زقوت: اذا لم نندمج في المجتمع الأوكراني و بقينا بعيدين عن ذلك فلن تشعر الدولة بتأثيرنا أو حتى وجودنا
كييف/أوكرانيا بالعربية/تحل هذا العام الذكرى الخامسة عشر لتأسيس البيت العربي، اضافة اننا امام ظهور الجيل الثاني من ابناء الجالية العربية في أوكرانيا، و ظهور العديد من المؤسسات و الجاليات العربية و الاسلامية في أوكرانيا، و تأثر الجاليات العربية في أوكرانيا بثورات الربيع العربي و انعكاساتها على واقعهم في المهجر ... و كما شهدت العلاقات العربية الاوكرانية نشاطا ملموسا في السنوات الاخيرة .... أسئلة كثيرة حول واقع هذه الجاليات و أهمية دورها في المجتمع نطرحها في حوار صريح مع البروفيسور صلاح زقوت
أوكرانيا بالعربية: تحدثتم في مقالات سابقة عن الاندماج لابناءالجاليات العربية في المجتمع الاوكراني مع الحفاظ على الهوية الثقافية و الحضارية فكيف يمكن ذلك ؟ كيف يمكن ان يندمج المسلم في مجتمع ليس مسلما بديانته ؟
زقوت: بالتاكيد نحن ابناء ثقافات و ديانات مختلفة و لكن على قاعدة الحوار بين الثقافات من الممكن حل كل القضايا، فالعالم يعُج بالتنوع و هذا التنوع يُغني الانسانية. فانطلاقا من هذا الفهم نحن كمواطنين أوكران من اصول عربية او اسلامية امام خيارات متعددة فلنناقش هذه الخيارات و لنرى لماذا اطرح دائما الاندماج مع الحفاظ على الهوية الثقافية.
نحن اما ثلاث خيارات :
الخيار الاول هو ان نندمج بشكل نهائي في المحتمع الاوكراني و ننسى أصولنا و ثقافتنا و موروثنا اللغوي و الحضاري فالنتيجة اننا سنكون هجينا على هذا المجتمع وذلك لاننا سنحمل ثقافة ليست ثقافتنا فلذلك لن نكون منسجمين بهذا الواقع.
الخيار الثاني هو ان ننعزل عن هذا المجتمع و نلعنه و هذا يقود الى التطرف و هذا خيار خطير.
الخيار الثالث و هو الاخير خصوصا ان أوكرانيا دولة بها تعددية أثنية و ثقافية فنحن نرى ان نندمج بالمجتمع بكافة مناحي الحياة سواء الاقتصادية او السياسية او الرياضية ... الخ . مع الحفاظ على هويتنا الثقافية و الحضارية خصوصا ان هذا المجتمع المتعدد هو متسامح و يقبل الاخر.
اما الحفاظ على هويتنا الثقافية فيعني ان نتمسك بالتقاليد و العادات و الموروث الحضاري و كل ما هو جميل يجب التمسك به و ان نُعلم أبنائنا ذلك بالاضافة ان نأخذ افضل ما هو موجود لدى الثقافة الاوكرانية، فاذا استطعنا ان ننجح في ذلك فسنشكل حالة متقدمة في المجتمع الاوكراني و سنعزز هذا التنوع الثقافي و الحضاري . و لذلك انا من أصحاب وجهة النظر التي تدعو الى الاندماج مع الحفاظ على هويتنا و ثقافتنا.
أوكرانيا بالعربية: تعقيبا على هذه الاجابة لنأخذ مثالا بسيطا : كيف لاسرة مسلمة يتلقى اطفالها التعليم في مدرسة أو حضانة اوكرانية ان يحافظوا على ثقافتهم و دينهم مع العلم انه تدرس الديانة المسيحية للاطفال بالاضافة الى ان وجبات الطعام ليست حلال و من الممكن أن تكون من لحم الخنزير مثلا ؟
زقوت: جيد حتى لو افترضنا هذا الموضوع و من الشيء الطبيعي ان تدرس الديانة المسيحية فهي من ثقافة هذا المجتمع و هذا لا يتعارض مع الاسلام الذي جوهره الاعتراف بكافة الديانات السماوية وانا لا ارى اشكالية ان ندرس المسيحية فهي جزء من الموروث الاسلامي و لا ارى كذلك اي تعارض بل بالعكس يجب دراسة الثقافات الاخرى. و ما يتعلق بالطعام مثلا فمن الطبيعي ان نواجه مثل هذه التفاصيل و حلها بشكل سلس عبر الشرح و التوضيح لادارة هذه المدرسة فلن يفرضوا هذا او ذاك و اكبر دليل انه عند تواجدنا في بيوت اصدقائنا الاوكران لا يفرضو علينا أكل هذا أو شرب ذاك و نحن لا نفرض عليهم، و هنا تبرز أهمية التعايش و ان يفهم كل منا الاخر .و اعتقد بأنه ان تواجد عدد كبير من التلاميذ المسلمين في مكان معين فمن الممكن ان تُخصص لهم وجبة معينة و هذا يمكن عمله بشكل جدي و ايجابي.
