صبح: نقدر دعم قطر لسيادة ووحدة أراضي أوكرانيا
مقابلة سعادة السفير مكسيم صبح مع صحيفة الراية القطرية
كييف/ أوكرانيا بالعربية/ أشادَ سعادةُ السفير مكسيم صبح، المُمثل الخاص لأوكرانيا في الشرق الأوسط وإفريقيا، بدعمِ دولة قطر لسيادة ووحدة أراضي بلاده وإرسالها مساعداتٍ إنسانيةً تخفف وطأة الحرب الراهنة على الأراضي الأوكرانية. وثمَّن سعادتُه في حوارٍ خاصٍّ مع الراية موقفَ قطر الداعي لإنهاء الحرب، والداعم للحلول السلمية عبر الحوار والوساطة، لافتًا إلى أن تنسيق الجهود السياسية بين الدوحة وكييف والشركاء الدوليين، مستمرٌ بشكل نشط، وأن بلادَه مستعدةٌ للسلام مع روسيا شرط انسحاب جميع قواتها من كافة الأراضي الأوكرانية؛ أي الأرض مقابل السلام، وهو مبدأ معروف في المُبادرة العربية للسلام. كما أكَّد أنَّ قطر كانت ولا تزال من أهمِّ الشركاء التجاريين لأوكرانيا في منطقة الخليج، وأن بلادَه حريصةٌ على تطوير العلاقات مع كافة دول مجلس التعاون الخليجي إلى مُستوى الشراكة الاستراتيجيّة، لافتًا إلى فرصٍ مهمةٍ للتعاون والاستثمار في فترة إعادة الإعمار فيما بعد انتهاء الحرب، وغيرها من التفاصيل في سطور هذا الحوار.
شراكة استراتيجية
- سعادة السفير، نرحبُ بكم ونودُّ التعرفَ على أولوياتكم في منصبِكم الجديد وأهمية توقيته في ظلِّ الحرب الراهنة؟
شكرًا جزيلًا لكم، وإنه لمن دواعي سروري أن أجري هذه المقابلة مع صحيفة الراية الرائدة في دولة قطر، فقد عملت في سفارة أوكرانيا في الدوحة كدبلوماسي ولديَّ ذكريات جميلة جدًا في قطر. إن إعادة إنشاء منصب الممثل الخاص لأوكرانيا لشؤون الشرق الأوسط وإفريقيا من قِبل رئيس أوكرانيا، دليلٌ على الاهتمام الكبير الذي توليه القيادة السياسية الأوكرانية لتعميق العلاقات مع بلدان الشرق الأوسط وإفريقيا. ومما لا شكَّ فيه أن الشرق الأوسط كان دائمًا ولا يزال ذا أولوية بالنسبة إلى أوكرانيا، بما في ذلك منطقة الخليج، ولذلك سأركز شخصيًا وباهتمام وثيق على تحقيق المزيد من تطوير العلاقات بين أوكرانيا والدول الأعضاء في مجلس التعاون لدول الخليج العربية، ورفعها إلى مستوى الشراكة الاستراتيجيَّة.
