مؤتمر السلام والتذبذب الأمريكي... بقلم د. فوزي الأسمر
كييف/أوكرانيا بالعربية/عدما اتفق وزيرا الخارجية الروسي سيرغي لافروف والأمريكي جون كيري على عقد مؤتمر يناقش السلام السوري في موسكو بتاريخ 7 أيار/مايو الجاري، مع نهاية الشهر الحالي، كانت هناك عدة نقاط مهمة، في مقدمتها شطب امكانية تخلي الرئيس السوري بشّار الأسد عن منصبه كأحد الشروط الأساسية لعقد هذا المؤتمر.
ولكن عندما وصل الوزير الأمريكي إلى روما قادما من موسكو تغيرت الأمور، وتراجع كيري عن الموقف المشترك بالنسبة للرئيس الأسد. ولم يكن هذا غريبا، فقد تعودنا على المواقف الأمريكية المتذبذبة، فقد عاشها، ولا يزال يعيشها الشعب الفلسطيني، وبسببه كادت أن تضيع حقوقه، وبسببه تسرق إسرائيل حتى يومنا هذا أراضيه.
فالتراجع الأمريكي بالنسبة لسورية لم يأت من فراغ، فلو أرادت الولايات المتحدة وقف نهر الدم الجاري في تلك البلاد لفعلت ذلك، من دون أن تنتظر سنتين على استمرار القتال وارتكاب المجازر. ولكن هذا التحرك اليوم جاء نتيجة عدة حقائق في مقدمتها فشل الاستراتيجية الأمريكية ـ الإسرائيلية وبعض الدول الخليجية، هذه الاستراتيجية التي خصصت لضرب سورية، وابعادها عن مواقفها القومية ودعمها لمنظمات المقاومة ضدّ إسرائيل.
كما فشلت هذه الإستراتيجية في كسر العمود الفقري للجيش السوري، فقد بقي الجيش متحدا وخاض غمار حرب ضروس ضدّ معارضة معظم مقاتليها من المرتزقة الذين جاءوا من دول عربية وإسلامية، حتى من بعض الدول الأوروبية لخوض حرب حاولوا تحويلها لحرب طائفية ولكنهم فشلوا بذلك.
وقد لاحظت ذلك صحيفة ‘الغارديان’ البريطانية (11/5/2013 ) فنشرت افتتاحية تقول انه ‘ربما فقد الأسد السيطرة على كثير من مناطق البلاد، لكن جيشه حافظ على تماسكه ولديه قوة احتياطية مدمرة، وليس هناك ما يشير إلى أنه سيختفي من المشهد خلال عام. ولهذا السبب فإن المجتمع الدولي يواجه خيارين: الأول عسكرة كاملة والثاني نزع فتيل التصعيد’.
وشاركت صحيفة ‘واشنطن بوست’ (12/5/2013 ) ‘الغارديان’ الرأي عندما نشرت خبرا رئيسيا على صفحتها الأولى عنوانه ‘النظام السوري يحرز تقدما على الأرض’. وهذه هي المرة الأولى التي تنشر فيها صحيفة مثل ‘الواشنطن بوست’ خبرا كهذا على عرض صفحتها الأولى.
فالتراجع الأمريكي هذا جاء حجر عثرة في عقد المؤتمر، اضافة لما ذكرنا، بسبب الخلافات التي وقعت في صفوف ما يسمى بالمعارضة السورية. فقد نقلت وكالة الأنباء الروسية (11/5/2013) عن مسؤولين روس قولهم ان ‘المسألة معقدة جدا بحيث لن نستطيع في الواقع وضع جدول أعمال زمني محدد لعقد المؤتمر… ومن المستبعد أن يتم ذلك قبل نهاية شهر أيار/ مايو الجاري’.
وهذا التلاعب الأمريكي لا يعني أن إدارة الرئيس باراك أوباما تريد كسب بعض الوقت للقيام بتحرك عسكري ضدّ سورية. فقد أعلن أكثر من مسؤول أمريكي بمن فيهم الرئيس أوباما نفسه أن الولايات المتحدة غير معنية بفتح جبهة جديدة لجيوشها في أي مكان في العالم، خصوصا أن الرئيس أوباما وعد شعبه بأنه سيسحب القوات الأمريكية من أفغانستان في العام القادم.
هذا الموقف غير مقبول طبعا على إسرائيل وعلى بعض الدول الخليجية التي يري حكامها أنه يجب تغيير النظام، وبالتالي المواقف السياسية في سورية، وكذلك على بعض أعضاء الكونغرس من الحزب الجمهوري الذين يريدون أن يورطوا الرئيس أوباما بحرب جديدة، بغض النظر عن هوية النظام الذي سيحل مكان النظام السوري الحالي، حتى لو كان نظام منظمة إرهابية، مثل منظمة النصرة. كما أن تزويد ما يسمى بالمعارضة بالأسلحة برهن على عدم فعّاليته حسب الأنباء الواردة من ساحات القتال. وحاولت إسرائيل زعزعة الوضع لصالح هذه المعارضة فقامت بشن هجومها الغادر على مواقع سورية، ولكن الأمر أدى إلى تحول أساسي على الجبهة السورية، حيث أعلن الرئيس الأسد فتح مرتفعات الجولان أمام حركات المقاومة، وأعلن رسميا نية دمشق في تزويد المقاومة اللبنانية بأحدث أنواع الأسلحة مما أدى إلى تخبط داخل الحكومة الإسرائيلية.
وتحدت الإدارة الأمريكية كل الضغوط الإسرائيلية والخليجية والتركية، حيث أعلن نائب الرئيس الأمريكي جون بايدن أن إدارة الرئيس أوباما لن تنساق وراء سراب المعلومات التي تقدم إليها، حيث يقف أمامها مثال قوي لا يزال حيا في ضمير الشعب الأمريكي، وهو تورطها في حرب العراق، وتبين أن كل المعلومات التي تلقتها كانت ملفقة.
هذه الغارة الإسرائيلية هي التي سارعت في تنفيذ صفقة الصواريخ الروسية المتطورة جـــــدا من طـــراز إس 300، لسورية وحدت برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الى التوجه إلى روسيا في محاولة إسرائيلية لإقـــناع القيادة هناك بعدم تزويد سورية بهذه الأسلحة المتطورة. والغريب أننا لم نسمع عن توجه وفد عربي إلى واشنطن في محاولة لإقناع أمريكا بعدم تزويد إسرائيل بالأسلحة المتطورة، ولكننا نشاهد مثل هذا الوفد يطرق باب البيت الأبيض لتقديم صفقة تنازلات عن أراض فلسطينية للدولة الصهيونية.
إن التذبذب الأمريكي يشكل خطرا عليها، ويمنح بعض الدول الخليجية التي أعماها الحقد والكراهية والطائفية، دعما للاستمرار في بث الفساد والتفرقة والإرهاب في الدول العربية خدمة لأمريكا وإسرائيل.
د. فوزي الأسمر
كاتب وصحافي فلسطيني يقيم في واشنطن.
المصدر : أوكرانيا بالعربية