أوكرانيا بالعربية | الاحتجاجات الشعبية والجيش والقرار الدولي... بقلم د. عادل عامر

من تجربة الإصلاح السياسي في العالم الأوربي نجد هناك تلازما وتفاعلا بين عالم السياسة وعالم الاقتصاد والأنساق الثقافية في التركيبة السياسية التي شاخت مع عملية تغير حتى لرجالات السلطة وهذا أمر مهم جدا لأنه لكي يقتنع المجتمع بجدوى الإصلاح يجب استبعاد الأناس المسئولين عن آثار

كييف/اوكرانيا بالعربية/من تجربة الإصلاح السياسي في العالم الأوربي نجد هناك تلازما وتفاعلا بين عالم السياسة وعالم الاقتصاد والأنساق الثقافية في التركيبة السياسية التي شاخت مع عملية تغير حتى لرجالات السلطة وهذا أمر مهم جدا لأنه لكي يقتنع المجتمع بجدوى الإصلاح يجب استبعاد الأناس المسئولين عن آثار التردي والفساد وهو ظاهرة مستشرية في العالم العربي ومحاسبتهم قانونيا ، وحلول أناس وخبرات جديدة حديثة ويتولون عملية رسم آفاق جديدة لإصلاح ما فسد أو ما أفسده غيرهم وهكذا تستمر الحياة

 عملية الإصلاح السياسي والاقتصادي في العالم العربي هي عملية ضرورية جداً وذلك ليس مجرد رغبة بل هي ضرورة لان أنماط والأشكال السياسية الحالية السائدة في العالم العربي لم تعد تناسب المرحلة المعاصرة وهي بالتالي قد انتفت الحاجة لها ولان السبب الذي كان يضمن للنخب الحاكمة الاستمرار في الحكم وفي السلطة بهذا الشكل مثل إن تحتكر السلطة الحكم لثلاثة عقود أو عقدين لم يعد مقبول في مرحلة العولمة وبعد انهيار المنظومة الاشتراكية والحكومات الشمولية وانتهاء الحرب الباردة ولان العالم بشكل اجمع يمر بمرحلة انتقالية جديدة من الحياة إذا إن التغيير السياسي والاقتصادي هو كالسيل الجارف سيجرف معه كل إشكال السلطات والتشكيلات التي لا تلائم نفسها مع معلم الحياة الجديدة. تكامل العوامل الثلاثة في مصر وتونس لإنجاز الثورة

 (أي: الاحتجاجات الشعبية والجيش والقرار الدولي)، و فشل الاحتجاجات الشعبية في كل من ليبيا واليمن وسوريا من تحقيق أهدافها كون المؤسسة العسكرية ممسوكة بيد الرئيس وأبنائه وعائلته وحالت دون تحقيق التغيير المطلوب، فكان التدخل العسكري مباشرة لإسقاط النظام الليبي الذي قاتل حتى أخر جندي في حين تمت الاستجابة في اليمن للضغوط الداخلية والخارجية، وجرت التسوية بخروج الرئيس وإجراء الانتخابات الرئاسية البديلة.

