الانتخابات الاوكرانية : المواطن ،الاحزاب ،سياسة الدول العالمية...!!! بقلم د.خالد ممدوح العزي
كييف/أوكرانيا بالعربية/ من جديد الانتخابات النيابية في اوكرانيا التي اجريت بتاريخ 28 تشرين الاول اكتوبر 2012 ،اعادت الانقسام العامودي الى مكانه الطبيعي بين الشرائح الاجتماعية للشعب الاوكراني بغض النظر عن مهو الفائز بالأكثرية ،صراع الشعب الاوكراني بين الغرب الاوكراني والشرق الاوكراني.
صراع انتقام وثأر بين قوى ومكونات اجتماعية وسياسية اوكرانية تختلف بالتوجهات السياسية والبرامج الاقتصادية والفكرية والدينة التي تم تكن هي الواجهة فالمذهبية في هذا البلد الشيوعي والعلماني هو توجه وخيار سياسي ،معركة قوية طاحنة ، سادها الانتقام الشخصي ،والتعصب السياسي والحزبي طوال الفترة السابقة ،فالانتخابات الحالية التي خاضها الشعب الاوكراني لا تختلف ابدا عن الانتخابات الرئاسية عام 2004 ابان الثورة البرتقالية بحدتها وقوتها كما هو الحال .الشرق الاكراني من جديد ينتقم من الغرب الاوكراني ،في الثورة البرتقالية دخلت القوى والدول الى جانب الغرب للسيطرة على الشرق والجنوب الاوكراني المدعوم من روسيا الاتحادية والتي تعتبر بان اوكرانيا هي طرف روسيا وبالتالي كانت الحرب على حدود روسيا والتعدي على حديقتها الخلفية ،لكن الغرب انقسم ما بين قوى مدعومة من امريكا تمثلت بالرئيس" فكتور يوشينكو" وغرب اوروبي الماني وقف الى جانب الليدي "يو" يوليا تموشنكو ،عيمة الثورة البرتقالية واحد اقطاب ساحة الميدان الاوكرانية .
نجحت الثورة البرتقالية وخسرت موسكو ولكن الغرب تناسى بان ثروة اوكرانيا الاقتصادية موجودة بالجنوب الروسي ومصانعها كلها بيد الأرثودوكس حلفاء موسكو التاريخين والاموال تأتي من موسكو والغرب الاوكراني فقير وغير منتج فلم يستطيع دعم الغرب بالرغم من وعدهم الدائم بادخل اوكرانيا في البيت الاوروبي .
روسيا واوكرانيا :
تلقت موسكو الهزيمة السابقة في اوكرانيا باسى ومرارة بسبب صعود البرتقاليين الى السلطة عام 2004، وبدأت فعليا بدعم حزب الاقليم الذي يتزعمه قكتور ينكوفيتش الرئيس الحالي لجمهورية اوكرانيا، الى ان تم ايصاله للسلطة الضعيفة ، استغلت روسيا ضعف اوكرانيا الاقتصادي، واعتماد الاسواق الصناعة الاوكرانية على الاسواق الروسية وعلى الغاز الروسي الذي يتم عليه وضع الاستراتيجية الحياتية العامة في البلاد ،فكان الدعم المادي الروسي الغير محدود الى الاقليم التي تخضع لعلاقات مميزة مع روسيا والمحاذية لروسية من خلال التسهيلات التجارية واطلاق يد العمالة ، وبدأ الرأسمال الروسي يتوافد الى مناطق النفوذ الروسي على حساب النفوذ الغربي ، وبد التغير الاقتصادي الواضح في المنطقة .
لكن روسيا استخدمت سلاحها القوي بوجه الشعب والساسة الأوكران ، سلاح الغاز سلاح الطاقة في فصل الشتاء.
