أوكرانيا بالعربية | الإستراتيجية الأمريكية تجاه العالم العربي... بقلم د. عادل عامر
كييف/أوكرانيا بالعربية/تسعى الولايات المتحدة في قيادتها للعالم أن تقيم "النظام العالمي" بناء على رؤيتها ووفقاً لمعاييرها وقيمها الخاصة. فنجد الإدارة الأمريكية تتحدث عن الديمقراطية التعددية وحقوق الإنسان ومكافحة الإرهاب بينما تساند نظم غير ديمقراطية ولا تحترم هذه الحقوق.
وتتمثل محددات الاستراتيجية الأمريكية تجاه العالم العربي في ثلاثة محددات أساسية هي (النفط، إسرائيل، مكافحة الإرهاب)، وتوضح تحركات الولايات المتحدة في المنطقة خلال فترة التسعينات مدى أهمية هذه المحددات بالنسبة لها خاصة بعد زوال الخصم السوفيتي الذي كان يضفي علي المنطقة العربية أهمية استراتيجية خاصة في الصراع بين الشرق والغرب، ولكن بعد انتهاء فترة الحرب الباردة وزوال هذا الخصم أصبحت أهمية المنطقة في الاستراتيجية الأمريكية إنما تقوم على هذه المحددات.
وقد أثرت قيادة الولايات المتحدة الأمريكية للأوضاع العالمية – متبعة في ذلك إستراتيجية تسعى لتحقيق مصالحها الذاتية على مستوى العالم ومصلحة إسرائيل في الشرق الأوسط – بشكل أو بآخر على مواقف الدول العربية بل إنه أدى إلى تحول في بعض مواقف هذه الدول. ومن هذه التحولات ما يلي:
أ. ففي فترة الحرب الباردة كان الصراع بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي كان يوفر للنظام العربي هامشاً لحرية الحركة استفادت منه أحيانا الحركة القومية العربية ذلك لما كانت تلقاه من تأييد من الاتحاد السوفيتي وذلك في احد أبعاده، ليس لكونه متحمساً لمشروع الوحدة العربية وإنما لكون الحركة في التحليل الأخير هي موجهه ناحية الغرب – أما الآن فإن حسم المعركة السياسية ولو مؤقتاً لصالح الولايات المتحدة لم يترك مثل هذا الهامش متاحاً.
ب. أدرك صانع القرار بعد عقد مؤتمر مدريد 1991 أنه لم يعد هناك من يساند الحقوق العربية في مواجهة الضغط الأمريكي لصالح إسرائيل، حيث أصبحت التسوية قضية عربية عامة، وبدأت السياسات العربية تقبل فكرة وجود الكيان الإسرائيلي في المنطقة وتختلف فيما بينها على مسارات التسوية التي يجب إتباعها مع هذا العدو، ومن ذلك الخلاف بين سوريا – الأردن، سوريا – فلسطين، الأردن – فلسطين. ذلك بالإضافة إلى تقسيم الدول العربية إلى دول الطوق وهى "مصر، الأردن، سوريا، لبنان" والدول الغير معنية بالنزاع. وهذا التقسيم خطير لأنه ينهى الموقف العربي الموحد تجاه القضية الفلسطينية. وقد أتضح ذلك في مواقف الدول العربية غير المعنية بالنزاع والتي سارعت إلى خطوات التطبيع مع إسرائيل وتأثير ذلك على مواقف الدول العربية التي مازالت تتفاوض مع إسرائيل والتي رأت أن في ذلك إضرارا لا مبرر له بالحقوق العربية المتضمنة في المفاوضات
ج. إن عملية التسوية التي انطلقت مع مؤتمر مدريد 1991، والتي أولتها الولايات المتحدة أولوية على أجندتها تجاه الشرق الأوسط، إنما تفسر رغبة الولايات المتحدة في السيطرة على منابع النفط في الخليج وحماية امن إسرائيل، وفي ذلك قامت الولايات المتحدة بحشد جبهة من الدول الغربية واليابان لتقديم المعونات والمساعدات الاقتصادية للأراضي المحتلة وللدول التي تحقق تقدماً في مسار التسوية مع إسرائيل، ويعد ذلك احد الأسباب التي دفعت الدول العربية للتحول نحو تحسين علاقاتها بإسرائيل، وذلك كرغبة في جنى ثمار هذا التطبيع أو التقارب مع السياسة الأمريكية وهو ما يعنى تقدم البعد الاقتصادي في أولويات أجندة السياسة الخارجية للدول العربية على البعد العروبي والقومي. وفي ذلك نجد قيام الأردن بعقد اتفاقية كاملة مع إسرائيل على حساب المسارات الأخرى، أيضا يأتي في إطار ذلك تحول الموقف المصري من دوره كأحد الأطراف المدافعة عن الحقوق العربية تماماً إلى دوره كوسيط بين طرفي النزاع وهو ما يتضمن إيجاد حلول وسط بين الطرفين.
