أوكرانيا بالعربية | الدعم المشكلة والحل... بقلم د. عادل عامر
كييف/أوكرانيا بالعربية/إن الدعم هو نوع من الإعانات التي تمنحها الدولة للمستهلكين من بعض الفئات المحدودة الدخل لزيادة قدرتهم الداخلية علي مواجهة زيادة أعباء المعيشة سواء في صورة مباشرة أو غير مباشرة هذا الدعم يزيد من سنة إلي أخري لمواجهة الزيادة السكانية من ناحية وزيادة الأسعار من ناحية أخري مما يزيد العبء علي الموازنة العامة، والهدف الرئيسي من الدعم هو ضمان إعادة توزيع جزء من الدخل القومي لصالح الفئات المحدودة الدخل أو الفقيرة ضمانا لتحقيق أقصي قدر من العدالة الاجتماعية لرفع مستوي معيشتهم وقدرتهم علي مواجهة الغلاء، ولكن المشكلة الأساسية التي تواجه الحكومة هي كيفية توصيل الدعم إلي مستحقيه ضمانا لترشيد الدعم وهو ما يرتبط من زاوية أخري بكيفية تمويل الحكومة للدعم ومدي فاعلية السياسة التمويلية المتبعة في تمويل الدعم، ومن أمثلة هذا الدعم ما تقوم به الحكومة بإعفاء بعض الصناعات التي تنتج سلعا ترتبط بالاحتياجات الأساسية لمحدودي الدخل بهدف توفيرها لهم بأسعار مناسبة ويستفيد منها المستحقون وغير المستحقون، وقد يستفيد بأكبر قدر منها تلك المشروعات نفسها، لذا كان لزاما علي الحكومة إعادة النظر في منظومة الدعم وخاصة دعم الطاقة للمصانع الكثيفة الاستهلاك.تعتبر قضية الدعم من أهم القضايا الاقتصادية التي تؤخذ في عين الاعتبار عند مناقشة الموازنة العامة لمعظم الدول وذلك لمعرفة الساسة بأهمية الدعم لدي عامة الشعب. فالدعم من القضايا ذات الحساسية العالية لدي الشعب المصري بالإضافة إلى أنها تمثل عبء على ميزانية الدولة وجزء كبير من مشكلة عجز الموازنة المصرية في السنوات الماضية وحتى الآن.
بدأت مصر بدعم الغذاء في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وأخذ الدعم يتطور بإدخاله على الطاقة إلى جانب التوسع في عدد المنتجات الغذائية المدعمة، إلى أن تم تبني برنامج الإصلاح الهيكلي في 1991 والذي نص على ضرورة تخفيض الدعم بسبب تأثيره السلبي المباشر على ميزانية الدولة، حيث وصل إجمالي عجز الموازنة في العام المالي الماضي 2011/2012 إلى 10% من الناتج المحلى الإجمالي بقيمة قدرها 134.4 مليار جنيه، كما أنه يمتص ما يقرب من 30% من إجمالي المصروفات في الدولة. ولذلك فقد أصبح من الضروري تحليل مشكلة الدعم وما تسببه هذه المشكلة من نتائج سلبية مع إيجاد حلول جذرية لها بشكل لا يضر بـمصلحة الفئة المستهدفة منه على الأخص.
إن تراجع قيمة الدعم الحكومي في الموازنة العامة للدولة خلال الربع الثالث بلغ 31.8 مليار جنيه مقابل 36 مليار جنيه خلال الربع ذاته من العام الماضي بنسبة تراجع 11.7%.وأوضحت في تقرير لها حول المؤشرات الأولية لخطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية خلال الربع الثالث من 2012-2013 – أن دعم السلع التموينية سجل خلال الفترة من يناير إلى مارس 2013 نحو 10 مليارات جنيه ودعم السلع البترولية نحو 19.6 مليار جنيه كما بلغ دعم تنشيط الصادرات نحو 0.8 مليار جنيه و دعم الإسكان لمحدودي وقروض ميسرة 0.2 مليار جينة فضلا عن 1.3 مليار جنيه دعم موارد أخرى. وأشار التقرير الصادر عن وزارة التخطيط أن قيمة العجز في الموازنة العامة للدولة خلال الربع الثالث بلغت نحو 84 مليار جنيه بينما بلغت نحو 176 مليار جنيه خلال التسعة شهور الأولى من العام المالي 2012-2013. إن قضية عدم وصول الدعم لمستحقيه مثارة منذ حكومات ما قبل ثورة 25 يناير، ولكن حتى الآن لم يتم حل المشاكل التي ترتبط بشكل مباشر باستحواذ الأغنياء على حصة كبيرة من إجمالي قيمة المبالغ المخصصة للدعم في الموازنة العامة المصرية سواء قبل أو بعد الثورات التي شهدتها مصر.