هذا سلاح بات يستخدم مع كل الجمهوريات السوفياتية السابقة . مما اجبر سلاح البرد رئيسة الوزراء الشقراء آنذاك يوليو تموسنكو الى تجرح كاس السم من خلال توقيعها على اتفاقية مع الدولة الروسية اعتبرتها المعارضة السابق "حزب الاقليم " اتفاقية مجحفة بحق اوكرانيا لكن شجاعة يوليا كرئيسة وزراء دفعتها ان توقع على هذه الاتفاقية من اجل شعبها بغض النظر عن الاثمان والمكاسب الشخصية ، مما دفع بالحكومة الجديدة التي يتزعمها حزب الاقليم برئاسة الرئيس الجديد فورا تسلمهم السلطة ، بوضع يوليا تموشنكو بعهدة القضاء الذي حكم عليها بالسجن لمدة 7 سنوات مع التنفيذ ،لقد حاولوا وضع حدا نهائها لمستقبلها السياسي والحزبي. تنفذ يوليا حكما بالسجن بسبب توقيعها على تلك الاتفاقية التي يعتبرونها بانها ساومت بها على مصالح الشعب والدولة ،لكن الحقيقة ليست كما يحاول تسويقها حزب الاقليم ورئيسه .
الخلاف الاوكراني الداخلي :
عندما وصل البرتقاليين للسطلة قاموا فورا بتعديل القوانين الاوكرانية وجعل اوكرانيا دولة برلمانية وتحديد صلاحيات رئيس الجمهورية لمصلحة النواب وبالتالي اوكرانيا اضحت دولة برلمانية رئاسية .
فالحزب الاقاليم التابع للرئيس فاز بالأغلبية النيابية بنسبة 175 مقعد مقابل 157 مقعد لحزب حزب الاباء وطننا "باتشكقنا"يوليا تموشنكو وتحالفها ،والحزب الشيوعي ب28 مقعد، وحزب اوكرانيا لنا الذي كان يحتل 72 مقعدا .وبالتالي القانون الاوكراني الذ يسمح للكتلة الكبية الفائزة بالانتخابات او التحالف الانتخابي بتشكيل حكومة التي تتحكم بحياة اوكرانيا من خلال قوة شعبية ونيابية تسطيع ادارة البلاد وتغير كل وظائف الصق الاول في الدولة التي تتحكم بمقاليد الحياة العامة والسيادة في البلاد .
المعركة الانتخابية الحالية :
تعتبر هذه المعركة الانتخابية من اهم المعارك التي تحسم مصير العديد من الكتل والاحزاب السياسية التي قد تضعها الانتخابات عفي ثلجة لمدة 4 اعوام ،فالمعركة التي تم خوضها على 450 مقعدا نيابيا ،بمشاركة 21 حزبا سياسا واجتماعيا ،بخمسة الاف مرشح . القوانين الانتخابية الاوكرانية تشير الى ضرورة فواز كل حزب 5% لكي يتخطى مرحلة الوصول الى مجلس" الرادوغا" اي البرلمان كما يعرف بالغة الأوكرانية. فالمعركة قوية والدعاية كانت اقوى والتدفق الشعبي لم يكن بسيط فالمشاركة كانت بنسبة 60% من مجمل عدد الناخبين التي كانت اسمائهم مسجلة على لوائح الشطب ،أوكرانيا التي يبلغ عدد سكانها اكثر من 58 مليون مواطن تعتبر من الدول الاوربية الكبيرة ذات الموقع الاستراتيجي الهام في اوروبا لحدودها مع دول الناتو ورسيا الاتحادية واطلالها على البحر الاسود التي تفقد روسيا موقعها عليه بالتالي تصبح محاصرة من الناتو من و الجهات المختلفة.
استراتيجية حزب الاقليم :
-بالنسبة لحزب الاقليم ورئيسه يعتبر المعركة الانتخابية الحالية ،معركة كسر عظم من قبل حزبهم الذي يتار لنفسه ولجمهوره من انتخابات عام 2004 والتي تم اعادتها 3 مرات وخسر فيها بناءا للتوافقات الدولية للمحافظة على دولة اوكرانيا وابقائها على الخريطة السياسية موحدة.
-حزب الاقليم يريد الفوز بالأغلبية مهما كلف الثمن لكي يستطيع تشكيل الحكومة القادمة والبقاء بالسلطة وانهاء حزب يوليا تماشنكو الذي يشكل عقبة بوجه حزب الاقليم ورئيسه في الحياة السياسة القادمة وبالتالي الفوز يعني ازالة الخصم من الحياة السياسة الاوكرانية لفترة طويلة وخاصة يولي تقضي محكوميتها القضائية .