 أما في سوريا، وبسبب غياب القرار الدولي وانقسامه، فقد فشلت الولايات المتحدة في توفير الغطاء الدولي للتدخل العسكري، وانقسم المجتمع الدولي بين معسكرين: الولايات المتحدة وأوروبا ومعهم تركيا والخليج لدعم المعارضة المسلحة؛ وروسيا والصين وإيران والعراق في دعم النظام عسكرياً ومالياً، وتوفير مظلة حماية له،ولذلك لم يتوفر غطاء دولي للتدخل الأجنبي في سوريا، كما سبق وحصل في العراق وليبيا. أما على المستوى الزراعي, فمعظم الدول العربية تقريباً تستورد القمح, رغم وجود الأنهار الكثيرة على الساحة الجغرافية العربية, بل لنقل إن هناك أزمة مياه في بعض الدول العربية, فزراعاتنا الغذائية لم تحقق بعد القدرة على التصدير, ونحن لم نزل نستخدم حتى هذا التاريخ الكثير من  الوسائل الزراعية البدائية في ري محاصيلنا, كما أننا بعيدون في الواقع عن  استخدام التكنولوجيا فيها إلا في بعض المواقع التي تعد حقول تجارب أو مراكز بحوث علمية, وهذه البحوث في كل اتجاهاتها لا يسخر لها الوطن العربي  أكثر من 1% من ميزانياتها العامة . أما على المستوى الاجتماعي, فوطننا العربي لم يزل محكوماً بمرجعياته التقليدية من عشيرة وقبيلة وطائفة ومذهب, وهي مرجعيات تتحكم بدورها في آليات العمل السياسي والثقافي, فعلى المستوى الاجتماعي, لم تزل هذه المرجعيات تشق المجتمع عمودياً وأفقي, وتعمل على عرقلة نموه وتطوره. أما على المستوى السياسي, فلم تزل هذه المرجعيات تتحكم في بنية الدولة, ومؤسساتها من الأدنى إلى الأعلى, وبالتالي هذا ما يؤثر سلباً على مسألة الحراك السياسي وبناء الدولة المدنية الحديثة, الأمر الذي يجعل مقولات مثل: (لنا (بالسربة) بالسريّة خيال), و(إللي ما بيه خير لأهله , ما بيه خير للغريب), تفعل فعلها في هذه الدولة, على حساب المواطنة ودولة  القانون. أما على المستوى الثقافي, فالسائد حتى هذا التاريخ هو الافتخار  بالماضي بعجره وبجره, والتمسك بأهداب التراث وكل ما هو سطحي فيه وامتثالي وغيبي مطلق ينفي إرادة الإنسان وحريته, هذا إضافة إلى محاربة كل ما هو عقلاني وجميل فيه, وتصنيف منتجيه في خانة الكفرة والزنادقة, والافتخار بماضي سياسيي لم نكن فيه يوماً أصحاب قرار, حيث تحول حكامنا في قسم كبير من هذا الماضي إلى ببغاوات في قفص, سيطر عليهم وعلينا فيه البويهيون  والسلاجقة والأغز والأتراك والعثمانيون والصفيون والمماليك والتتر والمغول, ثم جاءت سيطرة الغرب وأمريكا والصهاينة, وها نحن نجد اليوم أن من يقود ويتحكم في حياتنا الاقتصادية والثقافية ويرسم لنا مستقبلنا  السياسي حكام دول الحليج الذين لا يعرف بعضهم فك الحرف, فهل هناك أدنى تخلف من هذا التخلف ؟!.. هذا هو الواقع الذي تحركت فيه ثورات الربيع العربي التي رحبت بها قوى الاستعمار الغربي والأمريكي, وحكام دول الخليج الحلفاء الإستراتيجيين للرأسمال الاحتكاري العالمي كما أشرنا في موقع سابق. إن هذا الواقع بكل معطيات تخلفه التي جئنا عليها, لم يستطع أن ينتج حتى هذا التاريخ سوى صيغتين من صيغ أنظمة الحكم السياسية الشمولية, هما الأنظمة المملوكية, والأنظمة الشعبويّة. هذا إضافة إلى كونه لم يستطع أيضاً أن ينتج حوامل اجتماعية واعية لذاتها, تربطها مصالح مشتركة, وتعمل لنفسها ولغيرها من قوى المجتمع. أي حوامل قد