من تحت القصف إلى تطوير الردع: أوكرانيا تكشف عن صاروخ باليستي محلي يُغيّر قواعد اللعبة

بعد اجتيازه اختبارات ناجحة وتسجيل إصابة دقيقة لهدف روسي على بُعد 300 كلم، يدخل الصاروخ الباليستي الأوكراني مرحلة الإنتاج، مثيرًا تساؤلات حول مدى قدرته على قلب معادلة الردع العسكري في الحرب

كييف/أوكرانيا بالعربية/ في خطوة تُجسّد النضج المتسارع لصناعة الدفاع الأوكرانية رغم ظروف الحرب والتحديات اللوجستية، أحرز برنامج تطوير الصواريخ الباليستية المحلي إنجازًا نوعيًا لافتًا تمثّل في تنفيذ تجربة ناجحة لصاروخ أوكراني جديد قادر على ضرب أهداف استراتيجية على بُعد 300 كيلومتر بدقة عالية، مُحدثًا نقلة نوعية في ميزان الردع العسكري ضد روسيا.

هذا التطور جاء بعد أقل من عامين من انطلاق البرنامج الوطني لتطوير الصواريخ التكتيكية في مايو 2022، في وقت تواجه فيه أوكرانيا حربًا شاملة وعمليات قصف ممنهجة استهدفت بنيتها التحتية العسكرية والصناعية. وقد أكد الخبير العسكري فالنتين بادراك، مدير مركز أبحاث الجيش والتحويل ونزع السلاح، أن الصاروخ اجتاز الاختبارات القتالية بفعالية، وتمكن من تدمير مركز قيادة روسي خلال إحدى الضربات، ما يدلّ على جاهزيته للدخول في الإنتاج التسلسلي.

أبعاد تكنولوجية واستراتيجية:

يتميّز الصاروخ الجديد برأس حربي يزيد وزنه عن 400 كغ، ما يُمنحه قدرة تدميرية عالية، خاصة عند استهداف المنشآت المحصّنة ومراكز القيادة اللوجستية. ويُعد ذلك إنجازًا لافتًا مقارنةً بنظرائه مثل صاروخ ATACMS الأمريكي الذي زوّدته به الولايات المتحدة، والذي يبلغ وزن رأسه الحربي 160 كغ فقط. كذلك، تتيح خصائص التصميم إمكانية تعديل المدى وزيادة دقة الإصابة عن طريق تطوير الإلكترونيات وبرمجيات التوجيه، وهي النقطة التي شكّلت سابقًا أحد أبرز التحديات أمام الصناعات الدفاعية المحلية.

في هذا السياق، يشير الخبير إيفان كيريتشيفسكي من وكالة "ديفينس إكسبريس" إلى أن ما تحقق يعكس تقدمًا حقيقيًا في مجال الإلكترونيات العسكرية، خاصة في ظل محدودية الوصول إلى تقنيات دقيقة مشابهة لتلك التي تعتمدها أنظمة متقدمة مثل الصاروخ الفرنسي "أكيرون" أو "سبايك" الإسرائيلي. ويُضيف أن النجاح في توجيه الصاروخ بدقة نحو هدفه، رغم ضعف الموارد وضربات العدو المستمرة، يُعد بمثابة "معجزة تكنولوجية" تعبّر عن الإرادة الوطنية.

القدرة على الردع والعمل خلف الخطوط:

يمتد البُعد الجيوسياسي لهذا التطور إلى إمكانية تعزيز قدرة أوكرانيا على الردع غير المتكافئ. فبفضل مدى 300 كم، يُمكن للصاروخ إصابة أهداف استراتيجية داخل العمق الروسي، تشمل قواعد لوجستية، مراكز قيادة، ومنشآت إنتاج الطائرات المسيّرة من نوع "شاهد"، ما من شأنه تقليص القدرة الهجومية الروسية. ويؤكد الخبراء أنه مع تحسين الوقود وزيادة الكفاءة البالستية، يُمكن بلوغ مدى 500 كم، وهو تطور مرتقب في مراحل قادمة.

كما أن استخدام منصات إطلاق متنقلة من مناطق خلفية على بُعد 40-50 كم من خطوط الجبهة، مع دعم من طائرات استطلاع مسيّرة، يُمكّن من تنفيذ ضربات دقيقة دون تعريض البنية الدفاعية الأوكرانية للخطر المباشر.

ورغم النجاح التقني، ما تزال التحديات اللوجستية قائمة. فإنتاج صواريخ عالية الدقة يتطلب دورة زمنية لا تقل عن 12 شهرًا، وسط ضغوط مالية وهجمات مستمرة على منشآت التصنيع. غير أن مثال صاروخ "نبتون" طويل المدى، الذي أُنتج رغم القصف الروسي المكثّف، يُثبت إمكانية تجاوز هذه العقبات.