أوكرانيا بالعربية: سعادة البروفيسور صلاح زقوت كيف ترون امكانية تطبيق النموذج الاوروبي في أوكرانيا بخصوص تعليم لغة الاب للاطفال و هو عبر تخصيص مدرس لمادة اللغة العربية في المدارس الحكومية؟
زقوت: أوكرانيا تختلف عن أوروبا و الوجود العربي الاسلامي في أوكرانيا يختلف عن الوجود في أوروبا فجزء كبير من المسلمين هم جزء أصيل في هذا البلد، و من جاء وافدا هم أقلية و لا يسكنون باحياء منعزلة كما يحدث في أوروبا فمن الصعب ان نقول بأن هنالك كثافة سكانية عربية في هذا الحي أو في ذاك، فهم منتشرون في مختلف المناطق باوكرانيا و الشيء الاخر باننا حتى الان لم يُعترف بنا كأقلية في أوكرانيا و ان تم ذلك فسيضمن لنا هذا الحق الدستور الاوكراني فسنتمكن من استعمال لغتنا الام.
و الموجود حاليا هي منظمات اجتماعية و هذا لا يمنع اي مبادرة من أي طرف في هذا القبيل بفتح مدرسة لتعليم اللغة العربية او اقامة دورات لتعلم العربية و على سبيل المثال انا لاحظت أن الجالية الجورجية تقيم كل يوم سبت حلقة اسبوعية لتدريس اللغة الجورجية لاطفالها و الدولة تسهل ذلك .
رغم ذلك كان هنالك مدرسة التضامن العربي و منذ العام الماضي افتتحت في كييف مدرسة المدينة المنورة بمبادرة من السيد جلال فروي و التي يمكن للطالب العربي ان يتلقى تعليمه الابتدائ و الاساسي حتى الثانوية باللغة العربية بالاضافة الى مبادرات أخرى في هذا الجانب.
الاشكالية هي ان نفهم دورنا في هذا المجتمع و ماذا نريد منه فيجب ان نسال أنفسنا السؤال التالي : ماذا نريد من المجتمع الاوكراني؟ فبعد الاجابة يمكننا وضع الطرق و الاليات و الحلول المناسبة للمسائل المختلفة .
أوكرانيا بالعربية: ما هو السر في المدخل الثقافي الحضاري و الذي تدعون اليه دائما ؟ بما يتميز عن غيره ؟
زقوت: من الطبيعي و من المفترض ان نفهم هذه الدولة و تركيبتها و كيف يجب ان نتعاطا معها فأوكرانيا هي دولة متعددة الاعراق و متعددة الثقافات و القوميات و هذا يعني ان هنالك حوار بين الثقافات و لا يوجد ثقافة تقصي ثقافة أخرى فمن هنا نستخلص بأننا في أوكرانيا نستطيع ان نتعايش و نتحاور و نُغني هذا التنوع الثقافي الحضاري و نُثري المجتمع الاوكراني بثقافتنا العربية و الاسلامية.
أوكرانيا بالعربية: كيف ترون علاقة المجتمع الاوكراني مع الديانة الاسلامية هل هي علاقة وئام ؟ أم اصطدام ؟
زقوت: بالتأكيد هي ليست علاقة اصطدام و انما هي علاقة انسجام و ذلك لسبب بسيط و هو ان الاسلام ليس دخيلا على المجتمع الاوكراني بل هو أصيلا منذ القدم و بالتالي اعتقد بان المجتمع الاوكراني يتقبل التنوع الديني و أود الاشارة الى ان الاسلام هو الديانة الثانية في أوكرانيا من حيث الكثافة السكانية و أتمنى ان يكون الديانة الثانية من حيث الفاعلية و أن تلعب كافة المؤسسات الدينية و الاجتماعية دورها الايجابي في المجتمع الاوكراني لتقدم الصورة الصحيحة و المشرفة عن الاسلام اذ ان الاسلام ديانة سماوية و لا تتعارض مع الديانات السماوية الاخرى.