د. إن الطريقة التي تعاملت بها الولايات المتحدة مع العراق منذ أزمة الخليج الثانية وحتى الآن من انتهاك لسيادته وإسقاط النظام العراقي الحاكم، إنما توضح النهج التي سوف تتعامل به الولايات المتحدة مع أي نظام يسعى لمواجهتها والخروج عن الشرعية الدولية بالتعارض مع المصالح الأمريكية.
وقد أدرك صانع القرار العربي هذا الوضع الجديد وهو ما دفع دولة مثل ليبيا إلى تغيير موقفها بالاستجابة الكاملة للمطالب الأمريكية في أزمة لوكيربى ومكافحة الإرهاب ومنع الانتشار النووي. واتجهت معظم، إن لم يكن كل، الدول العربية إلى التهدئة مع الجانب الأمريكي(40).
وبالتالي فان أبرز ما تحمله التغيرات الراهنة في النظام الدولي هو التدهور الواضح في مكانة العرب في هذا النظام، وتضييق هامش المناورة أمامهم في الساحة الدولية. وخاصة وان العلاقات العربية مع الغرب اتسمت تاريخياً بغلبة عوامل الصراع والتنافر. وتجسد ذلك في تدعيم الغرب للمشروع التوسعي الصهيوني على الأراضي العربية. بالإضافة إلى الهجوم الأمريكي الغربي على العرب بصدد بعض القضايا، أبرزها الآتي:
-القضاء على ما يعتبره الغرب نشاطاً إرهابيا بتعقب مصادره في الوطن العربي وتصفية
مرتكزاته وهياكله السياسية والتنظيمية وتجفيف موارده المالية. وقد يتطلب هذا الهدف معاودة توجيه ضربات عسكرية لدول عربية معينة مثل ليبيا والعراق وربما سوريا واليمن.
-تصفية أسس ومرتكزات صعود التيار الإسلامي الراديكالي في العالم العربي عموماً، وربما تكون هذه المهمة هي احد المهام الكبرى لتنظيمات إقليمية جديدة.
-فرض تحول جذري في التوجهات الاقتصادية والإستراتيجية لعدة دول عربية نحو تقليص دور الدولة إلى الحد الأدنى.
وفي الحقيقة تمارس الدول الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة ضغوطاً لأقلمة النظم العربية لتوجهاتها ومصالحها. ويترتب على ذلك أن تبقى هذه القضايا والمطالب المتبادلة بين النظم العربية وهذه المراكز مصدراً لتحركات وتوترات عنيفة في المجتمعات السياسية العربية ومن مؤشرات ذلك طرح مفهوم الشرق أوسطية كبديل للوطن العربي وكأساس لنظام إقليمي جديد.
القضية الفلسطينية في السياسات الخارجية للدول العربية:
شهدت التسعينات الكثير من التطورات الخاصة بمسار العلاقات الإسرائيلية
العربية حيث دخلت المنطقة في مسار مختلف للعلاقات عن الفترة السابقة لها. فبعد أن تميزت العلاقات بقدر كبير من الصراع طوال الفترة السابقة على التسعينات سواء بالوصول إلى ذروة هذه التوترات والمتمثلة في الحروب العربية الإسرائيلية منذ الأربعينات وصولاً إلى منتصف السبعينات فقد تراوحت هذه التوترات بدرجات مختلفة طوال الفترة الممتدة للتسعينات سواء من قبل المقاومة العربية في فلسطين ولبنان أو التوترات الإعلامية والدبلوماسية.
وعلى هذا مثلت التسعينات فترة لمسار مختلف للعلاقات العربية الإسرائيلية وبعد أن كانت معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية سبب لقطع علاقات الدول العربية مع مصر دخلت المنطقة إلى عملية تسوية سلمية للصراع العربي الإسرائيلي على كافة المسارات إلى جانب الحديث عن التعاون الاقتصادي في المنطقة.
ولعل هذا الوضع الذي شهدته التسعينات انعكس بالضرورة على طبيعة السياسات الخارجية للدول العربية باختلاف مستواياتها بما يطرح العديد من التساؤلات حول الأسباب والدوافع التي أدت للدخول إلى عملية التسوية في الشرق الأوسط باعتبارها تمثل البيئة التي تشكلت في إطارها السياسات الخارجية للدول العربية، وما هي عوامل التغير والاستمرار في تلك البيئة والتي أدت لاختلاف المواقف العربية وسياساتها الخارجية تجاه إسرائيل.