موقف قطر
- أكَّدتْ دولة قطر دعمها سيادة ووحدة الأراضي الأوكرانية ورفضها عسكرة الحلول، ودعت إلى حل عبر الحوار، كيف ترون هذا الموقف؟
نقدّرُ عاليًا الدعمَ الحازمَ لدولة قطر الذي أدلت به لصالحِ سيادةِ ووحدةِ أراضي أوكرانيا. وتجلَّى ذلك بشكلٍ خاصٍ أثناء التصويت على القرارات ذات الصلة بالجمعية العامة للأمم المتحدة، وأيضًا خلال قمة جدة للأمن والتنمية يوليو الماضي، حيث أكَّد حضرةُ صاحب السُّموِّ الشَّيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير البلاد المُفدَّى، على التضامن مع الضحايا ودعم الجهود السياسية لإنهاء الحرب. وهذه الكلمات مهمة للغاية بالنسبة لنا، لأنَّ قطر، باعتبارها إحدى الدول المتنفذة ذات التأثير السياسي في المنطقة، لديها خبرة كبيرة في جهود الوساطة لحل النزاعات. ونحنُ مُمتنون للجانب القطري على اقتراح مدّ يد العون. كما يسعدني أن أشير إلى أنه منذ بداية العدوان المسلح الروسي على أوكرانيا، كانت هناك محادثات هاتفية بنَّاءة بين صاحب السُّموِّ وفخامة الرئيس الأوكراني. ومنها في اليوم الأول مباشرة بعد بدء العدوان الروسي في 24 فبراير الماضي. كما أجرى وزير الخارجية الأوكراني أربع محادثات هاتفية مع نظيره القطري. وألقى الرئيس الأوكراني كلمة قوية ومؤثرة أمام منتدى الدوحة مارس الماضي، وحظيت بردود أفعال دولية إيجابية. وأغتنم هذه الفرصة لكي أعرب عن خالص امتناني لدولة قطر والشعب القطري على تقديم مساعدات إنسانية لأوكرانيا وتحويل 5 ملايين دولار أمريكي لهذا الغرض. وستستخدم هذه الأموال، التي جاءت مؤخرًا من حكومة دولة قطر عن طريق صندوق قطر للتنمية إلى حساب وزارة الصحة الأوكرانية، لشراء 10 سيارات إسعاف و76 آلة تخدير لأقسام الجراحة في المستشفيات المدنية. وهذه اللفتة الكريمة موضع تقدير كبير في أوكرانيا، ونحن ممتنون لذلك، حيث إنَّ المعدات الطبية المُشتراة بأموال قطرية ستنقذ حياة العديد من المواطنين الأوكرانيين.
جهود سياسية
- هل لا يزال التعاون والتنسيق مُستمرًا بين الدوحة وكييف والشركاء الدوليين لوقف الحرب؟
تنسيق الجهود السياسية بين كييف والدوحة والشركاء الدوليين الآخرين مستمرٌ بشكل نشط. وفي مطلع يونيو الماضي، وخلال اجتماع عبر الإنترنت، دعا رئيس الديوان الرئاسي لأوكرانيا أندري يرماك ووزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا وزراء خارجية الدول الأعضاء في مجلس التعاون لدول الخليج العربية، إلى دعمِ أوكرانيا والمساهمة في حلِّ أزمتَي الطاقة والغذاء العالمية التي سببتها الحرب، كما اقترحا إنشاء مجلس استشاري خاص لمناقشة القضايا الملحة مثل إمدادات الحبوب وأمن الطاقة بما يحقق المصالح المشتركة. وأكَّدا رغبة أوكرانيا في أن تصبح أكثر انفتاحًا وتفهمًا للعالم العربي، ولذلك نحن مُستعدُّون لتسهيل فتح مكاتب المراسلين المقيمين للمحطات التلفزيونية العربية الحكومية في بلادنا. وسنوفر لهم مستوى مناسبًا من الأمان. كما تم توجيه الدعوة إلى منظمة الهلال الأحمر لإنشاء مكتب تمثيلي في أوكرانيا. ونستعدُّ لإنشاء الصندوق السيادي الوطني. وستصبح الصناعة الزراعية وبنوك الأراضي أهم أصوله. ونعرض لصناديق الاستثمار السيادية في بلدانكم للتعاون سواء في ذلك أو غيره من المجالات. وأوكرانيا مهتمةٌ بالتعاون الاقتصادي والمالي مع دول الخليج العربيَّة في المستقبل خلال فترة إعادة الإعمار فيما بعد الحرب، ويمكنها أن تعرض مجالًا واسعًا للاستثمار في مجالات الزراعة والطاقة والنقل والسياحة وتكنولوجيا المعلومات.