تجاوزت مرجعياتها التقليدية إلى مرجعيات المجتمع المدني, مجتمع دولة القانون. لذلك لا نستغرب أن من حرك الثورات في تونس ومصر على سبيل المثال هم الشباب لا الطبقة الواعية لذاتها... الشباب الذين حركتهم العاطفة الثورية أكثر من المنطق العقلاني الثوري الذي يستطيع عبر حملته الاجتماعيين تحديد ماذا يريد, مثلما يستطيع المساهمة في رسم ملامح المستقبل للوطن والمجتمع معاً, بغض النظر هنا عما حققه هؤلاء الشباب من إنجازات هامه, كان أبرزها إسقاط نظامين سياسيين عملا طويلاً خارج نطاق المشروع النهضوي العربي, وبخاصة نظام حسني مبارك الذي أخّر حركة التحرر العربي عشرات السنين إلى الوراء من خلال السياسة العدائية التي نهجها ضد المقاومة. أما في سورية, فإن غياب الحامل الاجتماعي المنظم والواعي لطبيعة المرحلة التاريخية التي تعيشها سورية وللظروف الإقليمية والدولية المحيطة بها, وبالتالي لطبيعة التحولات المراد إنجازها, ولرسم ملامح المستقبل, جعل ما سمي بالمعارضة السورية تتكئ على حوامل اجتماعية تفتقد إلى أي شكل من أشكال الانسجام مع نفسها, ففي الوقت الذي نرى فيه قسماً من المعارضة تحركها مرجعيات أيديولوجية دينية أصولية ظلامية ترفض الآخر بكل أشكاله, نرى حوامل أخرى خارجة عن القانون تحركها مرجعيات غريزية وشهوات انتقام  وإثبات للذات على حساب المجتمع وقضاياه النبيلة, وكلا هذين الحاملين  الاجتماعيين فقدا المنطق العقلاني في تحركاتهما الثورية, فكان السلاح هو  الوسيلة الوحيدة التي شعرا أن من خلاله يستطيعان تحقيق أحلامهما, فكان رد  فعل الدولة عليهما بالسلاح نفسه حفاظاً على المجتمع والدولة معاً, أما القسم الثالث من المعارضة (بعض اليساريين والقومين والليبراليين) فقد حركته شهوة السلطة, فاستغل الحاملين الاجتماعيين السابقين من أجل تحقيق أهدافه, بل أن قسماً من هذا الحامل لم يكتف بذلك, وإنما اتجه نحو الخارج  ليجد في أمريكا والغرب ودول الخليج سنداً لطموحاته, ناسياً آو متناسياً ما جره تصرف أمثالهم على العراق, وما سيجرونه على ليبيا من ويلات ودمار. عموماً نقول: غبي من ينكر أن ما حققته هذه الثورات من إنجازات هو  أمر هام ومفرح في تاريخنا المعاصر, ولكن من الغباء الاعتقاد أن هذه الثورات قد امتلكت شروط تحققها الموضوعية والذاتية المنسجمة مع ذاتها  وطموحاتها, أو أهدافها الاجتماعية .

د. عادل عامر

دكتور في الحقوق وخبير في القانون العام

 رئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية

 عضو المعهد العربي الأوروبي للدراسات الإستراتجية

 والسياسية بجامعة الدول العربية


المصدر: أوكرانيا بالعربية

مشاركة هذا المنشور:
الأخبار الرئيسية
اقتصاد وأعمال
النمسا تقدم دعماً مالياً جديداً لأوكرانيا
سياسة
الرئيس الأوكراني ينتقد قرار السلطات البولندية
رياضة
تصنيف: الأوكراني أوسيك أفضل ملاكم في العالم
أخبار أخرى في هذا الباب
آراء ومقالات
عن النصر والخوف والمعارضة...بقلم رئيس حركة "الأخوية القتالية الأوكرانية" بافلو جيربيفسكي
آراء ومقالات
الفساد العظيم الذي ضيّع أوكرانيا!..حسين الراوي
آراء ومقالات
الإجرام الروسي والطفولة الأوكرانية..حسين الراوي
تابعونا عبر فيسبوك
تابعونا عبر تويتر
© Ukraine in Arabic, 2018. All Rights Reserved.