أوكرانيا بالعربية: ما هو واجب الجاليات العربية و الاسلامية في أوكرانيا ؟
زقوت: من الجميل انه اصبح اليوم موجود عدد من المنظمات الاجتماعية العربية و الاسلامية و من المهم و المناسب الان توحيد الخطاب العربي و الاسلامي و كذلك التفكير في المدخل الصحيح و المناسب لهذا المجتمع ؟ فنحن في البيت العربي نرى ان المدخل الثقافي الحضاري هو انسب باب كما فصّلتُ ذلك سابقا و كذلك لا بد من توحيد الجهود بين المنظمات الاجتماعية العربية و الاسلامية من خلال تشكل لجنة تنسيق (على سبيل المثال) او سمها ما شئت المهم لجنة مهمتها التنسيق بين هذه المؤسسات، و انا أدرك بان كل منظمة اجتماعية تعمل بوحدها و بخصوصيتها و هذا لا يضر في الامر شيء و لكن عندما يكون هنالك تنسيق و تعاون بين مختلف الجاليات العربية و الاسلامية نستطيع ان نعمل الشيء الكثير و نستطيع أن نبرز امام المجتمع الاوكراني باننا موحدين بالخطاب و بالفهم للقضايا و الفكر و ندعم بعضنا البعض من أجل ان نندمج بداخل المجتمع الاوكراني.
واشعر بالاعتزاز لان بعض ابناء الجالية العربية و الاسلامية اصبح يشغل مناصب بارزة بداخل المجتمع الاوكراني بالمجال الطبي و الثقافي و الاقتصادي و غيره و هذا انجاز كبير، و لا يجب ان ننظر فقط للجانب السياسي بل الى كل الجوانب فهي مترابطة ببعضها البعض فعندما يكون تنسيق و تعاون تكون فاعلية العمل افضل بكثير من العمل الفردي.
أوكرانيا بالعربية: ما هو تفسيركم لعدم اعتراف الدولة الاوكرانية حتى الان بأي أقلية عربية؟
زقوت: لان الوجود العربي في أوكرانيا حتى الان يعتمد على الوافدين و عمر أوكرانيا فقط 20 عاما و التواجد العربي ليس كثيفا، فهم كانوا طلاب تلقوا العلم هنا و تزوجوا أوكرانيات و منهم من بقي لقلة فرص العمل في بلده الاصلي فبالتالي نحن في الطور التكويني للجالية العربية في أوكرانيا.
أي ان الجالية العربية في أوكرانيا هي موزعة على مختلف المدن الاوكرانية فنحن امام الجيل الاول و لكن بعد فترة عند نشوء هذا الجيل الجديد من ابناء الزيجات المختلطة و من خلال اندماجهم و تأثيرهم ستشعر الدولة بفاعليتهم انهم مندمجون في كافة مناحي الحياة فسيعترفوا بنا كأقلية قومية لها كافة الحقوق التي ينمحنا اياها الدستور و الكثير من المميزات الاخرى، ولكن اذا بقينا بعيدين عن ذلك فلن يشعروا بتأثيرنا او وجودنا.
و هذا يتعلق بالعرب و المسلمين الوافدين ، اما المسلمين الاصليين فهم مواطنين اوكران منذ نشوء الدولة .
أوكرانيا بالعربية: في هذا العام تحل ذكرى عزيزة و هي الذكرى الخامسة عشر لتأسيس البيت العربي، فما هي أهم انجازاته؟
زقوت: بمناسبة هذه الذكرى اتقدم في البداية بالشكر لكل المؤسسين للبيت العربي و بالمناسبة المؤسسين هم عرب و أصدقاء اوكران لاننا منظمة اجتماعية أوكرانية كما أتقدم بجزيل الامتنان و العرفان لكل من وقف الى جانبنا ماديا أو معنويا أو بملاحظاته و انتقاداته البنائة لتطوير عمل هذه المؤسسة، فالبيت العربي يعتبر من أوائل المنظمات الاجتماعية العربية في أوكرانيا التي أهتمت بمصالح أبناء الجالية العربية و الدفاع عن حقوقها امام المؤسسات الرسمية و الغير رسمية و كذلك عملت على الحفاظ على ذاكرتنا التاريخية و هويتنا الثقافية و موروثنا الحضاري، و عكست صورة صحيحة عن أمتنا العربية للمجتمع الاوكراني من خلال المدخل الثقافي الحضاري على قاعدة حوار الحضارات و كذلك عكست صورة المجتمع الاوكراني في العالم العربي حيث كنا جسرا للتواصل الحضاري بين العالم العربي و أوكرانيا.
