بقاء الاخوان فوق الارض ارحم من نزولهم تحتها... بقلم عبد الباري عطوان
كييف/أوكرانيا بالعربية/اقتحام قوات الامن المصرية لميدان رابعة العدوية، حيث يعتصم انصار الرئيس محمد مرسي منذ اكثر من شهر للمطالبة بالافراج عنه وعودته باعتباره الرئيس الشرعي للبلاد، بات متوقعا في اي لحظة بعد اعطاء مجلس الوزراء تفويضا مفتوحا للواء محمد ابراهيم وزير الداخلية بالقيام بهذه المهمة التي قد تؤدي الى سقوط عشرات القتلى، وربما آلاف الجرحى، واشعال فتيل حرب اهلية يتوقعها، او بالاحرى يتنبأ بها، الكثير من المراقبين ونحن من بينهم.
التجارب السابقة، وفي اكثر من بلد عربي، تفيد بان العمل السري تحت الارض، لا يحتاج الى آلاف المتطوعين، بل الى مجموعة من الخلايا الصغيرة الفاعلة والنشيطة من المتشددين الاسلاميين على وجه الخصوص، فهكذا بدأ تنظيم القاعدة في افغانستان والعراق، وكذلك دولة العراق الاسلامية في العراق، وجبهة النصرة واخواتها في سورية، وفرع تنظيم القاعدة في المغرب الاسلامي.
اي محاولة لفك اعتصام رابعة العدوية بالقوة ربما سيؤدي الى فتح الطرق امام المرور، وانهاء البث المباشر لبعض قنوات التلفزة المحسوبة على الاسلاميين، ولكنه سيؤدي حتما الى اغلاق كل قنوات الحوار للتوصل الى حل سياسي سلمي للازمة المتفاقمة في مصر حاليا، وسيضاعف من تفاقم حالة عدم الاستقرار الراهنة.
الجناح المتشدد سيجادل بان حجة المعتدلين التي تقول بالاحتجاج السلمي لم تعط اي نتائج ايجابية فقط، بل سقط بالكامل، وبشكل مدو، مع انهاء الاعتصام بقوة الدبابات والرصاص الحي، ولا بد من اللجوء للخيار الآخر، اي العنف، وهنا تكمن الكارثة.
كنا نتوقع ان يستمع الفريق السيسي الى هذا الرجل، وان يتسع صدره لرأي آخر يتناقض مع الآراء التحريضية المتعطشة لسفك دماء المصريين، ومعظم اصحاب هذه الآراء من بقايا رموز النظام الديكتاتوري السابق، ولكنه فعل العكس تماما، والاخطر من ذلك اعطاؤه الضوء الاخضر لبعض انصاره بشن هجمات اعلامية شرسة ضد الدكتور البرادعي، الذي تحول فجأة، الى عدو شرس، يتقدم في عدائه على الاسلاميين انفسهم، لانه ببساطة كان يعتبر من اهل البيت.
الانقلاب على الدكتور البرادعي، هو حلقة صغيرة في انقلاب اكبر على الثورة المصرية لمصلحة عودة النظام السابق تحت حجج وذرائع مختلفة، فالمطلوب هو رأس هذه الثورة، والعملية الديمقراطية التي افرزتها، وبما يؤدي في نهاية المطاف الى اعادة الشعب المصري مجددا الى بيت الطاعة، ومصر الى زعامة ما يسمى بمحور الاعتدال العربي، اي الحفاظ على أمن اسرائيل وتكريس الهيمنة الامريكية على المنطقة.
اقتحام ميدان رابعة العدوية لو تم، هو الشرارة الاولى والاهم، للانقلاب الاسلامي على الانقلاب العسكري، ونقطة البداية لدخول مصر في دوامة عنف ستهز استقرارها، وتعمق انقسامها، وتفاقم من حالة الاستقطاب الحالية فيها والمأمول ان يستوعب الفريق السيسي وزملاؤه هذه الحقائق ويتراجعوا عن مخططاتهم لهذا الاقتحام.
عبد الباري عطوان
رئيس تحرير القدس العربي سابقا
محلل سياسي وكاتب عربي