عودة إلى: إسرائيل والهجرة المعاكسة ... بقلم د. فوزي الأسمر
كييف/أوكرانيا بالعربية/منذ أن نُشر إستطلاع الرأي العام الإسرائيلي، في ملحق صحيفة "هآرتس" يوم 14كانون الاول/ديسمبر للعام 2012، وتبين من خلاله أن 40 بالمائة من الإسرائيليين على إستعداد للهجرة منها، منذ ذلك التاريخ، والصحف الإسرائيلية تنشر المقالات التي تناقش نفس الموضوع.
ولم يأت عنوان الإستطلاع بشكل عفوي "لدي وطن بديل"، بل إنه جاء كرد على أحد قادة الفكر الصهيوني الكاتب والمفكر والسياسي، يوسف حاييم برنر، والذي ولد في أوكرانيا (1881 ــ 1921)، فقد كتب برنر مقالا عنوانه "لا يوجد وطن بديل". وكان يعني بذلك أن فلسطين هي وطن اليهود، ولا وطن بديل لها. ومن أقواله الصهيونية المشهورة أن: "المسيح المنتظر لن يأتي إلا هناك". وبعد مرور 92 على وفاة برنر، تبين ان 40 بالمائة من سكان إسرائيل على استعداد للهجرة منها ولديهم وطن بديل.
فقد نشرتُ على سابقا، مقالا يعالج موضوع الإستطلاع المذكور، حمل العنوان التالي: "مستقبل إسرائيل من خلال إعلامها" ، فندت فيه مواقف إسرائيل من هذه القضية، وكيف أن دعايتها تحاول دائما التستر على "الهجرة اليهودية المعاكسة" خوفا من إنتشار هذه الفكرة. ولكن الإستطلاع الشامل الذي تبنته صحيفة "هآرتس" كشف النقاب عن هذه الحقيقية.
ومن جملة المقالات التي نشرت مقال عنوانه: "لدي وطن بديل" (هآرتس 5 كانون الثاني/يناير 2013). يقول كاتب المقال، وهو إسرائيلي هاجر منها مع عائلته قبل خمس سنوات، أن مقالة برنر برهنت العكس، حيث يوجد في الواقع أمام اليهود الكثير من الأوطان البديلة. والدليل القاطع على ذلك أن ثلثي اليهود يعيشون في أوطانهم الأصلية وليس في إسرائيل، بما فيهم 850 الف يهودي هاجروا من إسرائيل خلال السنوات العشر الأخيرة.
والحقيقة أن مقولة "لا يوجد وطن بديل" برهنت فشلها في الماضي وفي الحاضر. فرغم كل الجهود والإغراءات الصهيونية في إقناع الجاليات اليهودية الهجرة إلى إسرائيل، إلا أن نسبة قليلة فعلت ذلك. الهجرات الصهيونية الكبيرة جاءت عن طريق إرهاب صهيوني، أو هروبا من دكتاتوريات. فأكبر نسبة هجرة يهودية إلى إسرائيل جاءت من الدول العربية خصوصا من العراق وشمال أفريقيا ومصر (كانت نسبتهم قبل الهجرة السوفياتية 70 بالمائة من سكان إسرائيل اليهود). وروايات تفجير مقاهي يهودية في بغداد، وحرق متاجر يهودية في مصر، على أيدي عملاء صهاينة، حسب الوثائق المدونة، كانت العامل الأساسي في هجرة اليهود إلى خارج وطنهم الأصلي. وثاني أكبر هجرات كانت من دول الإتحاد السوفياتي بعد أن تمزق هذا الإتحاد. إلا أن الكثيرين منهم حصلوا على جنسياتهم الأصلية وعادوا إلى أوطانهم.
ورغم ما فعلته النازية مع يهود أوروبا إلا أن هجرة اليهود من أوروبا لم تتوجه كلها إلى فلسطين، توجه جزء كبير منها إلى الولايات المتحدة وكندا وغيرها من الدول. وقد عاد جزء كبير منهم إلى أوطانهم الأصلية.
وحسب إستطلاع أجرته مجلة "ذي ماركر" وهي مجلة إقتصادية تصدر في إسرائيل ونشر في عددها يوم 8 كانون الثاني/يناير 2013، تبين أن الهجرة اليهودية من إسرائيل تشمل في هذه الأيام أصحاب المهن والطلاب الذين يدرسون المواضيع العلمية.
كما تبين من هذا الإستطلاع أن 20 بالمائة من الطلاب الذين يحملون شهادة جامعية أولى وشهادة ماجستير، يتركون البلاد ويفتشون عن أماكن دراسة وعمل في الدول الصناعية حيث يتخصصون بها ويبقون خارج إسرائيل. وأشار الإستطلاع إلى أن المكان المفضل لمعظم هؤلاء الطلاب هي الولايات المتحدة. وتقول المجلة أن البحث الذي أجري من خلال إستطلاع الرأي العام قد شمل 34,047 عائلة إسرائيلية تعيش خارج إسرائيل.
ولم يقتصر النفور اليهودي على الإسرائيليين فقط، بل بدأت تظهر علامات نفور لدى الكثيرين من أبناء الجاليات اليهودية. ففي مقال مطول، نشرته صحيفة "يدعوت أحرونوت" (10 كانون الاول/ديسمبر 2012) يقول كاتبه أن نفور اليهود الأمريكيين من إسرائيل بدأ يظهر جليا لدى نسبة كبيرة من أبناء هذه الجالية، بما فيهم أعضاء كونغرس وصحفيين ومثقفين يهود.
ويعيد الكاتب السبب في هذا النفور، إلى الغشاوة الموجودة على ما تقوم به إسرائيل، ورفضها إشراكهم بحقيقة وضعها، كما كانت تفعل في السابق. ويقول الكاتب أن الطلاب اليهود في الجامعات الأمريكية، والذين تثقفوا على الديمقراطية، وجدوا أنفسهم في صراع بين ما يحملونه من عقيدة الديمقراطية، وبين الدفاع عن، وتبرير ما تقوم به إسرائيل، خصوصا وأن الهجس الأمني لم يعد يلعب دورا فعلا لديهم، ولا لدي زملائهم الطلاب.
إضافة إلى كل ذلك، تحاول حكومة إسرائيل، خصوصا منذ أن وصل اليمين الإسرائيلي إلى الحكم في عام 1977، أن تدفع الجاليات اليهود بأن يكون ولاءها الأول لإسرائيل وليس لوطنهم الأصلي، الشيء الذي أدى إلى صراع نفسي لدى الجاليات اليهودية، وخاصة الشباب منهم، والذين إعتبروا أن مثل هذا العمل قد يخلق صراعا بينهم وبين حكومات بلادهم هم الشيء الذي حاولوا الإبتعاد عنه.
إن قضية الوطن البديل لن تنتهي، وستكون لها مضاعفات كثيرة، مثلها مثل بقية الأمور المتعلقة لغاية اليوم في إسرائيل، على غرار "من هو اليهودي" و"دولة يهودية ديمقراطية" ومعاملة اللايهودي في الدولة اليهودية، وهوأحد العوامل الأساسية في عدم وجود دستور للبلاد، وغيرها من العوامل الأخرى.
د. فوزي الأسمر
كاتب وصحافي فلسطيني يقيم في واشنطن.