و نستطيع القول بان الوضع العربي الان في أوكرانيا أصبح اكثر تنظيما و فاعلية من السابق من خلال تأسيس العديد من المنظمات الاجتماعية العربية، فعندما تاسس البيت العربي كان الوحيد.
و لعبنا دورا في التواصل الاجتماعي بين الاسر العربية و تحديدا في كييف. كذلك قمنا بدور كبير بتعزيز العلاقة بين الاسر المختلطة و الاسر العربية وقطعنا شوطا كبيرا في هذا المجال.
و على المستوى الثقافي أقام البيت العربي العديد من المعارض الثقافية و الفنية التي تعكس حضارتنا و ثقافتنا للمجتمع الاوكراني، بالاضافة الى الندوات المختلفة بمواضيع مختلفة تهم أبناء الجالية العربية واستضافة العديد من المفكرين و السياسيين العرب و الاوكران.
أما اعلاميا فقد شكلنا حالة من الاختراقات في الاعلام الاوكراني سواء المرئي او المسموع او المقروء و ذلك عبر الكثير من المقالات و اللقائات المتلفزة و المقابلات و التي تشرح حضارتنا و قضايانا مثل القضية الفلسطينية و قضية العراق و القضايا العربية الاخرى فنحن مواطنين اوكران من اصول عربية و جذورنا تدعونا الى التاثر بما يجري في اوطاننا، و مشاركتنا بالندوات العلمية و الثقافية و السياسية و تقديم المداخلات و الابحاث العلمية و الثقافية و المشاركة بالمؤتمرات المحلية و الدولية.
بالاضافة الى تواصلنا مع المنظمات الاجتماعية الاوكرانية و القوى السياسية لشرح قضايانا و توضيح وجهة نظرنا بخصوصها.
عدى عن العديد من المقابلات مع الوسائل الاعلامية العربية المختلفة التي تتناول الاحداث على الساحة الاوكرانية.
هذه هي بعض الانجازات و بشكل موجز جدا فلا اريد التعديد و التفصيل و لكنني اريد ان انوه هنا بأننا لم نصل الى مستوى طموحاتنا فنحن نطمح دائما لتطوير عملنا و آلياتنا للوصول الى التأثير الايجابي بهذا المجتمع بما يخدم قضايانا و هذا لا يتم الا بتكاتف كل الجهود و وعي أهمية دورنا. فنحن في البيت العربي نرى كما أشرت ان نندمج بهذا المجتمع بكافة مناحي الحياة و ان نكون جسر للتواصل بين العالم العربي و أوكرانيا اي ما بين الحضارة العربية و الحضارة السلافية الاوكرانية ... و بالطبع واجهنا صعوبات و عقبات كثيرة و لكننا بفضل الله عزوجل و جهود أخوتنا أعضاء البيت العربي و أصدقائنا تغلبنا عليها بفضل الله.
أوكرانيا بالعربية: كم يُقدر عدد أعضاء البيت العربي و كيف تتم دورية الاجتماعات لمؤسستكم الموقرة ؟
زقوت: أود التنوية الى ان البيت العربي هو منظمة اجتماعية و ليس حزبا سياسيا بالتالي نحن لم نكن مشدودين لتظيم الناس و منحهم العضوية كما تقوم به الاحزاب السياسية فلذلك البيت العربي هو دائما مفعم بالحراك فهنالك الوافد و المغادر ... و لهذا لا نستطيع ان نصل الى رقم معين و نحن لم نعمل يوما ما على حشد الجمهور بل كل ما يهمنا هو الثقافة و الفكر و كيف نروج لهذا الفكر و الثقافة فهنالك الكثير ممن يؤمنون بهذا الفكر و ليس على مستوى كييف فقط بل على مستوى أوكرانيا و نحن منفتحين على الجميع و نرحب بأي عضو يشاطرنا افكارنا.