لقد شهـدت التسعينات في بدايتها العديد من التغيرات والتطورات الدولية والإقليميـة
والعربية التي دفعت إلى الدخول في عملية التسوية السلمية. ولعل أولى هذه الظروف ما ارتبط ببداية التسعينات من انهيار الاتحاد السوفيتي وبالتالي انتهاء الحرب الباردة وما صاحبها من تأثيرات على النظام الدولي، إلى جانب حرب الخليج الثانية وتأثيرها على المنطقة حيث لم يعد الخطر مصدره غير عربي، فضلا عن الانقسامات العربية وازدياد دور الأطراف غير العربية مثل إسرائيل وتركيا وإيران.
لقد مر النظام الدولي منذ اندلاع الصراع العربي الإسرائيلي وحتى الآن بمراحل تطور متعددة ودخل عليه متغيرات كثيرة طوال تلك الفترة، ومع ذلك بقى هذا الصراع متأججا، ولكن الشيء اللافت للنظر هو أن الوضع العربي في معادلة الصراع كان ينتقل دائماً من سيء إلى أسوأ، وكانت قدرة الدول العربية على استثمار التحولات التي تطرأ على النظام الدولي محدودة. ويرجع ذلك إلى اختلاف الدوافع والمصالح والأهداف اختلافاً بيناً بين الدول العربية، بالرغم من أن الدول العربية – جميعاً – تعلن دائماً أن صراعها مع إسرائيل هو صراع مصير، إلا أن سلوكها الفعلي لا يعكس هذا النوع من الخطاب السياسي حيث يتباين موقفها حسب قربها أو بعدها عن بؤرة الصراع ووفقاً لاعتبارات أيديولوجية وسياسية أخرى. فالصراع العربي الإسرائيلي هو بالنسبة لدول المواجهة صراع وجود ومصير، أما بالنسبة لغير دول الجوار، فهو مجرد قضية دعم وتضامن مع الأشقاء. وفي مقابل هذا التباين والاختلاف في الموقف العربي تشكل إسرائيل طرفاً واحداً ومتجانساً. ولهذا الوضع انعكاساته الخطيرة والمتباينة على علاقة طرفي الصراع بالعالم الخارجي، حيث توظف إسرائيل سياساتها الخارجية على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها لخدمة دعم عملية بناء القوة الذاتية الإسرائيلية. أما الدول العربية، وعلى الرغم من وجود – أحياناً– علاقات خاصة بين بعض الدول العربية والولايات المتحدة، لا توظف مثل هذه العلاقات في حالة وجودها دائماً وبالضرورة لصالح دعم الموقف العربي في هذا الصراع.
والواقع أن الخلافات والصراعات العربية – العربية التي وصلت إلى حد الاقتتال تعتبر المسئول الرئيسي عن تدهور الموقف العربي في معادلة الصراع العربي الإسرائيلي، حيث حالت هذه الخلافات دون تعبئة الطاقات العربية وحشدها في مواجهة الخطر الإسرائيلي. وما تزال الخلافات العربية – العربية وعجز العالم العربي عن الاتفاق على استراتيجية لإدارة الصراع مع إسرائيل أهم المعطيات التي تفسر العجز العربي في تعامله مع التحولات التي تجرى في العالم.
وخلال الفترة 1980 – 1985 كانت صورة الصراع العربي - الإسرائيلي في سياق العلاقة بين القوتين العظمتين تبدو على النحو الآتي:
-تراجع اهتمام الولايات المتحدة بالبحث عن حل شامل للصراع والاكتفاء بالدور الذي يضمن عدم انهيار معاهدة السلام المصرية – الإسرائيلية.
-التركيز على منطقة الخليج باعتبارها منطقة تتصل اتصالاً مباشراً بالأمن القومي للولايات المتحدة بصفة خاصة والغرب بصفة عامة.
-ممارسة أكبر قدر ممكن من الضغط على النظم الراديكالية في العالم العربي وفي مقدمتها سوريا وليبيا واليمن الجنوبي، كجزء من الحرب الباردة ضد الاتحاد السوفيتي، وذلك لأن الاتحاد السوفيتي كان يعتمد على هذه الدول وبصفة خاصة سوريا.
وبانتهاء الحرب الباردة تأثر الصراع العربي الإسرائيلي وعملية تسويته حيث فرض هذا التغير قيود على القدرة العربية في الوصول إلى تسوية تلبى الحد الأدنى من الحقوق الشرعية.
د. عادل عامر
دكتور في الحقوق وخبير في القانون العام
رئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية
عضو المعهد العربي الأوروبي للدراسات الإستراتجية
والسياسية بجامعة الدول العربية المصدر:اوكرانيا بالعربية