قد يكون خير دليل على ان الكلاسيكية العربية متمثلة في شكل القصيدة ومحتواها لم ينته عهدها هو عمل مثل عمل الشاعر السوري ذوالكفل سعيد في مجموعته الشعرية "وفاء لغازي القصيبي".
واذا كانت القصيدة العربية التقليدية منذ الجاهلية قد حافظت على بعض اركان عمود الشعر خاصة وحدة الوزن والقافية فقد تميزت مجموعة ذو الكفل سعيد لا بالحفاظ على هاتين الوحدتين فحسب بل بالحفاظ ايضا على ما اسماه النقاد العرب القدامى "شرف المعنى".
كييف/أوكرانيا بالعربية/قد يكون خير دليل على ان الكلاسيكية العربية متمثلة في شكل القصيدة ومحتواها لم ينته عهدها هو عمل مثل عمل الشاعر السوري ذوالكفل سعيد في مجموعته الشعرية "وفاء لغازي القصيبي".
واذا كانت القصيدة العربية التقليدية منذ الجاهلية قد حافظت على بعض اركان عمود الشعر خاصة وحدة الوزن والقافية فقد تميزت مجموعة ذو الكفل سعيد لا بالحفاظ على هاتين الوحدتين فحسب بل بالحفاظ ايضا على ما اسماه النقاد العرب القدامى "شرف المعنى".
مما قصد بمصطلح شرف المعنى وصف الممدوح او المرثي بالصفات الحميدة العامة كاملة وبشكل مطلق. فهو ليس كريما ولا شجاعا ولا وفيا فحسب بل هو الكرم وهو الشجاعة والوفاء. انه البحر والغيث وكل الصفات المثلى الكاملة.
وهنا يتحول الموصوف الى نموذج مضخم كامل ويفقد صفاته الانسانية الحقيقية الخاصة والمميزة له كانسان ذي نفسية بشرية ملونة متعددة الخيوط. هنا تضيع الملامح والقسمات الخاصة للشخصية الانسانية لتتحول الى نموذج مصطنع غير طبيعي. وهذا التضخيم والخروج من الصفات الفردية المميزة الى المبالغة بل الاغراق فيها ليس في صالح الشاعر نفسه.
أما موضوعات القصيدة التقليدية فقد حافظ ذو الكفل سعيد على اثنين منها هما المدح والرثاء وقد قيل انهما واحد وان الرثاء هو مدح الميت. وكل ما جاء في المجموعة يراوح بين الاول اي المدح وهو القسم الغالب وبين الرثاء وهو الاقل عددا بين القصائد.
احتوت المجموعة على 14 قصيدة في 91 صفحة متوسطة القطع وبلوحة غلاف للفنان سلمان المالك من دولة قطر. وقد صدر الكتاب عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت وعمان.
ولنبدأ من النهاية اي وفاة الدبلوماسي والسياسي السعودي الشاعر والكاتب سنة 2010 . عنوان القصدة الاخيرة هو "رحل الحبيب" وفيها يقول ذو الكفل سعيد:
"رحل الحبيب مفارقا ومضرجا في حب احمد والعظيم الخالد
رحل الحبيب فلوحي يا أعيني لوداعه.. فلقد تحطم ساعدي
وتلفتت عيني لتسكب نورها لكنها انطفأت جميع فراقدي
فتشت عن نجم يضيء دروبه واذا النجوم وراء هذا العابد...
يا شاعر الكون الفسيح كقلبه يحنو على الدنيا حنو الوالد
يا راحلا كقصيدة مكتوبة للخالق المولى بحرف ساجد
غرقت جميع عواصمي برحيلكم لم يبق غير تشردي وقصائدي...
فاليوم قد رقدت خصالك كلها يا امتي بعيون هذا الراقد..."
سبقت القصيدة قصيدة اخرى عنوانها "انهض" نظمت عندما كان الفقيد في حالة مرض. وفيها يقول الشاعر في نبض يذكر ببعض ما قرأناه لدى المتنبي كقوله "ثم انتفضت فزال الموت والكفن" مثلا وعند غيره ايضا..
"انهض من المرض الطاغي كزوبعة بخافقيها يموت السقم والوهن
انهض وهل كنت يوما غير معجزة تكسرت عندها الاسوار والمحن
يا غازي الكون حبا لا حدود له أليس يخجل منك الهم والشجن
يا من رمى رمحه في عين عاصفة فأبحرت حيثما شاءت هي السفن...
اعيش وحيك اعصارا وصومعة فالريح والقلق المجنون لي سكن
ما زلت من مدن امضي الى مدن يا ليت تسرقني من وحيك المدن
نظرت حولك في الدنيا اقلبها لله هل لك في ميزانها ثمن
يا "غازيا" رمضان اليوم في قلق كأنما العيد في مراك مرتهن..."
القصائد الاخرى مدحية بالمعنى التقليدي تماما. في قصيدة "سلمت يا غازيا" يقول الشاعر بعد مرض ألم بالممدوح..
"يا شاعرا هده من شوقه التعب والحب والوطن الغلاب.. والادب
يا شاعرا اخذته الريح من زمن يذروه من خافقيها الجد واللعب
يا ايها الكرم الفياض من خلق لجوهر النور والايمان ينتسب
وليهنأ الحب والاحباب كلهم انت الشراع لهم والموج يصطخب
اما احتضنت معاني امة وهنت فاليوم انت لها العنوان والنسب
ليت الخصال التي تعنيك تزرعها في الناس كي ترجع الامجاد والعرب"
وعند مرض القصيبي ايضا كتب الشاعر قصائد منها "لا ترتحل" حيث قال..
"لا ترتحل أو لست الشمس في افقي فقف قليلا لكي لا يغرق الافق
هي السماء لها رب يدللها فانهض الى الارض حيث الحب والعبق
وانما انت للدنيا روائعها وحيث كنت يشع الحب والالق."
وقبل المرض نقرأ "يا غازي الدنيا" وفيها يقول..
"يا سيد العشق الذي في بحره سبحت ملايين النساء طويلا
يا من تأنقت النساء بشعره ورسمنه فوق الهوى قنديلا
كم حاصرته العاشقات بليله وبهن اصبح قاتلا وقتيلا
رشفت حروفك كل شمس في الهوى وتهافتت فوق الحروف ذهولا..."
وعلى طريقة المنبر الذي يكاد يسعى الى الخطيب نجد في قصيدة "رمضان" ما يذكرنا برمضان الشاعر البحتري وممدوحه. نقرأ..
"جاء الكريم الى الكريم فأشرقت شمس اللقاء وأزهر البستان
رمضان جاء اليك بالبركات يحمله مع الفجر الوليد اذان..."
في قصائد المجموعة امتلاء بالماضي حتى ليكاد القارىء -لولا اشارات الى عالمنا المعاصر- يحسب نفسه خلال قراءتها انه يعيش في زمن غابر.