- نتطلع للتعاون مع الصناديق السيادية الخليجية للاستثمار في إعادة الأعمار
شريك مهم
- إلى أي مدى أثَّرت الحرب على تجارة أوكرانيا مع دول المنطقة وخاصة تجارة الحبوب؟
قطر كانت ولا تزال من أهمِّ الشركاء التجاريين لأوكرانيا في منطقة الخليج في الأعوام الأخيرة. وعلى الرغم من الاحتلال الروسي لأجزاء من محافظتَي لوهانسك ودونيتسك في أوكرانيا، إلا أن المؤشرات التجارية وصلت إلى أرقام قياسية. وفي عام 2021، بلغ حجم التبادل التجاري أكثر من 166 مليون دولار أمريكي. ولكن بعد بدء العدوان الروسي على أوكرانيا، تراجعت التجارة بين أوكرانيا وقطر وغيرها من دول الشرق الأوسط وإفريقيا بشكل ملحوظ. والسبب الرئيسي في ذلك هو محاصرة الموانئ البحرية الأوكرانية المطلة على البحر الأسود من قِبل المعتدي الروسي، كما أنَّ جزءًا من الشركات التي كانت تصدِّر منتجاتها إلى منطقة الخليج تقليديًا، متواجدة حاليًا في الأراضي المحتلة مؤقتًا، ولا يمكنها ممارسة الأنشطة الاقتصادية. ولا أشكُّ شخصيًا في استئناف العلاقات التجارية والاقتصادية بين أوكرانيا وقطر، وكذلك غيرها من دول المنطقة وارتقائها إلى مستويات قياسية جديدة بعد التغلب على العدوان الروسي. ولا يخفى أنَّ حرب روسيا ضد أوكرانيا تُشكلُ تهديدًا للأمن الغذائي العالمي الذي أصبح حادًا بشكل خاص في بعض دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وبلغَ إجمالي الأضرار والخسائر الناتجة عن الحرب في مجال الزراعة في أوكرانيا أكثر من ٢٧ مليار دولار حتى الآن.
- لا تنازلات.. ومستعدون للسلام مع روسيا وَفق مبدأ «الأرض مقابل السلام»
موقف مُتوازن
- كيف وجدتم موقف الدول العربية من الحرب على أرضكم؟
موقفُ الدول العربية في الغالبية العظمى متوازن وبراغماتي قائم على مبادئ احترام القانون الدولي، ولا سيما مبدأ حرمة الحدود وحق الشعوب في اختيار مسار سياستها الخارجية. وفي مارس الماضي، أيَّدت غالبية الدول العربية، بما في ذلك جميع دول الخليج الست، القرارات الأمميَّة المؤيدة لأوكرانيا.
الأرض مقابل السلام
- هل أنتم مُستعدُّون لحل دبلوماسي وتقديم تنازلات؟
ما دام الجانبُ الروسي مُستمرًا في عدوانه وتدمير المدن الأوكرانية وقتل المدنيين، بمن فيهم الأطفال، فإن التسوية الدبلوماسية البحتة للصراع بهدف إنهاء الحرب، التي شنتها موسكو، أمر يصعب تحقيقه. كما أنه من المستحيل بالنسبة إلينا تقديم أي تنازلات عن أراضينا مقابل وقف الأعمال العدائية، لأنَّ ذلك لن يحل المشكلة أبدًا، بل سيؤجل موعد شن الهجوم الجديد لروسيا على دولتنا. ويعرف الجميع في العالم العربي مبدأ «الأرض مقابل السلام»، وهو أساس مبادرة السلام العربية. ولذلك، ووفقًا للمبدأ ذاته، فإن أوكرانيا مستعدة للتوصل إلى السلام مع روسيا فقط بعد أن تسحب جميع قواتها من كافة الأراضي الأوكرانية المحتلة بشكل غير قانوني، دون استثناء.
- أكثر من 27 مليار دولار خسائر قطاع الزراعة الأوكراني حتى الآن
لا مبررَ للحرب
- ما ردُّك على من يرى أنه كان من الحكمة مراعاة مخاوف موسكو من اقتراب الناتو من حدودها وتهديد أمنها؟
أودُّ أن أشدد على أن الاحتلال الروسي للأراضي الأوكرانية عمل لا أساس له وغير مبرر بالعدوان المسلح ضد دولة أخرى ذات سيادة وعضو في الأمم المتحدة. ولم تعتزم دول حلف شمال الأطلسي مهاجمة روسيا. ولم تكن أوكرانيا تخطط لمهاجمة شبه جزيرة القرم أو دونباس، فلم تكن هناك أسباب منطقية لهذه الحرب.
