أوكرانيا بالعربية | البحث عن الدفء في العلاقات المصرية الروسية... بقلم حسن زايد

هناك عبارة جرت علي الألسنة جريان المثل الدارج في عالم السياسة مؤداها أنه فيما بين الدول : " لا توجد صداقات دائمة ، ولا عداوات دائمة ، وإنما توجد مصالح دائمة " . فالدول في تعاملاتها ، لا تعرف سوي المصالح ، وتدور الصداقة والعداوة مع المصالح وجوداً وعدماً ، وهي معاملة برجماتية خالصة ، لا محل فيها لمقتضيات التجمع البشري الإنساني . وهذا الكلام فيما أري لايصح علي إطلاقه ، فإن صح في زمان ، فقد لا يصح في زمان آخر ، وإن صح في مكان ، فقد لا يصح في مكان آخر ، وإن صح في الزمان والمكان ، فقد لا يصح من إنسان إلي آخر في المجتمع الواحد ؛ لأن علاقات المصالح نتيجة ، وليست مقدمة للعلاقات الإنسانية

كييف/أوكرانيا بالعربية/هناك عبارة جرت علي الألسنة جريان المثل الدارج في عالم السياسة مؤداها أنه فيما بين الدول  : " لا توجد صداقات دائمة ، ولا عداوات دائمة ، وإنما توجد مصالح دائمة " . فالدول في تعاملاتها ، لا تعرف سوي المصالح ، وتدور الصداقة والعداوة مع المصالح وجوداً وعدماً ، وهي معاملة برجماتية خالصة ، لا محل فيها لمقتضيات التجمع البشري الإنساني . وهذا الكلام فيما أري لايصح علي إطلاقه ، فإن صح في زمان ، فقد لا يصح في زمان آخر ، وإن صح في مكان ، فقد لا يصح في مكان آخر ، وإن صح في الزمان والمكان ، فقد لا يصح من إنسان إلي آخر في المجتمع الواحد ؛ لأن علاقات المصالح نتيجة ، وليست مقدمة  للعلاقات الإنسانية ، فالعلاقات القائمة علي الجوانب الإنسانية مقدمة منطقية وطبيعية لعلاقات المصالح ، والعكس غير صحيح .

ومن هنا فإن الإحتفاء المبالغ فيه بالجوانب الإقتصادية والعسكرية لزيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للقاهرة هو احتفاء في غير محله ؛ لأن هذه الجوانب هي النتيجة المنتظرة من عودة الدفء المفقود بين البلدين . وبالتنقيب في صفحات التاريخ ، سنجد أن منطلق العلاقة الروسية المصرية ـ في الأصل ـ  كان قيمياً ، وليس مصلحياً ، فقد قامت هذه العلاقة علي اعتبارت دينية ، وكانت كلمة السر فيها الكنيسة الأرثوذكسية ، حينما زار ولي العهد الأمير إيفان فاسيليفتش ، الذي صار فيما بعد : " إيفان الثالث " ـ أول قيصر لروسيا القيصرية ـ  مصر عام 1554 م ، وكان برفقته الدوقة الكبري أنستازيا ، وكبار رجال الدين المسيحي الروسي .

وبعد هذه العلاقات القائمة علي أسس قيمية دينية ، جاءت علاقات المصالح المتبادلة ، فكانت أول إتفاقية إقتصادية وقعت بين البلدين في عهد الملك فاروق الأول " 1943 م " ، وبمقتضاها كان يتم مقايضة القطن المصري بالحبوب والأخشاب الرسية " الإتحاد السوفيتي سابقاً " ، وامتد التعاون إلي الجانب العسكري كذلك ، حين التقي وزير الخارجية المصري ، في الحكومة الوفدية ، إبان العهد الملكي ، لنظيره الروسي ، وتقدم له بطلب يفصح فيه عن رغبة مصر في شراء أسلحة روسية ، رغبة في تغيير السلاح الغربي الذي كان يعتمد عليه الجيش المصري في حينه ، علي أن يكون مقابل الصفقة المالي  مدفوعاً من القطن المصري ـ ذلك القطن الذي أعلن وزير الزراعة الحالي التوقف عن دعمه ـ إلا أن هذه الصفقة تعثرت بسبب اندلاع حريق القاهرة في 25 يناير سنة 1952 م ، الذي أطاح بالحكومة الوفدية .

وقد جاءت الصفقة بعد ثلاث سنوات ، في اول تعاون مع حكومة الثورة ، فيما عرف تاريخياً بصفقة الأسلحة التشيكية ـ نسبة إلي تشيكوسلوفاكيا التي كانت عضواً بحلف وارسو ـ في أعقاب مؤتمر باندونج في إبريل 1955 م ، والذي تمخضت عنه حركة دول عدم الإنحياز ـ بزعامة تيتوا ونهرو وعبد الناصر ـ في مواجهة حلف وارسو ، وحلف شمال الأطلنطي "الناتو": . وقد قدم الروس لمصر / عبد الناصر المساعدات في المجالين العسكري والإقتصادي ، حيث ساهموا في تحديث القوات المسلحة تسليحاً وتدريباً ، وأسسوا المصانع الحربية في المجال العسكري ، وساعدوا في بناء مصانع الحديد الصلب في حلوان ، ومجمع الألمونيوم بنجع حمادي ، وغيرهما من المصانع التي مثلت قاعدة صناعية كبري لمصر ، وساعدوا في بناء السد العالي ، الذي أنتج الكهرباء ، وحول نظام الري من ري الحياض ، إلي الري الدائم . هذا بخلاف أن روسيا مثلت ظهيراً دبلوماسياً قوياً لمصر / عبد الناصر في العديد من المعارك السياسية التي كانت تخوضها . هذا بخلاف تعويض مصر عن الأسلحة التي خسرتها في حرب يونيه 1967 م ، واستقدام آلاف الخبراء للتدريب عليها .

