم أنني علي يقين أنه ليس وحده ، بل هناك آلاف خالد سعيد لاقوا نفس مصيره ،دون أن يفجروا براميل البارود التي كان يحياها فوق المجتمع المصري . ولكنها الأيادي التي امتدت لتحيط بالشرارة ، وتنفخ فيها ، سواء أكانت أياد داخلية ،أو أياد خارجية . وفي النهاية تصادف ركوب جماعة الإخوان وتوابعها للموجة ، وتصادف أيضاً ، أن صعود هذا التيار قد صادف هوي في نفوس الأمريكان والغربيين . ويبدو أن ذلك الهوي قد استعجل موجة الثورات في ليبيا وسوريا واليمن ، فتدخل حلف الناتو في ليبيا ، وتدخل الأمريكان والغرب في سوريا ، وأثيرت النزعات القبلية في اليمن . وقد كشفت الثورات الأخيرة ، الأيادي الأجنبية التي تدخلت في الثورتين التونسية والمصرية ، وكشفت كذلك الأيادي الداخلية التي جري تمويلها من بعض الأيادي العربية .
فإذا فردت خريطة العالم العربي ، فسنجد أن الثورة المصرية قد وجدت في البداية تأييدأً من الثورة التونسية ، وبعض الفصائل الليبية ، وقطر ، والسودان باعتبار أن هذه الأنظمة تنتمي إلي فصيل الإسلام السياسي ، أو مؤيدة وداعمة له . بينما دول الخيج والسعودية قد التزموا الصمت حيال ما يجري ، لأ، صعود تيار الإسلام السياسي يمثل خطراً عليها .  فلما  اندلعت في مصر الثورة الثانية ، وأطيح بتيار الإسلام السياسي من سدة الحكم ، تبدلت المواقف ، سواء العربية ، أو الغرب أمريكية . ويبدو أن جمود الأوضاع علي ما هي عليه ، حيث التنازع القائم بين نظام النهضة والقوي المدنية في تونس ، وانتصار الدولة المدنية في مصر علي بها من مناوشات وشغب من جانب تيار الإسلام السياسي ، وجمود الأوضاع في ليبيا علي حالة الإقتتال القبلي ،المغذي بالفكر المتطرف ، وبقاء أوضاع التنازع علي السلطة في اليمن رغم تقسيمها إلي ست مناطق .
وكذا حالة الصراع الطائفي في العراق ونتائجة المأساوية ، وجمود الموقف القتالي علي الجبهة السورية بعدم قدرة أي طرف من أطراف الصراع علي حسم المعركة لصالحه . هذا الجمود قد دفع القوي الدولية ـ ومن بينها أطراف عربية ـ إلي اختلاق " داعش " لتغيير التركيبة الكيماوية الفاعلة في المنطقة . وداعش هي ذلك المسخ الذي صنعه فرنكشتاين بطل رواية الكاتبة البريطانية ماري شيلي . وداعش صنيعة أمريكية بتمويل عربي تركي . سيجري استخدامه لإعادة رسم خريطة المنطقة علي أسس جديدة ، وما زالت المنطقة العربية هي المفعول به في المعادلات الفاعلة  .
وهناك تحالف دولي قادم لا محالة لاستغلال حالة السيولة السياسية التي تعاني منها المنطقة ، وما داعش سوي المسخ الذي استنفد أغراضه ، ومآله إلي القتل والفناء ، بعد أن تكون القوي الدولية قد حققت أهدافها  . فنحن مقدمون بالفعل علي  تشكل خارطة جديدة في المنطقة ، تصبح معها خريطة التقسيم الأولي التي خطها سايكوس / بيكو في ذمة التاريخ .
حسن زايد
كاتب مصري ومدير عام 
المصدر: أوكرانيا بالعربية



مشاركة هذا المنشور:
الأخبار الرئيسية
سياسة
الاستخبارات الأوكرانية: الروس يجهزون لهجوم على منطقتي خاركيف وسومي
سياسة
أوكرانيا وأرمينيا تعتزمان إجراء مشاورات سياسية
دبلوماسية
الدكتور مكسيم صبح يلتقي القائم بأعمال سفارة العراق لدى أوكرانيا
أخبار أخرى في هذا الباب
آراء ومقالات
عن النصر والخوف والمعارضة...بقلم رئيس حركة "الأخوية القتالية الأوكرانية" بافلو جيربيفسكي
آراء ومقالات
الفساد العظيم الذي ضيّع أوكرانيا!..حسين الراوي
آراء ومقالات
الإجرام الروسي والطفولة الأوكرانية..حسين الراوي
تابعونا عبر فيسبوك
تابعونا عبر تويتر
© Ukraine in Arabic, 2018. All Rights Reserved.