- هل تخلَّى الغرب عن أوكرانيا بتركها تقاتل بسلاحه فيما تضحي بأبنائها وتدمير أراضيها؟
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كان مقتنعًا بأن أوروبا مع الولايات المتحدة لن تقف إلى جانبنا ولن تدعمنا وتتغاضى عن تدمير أوكرانيا. لكن لحسن الحظ بالنسبة إلى أوكرانيا، كان بوتين مخطئًا، وفاجأ الغرب الجميع بموقفه الثابت ودعمه لأوكرانيا. لذلك، فإن أوكرانيا فقط هي التي ستحدد متى وكيف ستنتهي الحرب. ونحن نمارس حقنا في الدفاع عن النفس بموجب ميثاق الأمم المتحدة ولن نتخلَّى عن أرضنا أبدًا.
- لو عادت أوكرانيا بالزمن إلى الوراء، فهل كانت ستتخذ نفس القرارات قبل بدء الحرب؟ لماذا؟
أشدَّد مرة أخرى على أن أوكرانيا لم تهدد أحدًا أبدًا. إن ضم روسيا شبهَ جزيرة القرم واحتلال أجزاء من دونباس في عام 2014 جعلنا ذلك ندرك بوضوح حقيقة أن الكرملين لا يمكن الوثوق به. لقد تحولت روسيا من دولة ضامنة لأمن أوكرانيا إلى دولة مُعتدية. لذلك، تكمن المشكلة الرئيسية في إهمال روسيا التاريخي لحق أوكرانيا وشعبها في التنمية المستقلة والوجود بشكل عام.
سلاح الغاز
- هل تستبعدون أن تتوقف موسكو عن إمداد أوروبا بالغاز مع اقتراب الشتاء ما يهدد بفقدانكم دعمًا كبيرًا من الغرب؟
روسيا تقوم بذلك لتجعل من الصعب قدر الإمكان على الأوروبيين الاستعداد لفصل الشتاء. وهذه حرب غاز مفتوحة تخوضها روسيا ضد أوروبا ولا تهتم بما سيحدث للناس، وكيف سيعانون، سواء من الجوع بسبب إغلاق الموانئ أو من برد الشتاء والفقر، أو من الاحتلال، وهذه مجرد أشكال مختلفة من الإرهاب. لذلك، من الضروري تشديد العقوبات وفعل كل شيء للحد من الإيرادات الروسية ليس فقط من الغاز والنفط، بل من أي صادرات متبقية أخرى.
- ما رسالتكم إلى الدول العربية والشرق الأوسط، وماذا تريد أوكرانيا من دول المنطقة؟
أؤكِّد لجميع دول الشرق الأوسط وإفريقيا النيَّات الصادقة لأوكرانيا لتطوير علاقات ودية وسلمية وخالصة قائمة على مبادئ منفعة متبادلة وشراكة متكافئة، انطلاقًا من الروابط التاريخية الراسخة وأواصر الصداقة التقليدية بين الشعب الأوكراني وشعوب العالم العربي وإفريقيا. نناشدهم مواصلة دعم أوكرانيا في كفاحها من أجل الاستقلال والسيادة والحفاظ على وحدة أراضيها. لقد فعلت أوكرانيا كثيرًا لكسب ثقة شركائها في الشرق الأوسط وإفريقيا، لكنها على استعداد لبذل المزيد بكثير لجعل علاقاتنا استراتيجية حقًا. وتدعو بلادنا قادة جميع الدول العربية والإفريقية للمشاركة في القمة السنوية الثانية لمنصة القرم الدولية، والتي ستنعقد عن طريق الإنترنت في 23 أغسطس الجاري. إنني أثق بقوَّة في أنَّ أوكرانيا ستنتصرُ في هذه الحرب وستفتخرُ بالصداقة والتأييد القوي للشعوب العربيَّة والإفريقيَّة.
نقلاً عن صحيفة الراية القطرية.
المصدر: أوكرانيا بالعربية