بالتاكيد هنالك هيئة ادارية للبيت العربي تتم اجتماعاتها ليست دورية و انما حسب ما تدعي له الحاجة و ناخذ دائما بجميع الاراء و الاقتراحات.
أوكرانيا بالعربية: أثناء عملكم الاجتماعي المتنوع يرى البعض بأنكم أقحمتم بهذه المؤسسة الاجتماعية بقضايا سياسية خلافية كان من أثرها التشتيت و ليس التجميع و التكاتف!!! فما هو تعليقكم على ذلك؟
زقوت: بالطبع نحن نحترم الرأي و الرأي الآخر و كما تحدثت سابقا بان جوهرعملنا في البيت العربي هو الفكر و احترام العقل فدائما نقول دعوا العقل يسبح في الفضائات الحرة، أما الجاليات العربية فهي أساسا منقسمة سياسيا سواء بالمعنى القطري أو المعنى القومي بالتالي هذا الصراع في وجهات النظر المختلفة موجود أصلا فهنالك من يؤيد و من يعارض و من مع و من ضد و هذه طبيعة الحياة و ليس من الضروري ان نكون على شاكلة واحدة، بالعكس يجب ان نحترم بعضنا البعض، ونحترم اختلافاتنا فهي تثرينا أن استطعنا ان نفهم جوهرها.
و من يدعي غير ذلك لا يفهم و لا يحترم الرأي الآخر و كما أشرت سابقا نحن مواطنون أوكران من أصول عربية نتفاعل مع قضايا أمتنا العربية فمنذ غزو العراق و احتلاله مروروا بحرب لبنان و قضية فلسطين و ثورات الربيع العربي تفاعلنا مع هذه القضايا و من الطبيعي ان يلاقي هذا التفاعل من يؤيده و من يعارضه و نحن لنا رأي في كل قضية سياسية قد تكون صائبة و قد تكون خاطئة فكل قضايانا مطروحة للحوار و هنا نطرح الحوار لمن لا يروق له وجه نظرنا.
و من يقول اننا اقحمنا أنفسنا في هذه القضايا فهو نفسه شاركنا في ندوات سياسية أخرى و تفاعل معنا بقضايا سياسية مختلفة، و هو الذي لا يحترم الرأي الاخر بهذه الطريقة و بالتاكيد نحترم وجهة النظر هذه.... و اعود لاقول بان أزمتنا هي أزمة ثقافة فحتى لو اختلفنا فهذا الخلاف هو الذي يعززنا و يثرينا فنحن منفتحين للجميع و لكل رأي علمي و بناء و لا نأخذ مواقف من أحد نختلف معه في وجهة نظر سواء سياسية أو ثقافية.
و لا ندعي باننا على الصواب فنحن بشر و أكرر التعبير الذي اقوله دائما "الملائكة لا تعيش على الارض" و المهم هنا هو كيف نُجيد الخلاف.
فنحن العرب كثيرا ما نرفع شعارات الحوار مع الاخر و كم نحن بامس الحاجة الى الحوار مع أنفسنا.
أوكرانيا بالعربية: كنتم و مازلتم في مقالاتكم المختلفة تؤيدون الربيع العربي و الحراك الشعبي العربي، الا تعتقدون بان هذه الثورات قد تنجب لنا دكتاتوريات أشد وطئة و عنفا من السابقة ؟
زقوت: أنا اعتقد ان هذا سؤال محوري و جوهري فمنطقتنا العربي قبل الربيع العربي و صلت الى حالة من الجمود الفكري و الاقتصادي و الاجتماعي و تكالبت الازمات على كافة الاصعدة و أصبحت منطقتنا مشاعا لتدخل القوى الاقليمية و الدولية في ظل غياب مشروع عربي موحد لمواجهة كل هذه التحديات فمن الطبيعي ان هذا الحراك الشعبي بالدرجة الاولى هو حراك ضد أنظمة دكتاتورية و فاسدة و قمعية، قامت بقمع و اضطهاد و ملاحقة كل من يفكر او يعارض سلطتها الحاكمة فلم يبقى الى الحزب الحاكم و من يدور في فلكه.
بالتالي انطلق الربيع العربي بحس شعبي خالص يطمح للتغيير فقد هتفت الشعوب العربية: خبز – حرية – عدالة اجتماعية ... فالاشكالية ان هذه الانظمة لا تريد اي عدالة او تغيير فواجهت هذا الحراك بقوة مفرطة لتنزف دماء كثيرة قضت على حاجز الخوف لدى الجماهير العربية التي نادت باسقاط هذه الانظمة و نجحت في العديد من الدول و ستنجح في الباقي.