وفي التعريف الاقتصادي ينصرف الدعم إلي المبالغ المدفوعة فعلا, أما الفرق بين السلعة تنتج محليا وبين قيمتها بالأسعار العالمية( كما هو الحاصل في البترول مثلا), فلا يعد دعما, وإنما هو فروق أسعار أو فرص ضائعة, , فإنه لا يجوز اعتبار هذه الفروق دعما, إلا إذا احتسبت جميع الأسعار بهذه الطريقة, بما فيها الأجور والرواتب.تقليديا فإن الدعم المالي كانت تقدمه الدولة لتوفير المواد الغذائية الأساسية للناس, مثل الخبز والسكر والزيت, بالإضافة إلي دعم القروض الميسرة للإسكان الشعبي ودعم المزارعين وألبان الأطفال والأدوية وغير ذلك, وحتى سنة ألفين فإن قيمة هذا الدعم كانت في حدود خمسة مليارات جنيه سنويا, وابتداء من سنة2005 وصلت قيمة الدعم في الموازنة إلي أكثر من عشرة أضعاف ذلك الرقم( نحو54 مليار جنيه), وقدر في موازنة العالم المالي الجديد(2008/2007) بمبلغ64.46 مليار جنيه, وهو مبلغ يعادل ربع المصروفات في الموازنة(241.500 مليار جنيه), وهذا المبلغ مرشح للزيادة علي نحو سيصل به إلي35% أو أكثر من المصروفات, الأمر الذي يحول الدعم إلي مشكلة تنوء بحملها ميزانية الدولة.أن السياسات الخاطئة للحكومات جعلت محدودي الدخل والفقراء لا يستفيدون بإجمالي المبالغ المخصصة لدعمهم، لان الموضوع يحتاج في الأساس إلى تشريعات وقرارات حاسمة وصارمة لمعاقبة من يحاول المساس بالدعم أو أن يشارك مستحقيه في الاستفادة منه، ولم يسبق أن شاهدنا الأغنياء قاموا في مبادرة منهم بالتنازل عن السلع المدعومة، ولكنهم يتفننون في كيفية مشاركة الفقراء في هذا الدعم.يجب أن يقوم الجميع بترشيد الاستهلاك سواء فيما يتعلق بالسلع المدعمة أو غير المدعمة، "رغم المشاكل والأزمات الاقتصادية التي نواجهها لكن حتى الآن يوجد من يستخدم الخبز المدعم الذي يكلف الدولة ملايين الجنيهات، كعلف للمواشي وهناك من يبحثون عنه في صناديق القمامة"، لان هؤلاء الأشخاص لن يتخلوا عن تصرفاتهم بمجرد مطالبة ولكن بتشريه وقرار حاسم وصارم لن يقتربوا بعد ذلك من الخبز المدعم.
إن بعض التجارب الناجحة التي يمكن لمصر الاستفادة منها، مثل بنجلاديش التي استطاعت أن تقلل الهدر والتسرب في الدعم لديها إلى 8% فقط، وهى نسبة تقل كثيرا عما هو سائد في دول آسيا الجنوبية ، وذلك بفضل نظام محكم للرقابة والتقييم بالإضافة لتمكين النساء في المجتمعات المحلية هناك، بحيث يحاسبن المسئولين عن برامج الدعم ، وقالت أن توزيع الدعم بناء على احتياجات المحفظات المختلفة يساعد في تقليل الفاقد، بحيث تحظى المحافظات الأكثر فقرا بنصيب أكبر من السلع المدعمة، على عكس ما هو سائد من سيطرة العاصمة والمناطق الحضرية على نسبة كبيرة من الدعم ،ويتطلب النطاق الواسع الذي يغطيه نظام الدعم المصري واستمراره لمدة زمنية طويلة أن يتم إصلاحه بشكل تدريجي، على مراحل، لأن أي إلغاء أو تخفيض أو تعديل جذري في الدعم عادة ما يرتبط بحالة من عدم الرضا العام، والاحتجاجات، وهو ما يفسر تردد الحكومات عادة في القيام بأي إصلاحات في هذا الخصوص،ويتطلب تطوير النظام قرارات على عدة مستويات.إن نظام تطوير الدعم على نقطتين أساسيتين، تقليل الفاقد وتضييق المساحة التي يغطيها النظام، فهناك شواهد تشير إلى أن طول العملية التي يصل من خلالها الخبز البلدي المدعم إلى المواطن يساهم في تسرب الدعم، كما أن الحوافز أمام الوكلاء لتسريب السلع المدعمة ستستمر طالما استمرت هناك فروق بين سعر السوق والسعر المدعم ،وقد كلف تسرب دعم المواد الغذائية موازنة الدولة نحو 5.51 مليار جنيه في 2011/2012، وساهم تسرب الخبز المدعوم بثلثي هذا الفاقد، وتركز الإهدار في موارد الدعم بدرجة اكبر في المناطق الحضرية بنسبة وصلت إلى 43%، لهذا فإنه بالإضافة لما تم من فصل بين إنتاج الخبز وتوزيعه،ومحاولة إقامة مناقصات للدقيق في بعض المحافظات، فإن الحكومة خططت لشراء الخبز مباشرة من المخابز بسعر السوق،ثم بيعه مدعما من خلال منافذ تابعة لها، وهذه العملية ستقلل من حوافز تسريب الدقيق المدعم إلى السوق السوداء للاستفادة من فروق الأسعار،حيث يصل سعر طن الدقيق المدعم إلى 160 جنيها مقابل 1300 للطن في السوق،كما سيضمن هذا التعديل زيادة حجم الرغيف بالاستفادة من الوفورات التي يحققها الإنتاج على نطاق كبير. خصصت الحكومة نحو 35 مليار جنيه لدعم الخبز والسلع التموينية خلال العام المالي الحالي مقابل 26.6 مليار جنيه بموازنة العام المالي الماضي 2012/2013. ويتضمن دعم السلع التموينية نحو 21.3 مليار جنيه، لدعم رغيف الخبز سواء من القمح المستورد أو القمح المحلى أو الذرة الشامية، كما تتضمن اعتمادات السلع التموينية نحو 11.5 مليار جنيه لدعم السلع التموينية الأساسية، التي تباع على البطاقة من السكر والزيت والأرز.
د. عادل عامر
دكتور في الحقوق وخبير في القانون العام
رئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية
عضو المعهد العربي الأوروبي للدراسات الإستراتجية
والسياسية بجامعة الدول العربية
المصدر: أوكرانيا بالعربية