وينبغي ألا ننسي أن مصر قد خاضت حرب اكتوبر بالسلاح الروسي  ، رغم ما شهدته العلاقات المصرية الروسية من توتر في عهد الرئيس الراحل / أنور السادات ، انتهت بقطع العلاقات ، وطرد 17 الف خبير روسي دفعة واحدة . الأمر الذي شكل إهانة بالغة للحليف الروسي ، وانقلاباً في العلاقات المصرية الروسية ، بعد أن أعلن الرئيس السادات أن 99% من أوراق اللعبة في يد أمريكا ، وقد بانت توجهاته شطر الغرب بإعلانه انتهاج سياسة الإنفتاح الإقتصادي ، والتخلي كلية عن معاهدة الصداقة والتعاون ، التي وقعت بين البلدين سنة 1971 م ، بعد خمس سنوات من توقيعها . وتوقفت مصر تماماً عن شراء السلاح الروسي قبيل توقيع اتفاقية السلام مع اسرائيل ، واتجهت إلي شراء السلاح الأمريكي . بل إن مصر قد شاركت مع السعودية وأمريكا في ضرب روسيا في افغانستان إبان الغز الروسي لها سنة 1979 م باستخدام سلاح الدين والمجاهدين . وقد بدأ التحسن التدريجي في العلاقات بين البلدين في أعقاب انهيار الإتحاد السوفيتي في أواخر ثمانينيات ، وأوائل تسعينيات القرن الماضي ، في عهد الرئيس الأسبق مبارك ، حيث كانت مصر في طليعة الدول التي أقامت علاقات دبلوماسية مع روسيا الإتحادية . إلا أن هذه العلاقات لم تعد إلي سابق عهدها ، لاستمرار مبارك علي خطي سلفه في علاقاته بالغرب وأمريكا  . وفي عهد الرئيس الأسبق محمد مرسي ،لم تشهد العلاقات أي تحسن ، فقد كان الغرض المعلن من الزيارة تطوير التعاون في مجال الطاقة النووية ، وبحث مجالات التعاون الأخري ، ففوجيء الرئيس الروسي بطلب مرسي بعدم إدراج جماعة الإخوان علي قوائم الجماعات الإرهابية بحسب تقارير صحفية .

وجوبه مطلبه بالتجاهل ؛ لأن روسيا قد اكتوت من قبل بلهيب مجاهدي أفغانستان ، وكذا مجاهدي الشيشان . ثم جاءت الوقفة التاريخية الشجاعة للجانب الروسي ، حين أعلن بوتين وقوفه إلي جانب الشعب المصري في خياره في 30 يونيه 2013 م ، ولهذا الموقف أسبابه الموضوعية ، من بينها انهيار النظام والدولة الليبية ، والصراع المسلح في سوريا ، التي تمثل إطلالتها الوحيدة علي المياه الدافئة . وقد واكب ذلك الدق العنيف علي البوابة الغربية لروسيا ، متمثلة في أوكرانيا ، التي أصبحت عضواً في حلف الناتو بعد انفصالها عن روسيا . وحصار روسيا إقتصاديا ً ، في ظل هشاشة باكستان ، ولا دولة أفغانستان ، والتحالف الخفي الإيراني / الأمريكي ، وغلق البوابة المصرية لأفريقيا والعالم العربي بنظام حكم الإخوان . ومن هنا جاء الموقف الروسي من الثورة المصرية ، باعتبارها المفتاح السحري لبوابة الشرق الأسط ، تلك المنطقة الدافئة التي تفتت برودة الحصار الغربي عليها . والحقيقة أن الموقف المصري قد وجد نفسه متناغماً مع الموقف الروسي ، في مجابهة الموقف الغربي الأمريكي ، الذي تنكر للثورة المصرية ، وتهجم عليها ، في قراءة معكوسة للمشهد المصري ، وقد يكون في عودة الدفء إلي العلاقات المصرية الروسية إلي سابق عهده ، مدخلاً لخلق توازنات دولية جديدة ، والولوج إلي عالم متعدد الأقطاب ، وكسر الإحتكار الأمريكي للقطبية الذي جر علي البشرية العديد من الشرور .

حسن زايد

كاتب مصري ومدير عام 
المصدر: أوكرانيا بالعربية



مشاركة هذا المنشور:
الأخبار الرئيسية
اقتصاد وأعمال
صحيفة: اتفاق جديد بشأن الحبوب الأوكرانية
رياضة
رسمياً: أوكرانيا تتأهل ليورو 2024
سياسة
السعودية ترسل طائرة إغاثية جديدة لأوكرانيا
أخبار أخرى في هذا الباب
آراء ومقالات
عن النصر والخوف والمعارضة...بقلم رئيس حركة "الأخوية القتالية الأوكرانية" بافلو جيربيفسكي
آراء ومقالات
الفساد العظيم الذي ضيّع أوكرانيا!..حسين الراوي
آراء ومقالات
الإجرام الروسي والطفولة الأوكرانية..حسين الراوي
تابعونا عبر فيسبوك
تابعونا عبر تويتر
© Ukraine in Arabic, 2018. All Rights Reserved.