فمن الطبيعي أن الربيع العربي سيواجه اشكاليات نتيجة لفترة موروثة من التراكم السلبي على كافة الاصعدة الذي أقامته الانظمة الدكتاتورية الفاسدة، فنحن أمام ثقافة جديدة و مجتمع جديد و هذه الثقافة الجديدة تدعوا الى احترام المواطنة و التعددية و التحضر و التقدم و احترام الرأي و الرأي الاخر الذي كان غائبا أو مقتولا او مسجونا في الفترة الماضية.
ان غياب شعور المواطنة أدى الى ظهور كل السلبيات و لكن عندما يعود شعور المواطنة و يشعر الانسان بان هذا الوطن له بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، فسنرى التطور و انا أرى بان هذا الحراك يعيد الشعور بالمواطنة و سيبني مجتمعات بعيدة عن الدكتاتورية و بعيدا عن الفساد و حضور الرأي و الراي الاخر .
و عندما نراجع تاريخ هذه الانظمة و كيف توصلت الى السلطة فاما عبر الانقلاب او خلافة لزعيم متوفي او بانتخابات مفبركة عبارة عن مسرحية ساخرة بالتالي اقل زعيم تمسك بكرسيه 20 الى 40 عاما !!! و السؤال هنا هل هذا مقبول في ظل التطور العصري؟ ان يبقى الحاكم للابد ؟؟ اعتقد بان هذا مرفوض جملة و تفصيلا ...
نحن نرى انه في بعض البلدان التي نجحت فيها ثورات الربيع العربي نجد انه الى جانب الحزب الحاكم توجد أحزاب و معارضة و رأي آخر، و هذا يؤدي الى تطور مجتمعاتنا من خلال الحوار و تداول السلطة.
و من يدعي بان هذه مؤامرة فليعد بذهنه الى زمن ما قبل الربيع العربي فهل كنا نعيش عالما من الحرية و الرخاء و الديمقراطية ؟ و هل كانت منطقتنا العربية خالية من التدخل الاقليمي و الخارجي!!!!!!!
بالتأكيد هناك تدخلات خارجية و نحن ندينها و لكن هذا العالم قد أصبح قرية صغيرة و ليس كبيرة و كل دول العالم تبحث عن مصالحها، الاساس هو كيف نجيد اللعب على المصالح الدولية لتحقيق مصالح شعوبنا ... و ليس لمصلحة أعدائنا فنريد أنظمة تفكر بشعوبها و تتنازل لشعوبها و تقاوم الاخر الذي يريد الاستيلاء على خيرات اوطاننا و شعوبنا و انا في حديثي اشرت باننا دائما ندعو للحوار مع الاخر و لا نفكر بالحوار مع انفسنا. فأنظتمنا الدكتاتورية الفاسدة تقدم كل التنازلات للاخر و تقمع شعوبها و لا تفكر ان تتنازل بشيء ما لشعوبها ... و هناك قوى جديدة تريد أن تحكم بدكتاتورية جديدة و لكنني اعتقد بان ذلك لن يتم لان شعوبنا قد أصبحت واعية بعدما انتفضت.
و لذلك انا متفائل بهذا الربيع العربي و قد كتبت في مقالة سابقة بان الربيع تتفتح فيه البراعم بينما يكون القطاف في وقت متأخر، فبعد مرور عامين من الصعب جني ثمار .
أوكرانيا بالعربية: لقد أسستم المعهد العربي الاوكراني في كييف حدثونا في عجالة عن الاثر و الانجازات لهذا المعد في المجتمع الاوكراني؟
زقوت: أنا اعتقد بان هذا انجاز ثقافي و حضاري عظيم فعندما يُنشئ معهدا في أوكرانيا يحمل اسم "المعهد العربي الاوكراني باسم الفيلسوف ابن رشد" الذي نقل الثقافة و الفلسفة الاغريقية الى اوروبا و ان يبقى هذا الاسم موجودا و حاضرا في أوكرانيا فهذا بحد ذاته انجاز بالاضافة الى ان العديد من الطلاب الذين تخرجوا من هذا المعهد و الذي افتتح في الاول من أيلول/سبتمبر للعام 2003 أي حوالي قبل عشر سنوات ليكون جزئا من أكاديمية أعداد الكادر و مازل لهذه اللحظة كذلك.