ويحافظ البرنامج الصاروخي على مستوى عالٍ من السرية، خصوصًا أن الردع الفعّال يقوم جزئيًا على عنصر المفاجأة. ولهذا، لم تُعلن أوكرانيا عن اسم رسمي للصاروخ حتى الآن، رغم أن النسخة التسويقية منه عُرفت سابقًا بـ"غريم-2/سابسان". ويرى محللون أن الحفاظ على هذه السرية يمنع العدو من تطوير استراتيجيات مضادة، كما هو الحال مع برامج صاروخية أخرى سرّية في تايوان وإسرائيل.

 

تكشف التحليلات أن أنظمة الدفاع الجوي الروسية من طراز ،S-300 و S-400 تعجز  عن التصدي الفعّال للصواريخ الباليستية الثقيلة وعالية السرعة، لا سيما عند إطلاقها بشكل متزامن. وتُشير تقديرات إلى أن فرصة إسقاط هذه الصواريخ لا تتجاوز 30%، ما يُعزز من فاعلية استخدامها التكتيكي، ويُحبط محاولات العدو لاحتوائها بمنظوماته الدفاعية التقليدية.

يمثّل هذا الصاروخ الباليستي الجديد تتويجًا لجهود وطنية حثيثة في تطوير استقلالية صناعية دفاعية، وسط تصاعد الحاجة إلى الردع الاستراتيجي والدقة العملياتية في ظل حرب استنزاف طويلة الأمد. كما يعكس هذا الإنجاز التقدم التكنولوجي المتسارع لصناعات الدفاع الأوكرانية، ويؤسس لمرحلة جديدة من توازن القوى الإقليمي، في وقت تستمر فيه كييف في مطالبة شركائها الدوليين بمزيد من الدعم اللوجستي والتقني لتعزيز دفاعها الجوي وقدراتها البالستية.

 

المصدر: أوكرانيا بالعربية

مشاركة هذا المنشور:
أخبار مشابهة
سياسة
الخارجية الأمريكية: كييف تستحق الحماية... وسنواصل الدعم بلا شروط
في ظل استمرار الهجمات الروسية، شددت الولايات المتحدة على ضرورة تزويد أوكرانيا بأنظمة دفاع جوي متقدمة، مؤكدة أن حماية الأجواء الأوكرانية تمثل أولوية استراتيجية
سياسة
سماء أوكرانيا تُضيء بصدّ العدوان: الدفاعات الجوية تسقط مئات الأهداف الروسية
الدفاعات الأوكرانية تُسقط 284 سلاحًا جويًا روسيًا في هجوم مكثف استهدف العاصمة كييف ومناطق أخرى
سياسة
رئيس الاستخبارات الحربية الأوكرانية: روسيا تعتزم إنتاج طائرات مُسيّرة في كوريا الشمالية
بودانوف: روسيا ساعدت كوريا الشمالية في تطوير صواريخها البالستية
سياسة
أوكرانيا تستأنف هجماتها على مجمع الوقود والطاقة الروسي
هجوم بطائرات مسيّرة يشعل النيران في منشأة صناعية روسية بنيجني نوفغورود
الأخبار الرئيسية
سياسة
فيكتور أوربان في المجر المناهض لأوكرانيا يجري استفتاء و يفشل تماماً
فيكتور أوربان المعادي لأوكرانيا في المجر: يفشل فشلاً ذريعاً قي استفتاء عبر التصويت
سياسة
روسيا تجند مرتزقة من آسيا الوسطى لٍزجهم على الحرب في أوكرانيا
استخبارات الدفاع الأوكرانية تكشف: روسيا تجند عمالاً مهاجرين للقتال في أوكرانيا بوعود زائفة
سياسة
زيلينسكي يحدد ثلاث مواضيع رئيسية يرغب بمناقشتها مع ترامب في حال التقائهما
زيلينسكي يكشف عن المحاور الثلاثة التي يسعى لمناقشتها مع الرئيس دونالد ترامب في حال عقد لقاء بينهما على هامش قمة الناتو
أخبار أخرى في هذا الباب
سياسة
فيكتور أوربان في المجر المناهض لأوكرانيا يجري استفتاء و يفشل تماماً
فيكتور أوربان المعادي لأوكرانيا في المجر: يفشل فشلاً ذريعاً قي استفتاء عبر التصويت
سياسة
روسيا تجند مرتزقة من آسيا الوسطى لٍزجهم على الحرب في أوكرانيا
استخبارات الدفاع الأوكرانية تكشف: روسيا تجند عمالاً مهاجرين للقتال في أوكرانيا بوعود زائفة
سياسة
زيلينسكي يحدد ثلاث مواضيع رئيسية يرغب بمناقشتها مع ترامب في حال التقائهما
زيلينسكي يكشف عن المحاور الثلاثة التي يسعى لمناقشتها مع الرئيس دونالد ترامب في حال عقد لقاء بينهما على هامش قمة الناتو
تابعونا عبر فيسبوك
تابعونا عبر تويتر
© Ukraine in Arabic, 2018. All Rights Reserved.