وقد كان لي الشرف ان اكون أول مديرا لهذا المعهد و كان هنالك اقبال كبير من الطلبة للدراسة في هذا المعهد بالتخصصات المتنوعة و اشعر بالفخر و الاعتزاز بانني كنت من المساهمين و من المؤسسين لهذا الصرح العلمي و الثقافي و اشعر بالفخر عندما التقي بطلبتي بعد سنوات.
فقد اصبح رمزا له قيمة و شأن كبير خصوصا انه يتعامل مع جيل الشباب و الطلاب و المثقفين و الذين بعد فترة سيتخرجون و سيشغلون مناصب و وظائف متنوعة في المجتمع الاوكراني و ستكون اجابتهم عند السؤال عن دراستهم بانهم تخرجوا من المعهد العربي الاوكراني ... و انا اعتقد بان هذه بصمة حضارية تاريخية و أتأمل فعلا ان تكون بصمات عربية كثيرة في أوكرانيا الى جانب المعهد العربي.
و آمل ان يكون هنالك مركز ثقافي عربي في أوكرانيا جامع و شامل و اتمنى ان يكون هنالك مشفى يحمل احد أسماء المفكرين او الاطباء العرب و المسلمين.
أوكرانيا بالعربية: كيف تقيمون مستوى العلاقات العربية الاوكرانية ؟
زقوت: أعتقد أن مستوى العلاقة العربية الاوكرانية في أضطراد مستمر خصوصا بعد وصول الرئيس الحالي فيكتور يانوكوفيتش الى سدة الحكم، وكذلك وجود العديد من السفارات العربية و التي تلعب دورا في تطوير العلاقة الرسمية بين اوكرانيا و دولنا العربية بالاضافة الى زيارة العديد من الشخصيات الرسمية العربية لاوكرانيا و زيارة المسؤولين الاوكران للعالم العربي.
بالتأكيد أن تطور العلاقة الاقتصادية و التجارية و مساهمة الاستثمار العربي في الاقتصاد الاوكراني سيلعب دورا أساسيا في تطوير هذه العلاقة، و لذلك لابد من تنشيط قطاع السياحة فمن يزور الدول العربية من السواح الاوكران تتكون له فكرة عن الثقافة العربية و كذلك تماما قدوم الافواج السياحية العربية الى اوكرانيا بدوره يعزز العلاقة بين المجتمعات.
أوكرانيا بالعربية: كان البيت العربي دائما و مازال همزة وصل للعديد من البلدن و المؤسسات العربية و أوكرانيا و خصوصا وجود البيت العربي قبل افتتاح العديد من السفارات العربية في أوكرانيا فلاحظنا بان بعض الشخصيات الاوكرانية الرسمية و الشعبية تخاطبكم بصفة سفير العرب في أوكرانيا، فما هو تعليقكم على ذلك ؟
زقوت: أنا لا احب الالقاب كثيرا و ما أقوم به من رسالة لتطوير العلاقات العربية الاوكرانية هو جزء من قناعاتنا وكما اشرت الى أهمية فهمنا لهذه الامور و ما يهمني النتائج و ليست الالقاب و كل ما نطمح اليه هو تحقيق انجازات اكبر و سد الاخفاقات و الثغرات و تطوير العمل. فمرة أخرى اتقدم بالشكر و التقدير لكل من ساهم في هذه الانجازات.
وندعو الاخرين ليشاركو معنا بالعمل و الرأي في كافة المجالات .
أوكرانيا بالعربية: هل عملتم سابقا ام لديكم خطة للعمل على اقامة مهرجان الثقافة العربية في أوكرانيا ؟
زقوت: في الحقيقة طرحنا هذا الموضوع سابقا في اجتماع مجلس السفراء العرب حيث نأمل أن يكون هنالك يوم (مُوّحد) للثقافة العربية في أوكرانيا و هذا لا يلغي ان تكون ايام ثقافية أخرى لدول معينة بذاتها و هذا ممتاز و يجب أن نعززه و نراكمه وصولا الى يوم ثقافي عربي موحد في أوكرانيا لتشارك به كافة السفارات العربية و منظمات المجتمع المدني.
و أذكر انه منذ قرابة أربع سنوات أقامت زوجات السفراء العرب يوم ثقافي تم خلاله عرض لملابس تراثية عربية لاقت اقبالا و استحسانا جماهيريا، و آمل ان يتحقق هذا الحلم باقامة يوم ثقافي عربي شامل و اقامة مركز ثقافي عربي شامل و جامع نحقق به الكثير من القضايا التي تمت الاشارة اليها.
أوكرانيا بالعربية: ما هي الرسالة التي توجهونها عبر"أوكرانيا بالعربية" لاصحاب القرار في الدول العربية و الاسلامية ؟
زقوت: رسالتي هي أن يكون هنالك تفاعل و تكامل ما بين الدبلوماسية الشعبية و الدبلوماسية الرسمية العربية و الاسلامية و هذا لمصلحة شعوبنا و أمتنا العربية.
أوكرانيا بالعربية: سعادة البروفيسور نشكركم على فرصة هذا اللقاء القيم و اجاباتكم الصريحة.
زقوت: أشكركم على هذا اللقاء لاطلاع قراء صحيفتكم على وجهة نظر البيت العربي في العديد من القضايا التي اشرنا اليها و لقد لعبت صحيفتي "أوكرانيا بالعربية" و "أوكرانيا اليوم" دورا مهما منذ تأسيسهما في عكس الصورة الصحيحة و الايجابية عن حضارتنا و ثقافتنا العربية و الثقافة الاوكرانية و كنتم بحق جسر للتواصل بين العالمين، فلكم منا كل المحبة و التقدير على جهودكم المخلصة.
من هو صلاح زقوت؟
ولد البروفيسور صلاح زقوت عام 1954 في فلسطين، ثم غادر الى ليبيا ليحصل على شهادة الثانوية العامة هناك1973 ، ثم درجة البكالوريوس في الفلسفة و العلوم الاجتماعية من ليبيا 1978 و كذلك دبلوم علوم اجتماعية في ليبيا عام 1979 .
***
غادر ليبيا متوجها الى روسيا حيث حصل على شهادة الماجستير في علم الفلسفة هناك عام 1988، أكمل ابحاثه في روسيا ليحصل على درجة الدكتوراه في علم الفلسفة عام1991.
و في عام 1996 حصل على درجة دكتوراه علمية أخرى في الفلسفة من روسيا .
***
أنتقل بعدها الى أوكرانيا ليحصل على درجة البروفيسور في العلاقات الدولية عام 2004.
و في العام نفسه 2004 مُنح درجة دكتوراه فخرية من الاكاديمية الاقليمية لاعداد الكادر على جهوده و ابحاثه اذ كان من المؤسسين الرئيسيين للمعهد العرب الاوكراني الذي تأسس عام 2003 .
و في عام 2007 أعتمد بصفة أكاديمي في الاكاديمية الدولية الروحية لوحدة شعوب العالم .
***
عمل باحث اجتماعي في ليبيا منذ عام 1978 و حتى عام 1982 ؛
عمل كذلك استاذا للفلسفة في جامعة السابع من ابريل في ليبيا منذ عام 1993 و حتى عام 1995 ؛
عمل مديرا للمعهد العربي الاوكراني للعلاقات الدولية و كذلك بروفيسور في معهد العلاقات الدولية منذ العام 2003 و حتى عام 2006 ؛
عمل استاذا للفلسفة في جامعة الصداقة في روسيا منذ العام 1996 و حتى عام 1998 ؛
أصبح عضو في لجنة مناهضة الحرب في أوكرانيا منذ العام 2002 و حتى العام 2005.
***
أسس المنظمة الاجتماعية "البيت العربي" عام 1998 و ترأسها حتى الوقت الحاضر؛
أصبح عضوا في منتدى السلام الاوروبي منذ عام 2002 و حتى الوقت الحاضر؛
أصبح عضوا في اللجنة الدولية لحقوق الانسان في أوكرانيا ليصبح و مسؤولا عن قسم الوطن العربي (في هذه اللجنة) منذ عام 2003 و حتى الوقت الحاضر؛
أصبح عضوا في لجنة مناهضة الفاشية و العنصرية منذ العام 2005 و حتى الوقت الحاضر.
***
شارك في العديد من المؤتمرات الاقليمية و الدولية العلمية و السياسية؛
حصل على العديد من شهادات التقدير من عدة جامعات و مؤسسات اقليمية و دولية؛
***
له العديد من الابحاث و الدراسات .
له العديد من المقالات في الصحافة العربية و الاوكرانية.
له العديد من المقابلات الاذاعية و التلفزيونية في القنوات العربية و الاجنبية .
المصدر : أوكرانيا بالعربية