-يريد حزب الاقليم ان يكون اللعب الاوحد في السياسة الاوكرانية طوال الفترة الحالية وخاصة ابان معركة الرئاسة القادمة التي يكون فيها رئيسه المرشح الاوفر حظا لتولي قترة رئاسة ثانية دون خصم قوي يراهن عليه الاوكران والغرب في الفترة القادمة.
استراتيجية يوليا :
بالنسبة الى حزب يوليا ذات التوجه الغربي ولانفتاحيه يعتبر بان سيطرت حزب الاقليم هي العودة الحقبة السوفياتية السابقة من خلال عودة الدولة البوليسية التي تسيطر على العباد والرقاب وبالتالي انعدام الديمقراطية والحرية التي تغنت بها اوكرانيا وشعبها طوال فترة الاستقلال عن الحياة السوفياتية السابقة التي روضت الحياة في اوكرانيا وكل دول السوفيات السابق .
-المعركة بالنسبة لهم هي معركة بقاء او فناء لان ابعادهم عن البرلمان هو اخراجهم من الحياة السياسية الاوكرانية واخذ البلد حيتما يشاؤون.
-عدم وصول حزب يوليا تموشنكو الى البرلمان هو خنق وقتل المعارضة البرلمانية في اوكرانيا ،والانتقام من كل الشخصيات المعارضة التي خاضت التغير في اوكرانيا في ساحة الميدان واخراجها من البلد او وضعها في السجن كما هو حال زعيمتهما .
- ضرب المعارضة الاوكرانية من خلال اتهام الدول الغربية والجمعيات الحقوقية بالتزوير الانتخابي للدولة وحزب السلطة يعني بان اوكرانيا ذاهبة في نفق مجهول وسوف تنعكس هذه التصورات على الحياة الانتخابية القادمة وبدايتها الانتخابات الرئيسية التي ستكون انتخابات هزلية بغياب المنافسة الفعلية في العملية الديمقراطية .
الحياة الاوكرانية :
اتسمت الانتخابات الحالية بمشاركة شعبية كثيفة بالرغم من هطول الامطار والثلوج في محافظات اوكرانيا المتعدد وبالرغم من الاستعدادات الكبيرة التي تعلنها الدولة وقدرتها على مواكبة الحدث واجراء انتخابات نزيهة وشفافة من خلال دعوة العديد من المنظمات الحقوقية والاهلية المحلية والدولية ، لكن الشكوك حولها كنت كثيرة لعدم نزاهتها ومحاولة فبركتها واللعب بنتائجها لصالح فريق ضد فريق كما يدعي حزب وانصار تيموشنكو والذي وافقتهم كل الجمعيات والشرائح الاجتماعية والحقوقية المحلية.
فالمواطن ذهب لانتخاب ممثليه من اجل تغير سريع للحياة الاجتماعية والاقتصادية التي تسيطر على المواطن والدولة ،حالة فساد تسيطر على الدولة وموظفيها انهيار اقتصادي كبير ومزعج في العديد من القطاعات ،تغير وهبوط في سعر الصرف للعملة الاوكرانية مقابل العملات الاخرى ،ف"الغريفنا" تعيش اسواء ايامها.
اوكرانيا الجديدة والمواطن :
طبعا من المتوقع ان يفوز حزب الاقليم بالنسبة العالية التي تصل الى تمكينه من يؤلف حكومة بغض النسب عن الارقام ومن المتوقع ان تعطي شرائح اجتماعية كبيرة اصواتها للحزب الشيوعي الاوكراني الذي يقف في وسط الطرفيين والمؤكد ان تسجل هذه الانتخابات مفاجأة كبيرة لصالح حزب يوليا تموشنكو حزب وطن الاباء باتكشفنا ، بوصوله الى البرلمان بغض النظر عن عدد المقاعد التي يمكن ان يحصدها رغما عن حزب الاقليم ،ولكن من المؤكد جدا بان حالة اوكرانيا لن تتحسن حاليا بوجود حزب الاقليم ذات الاغلبية البرلمانية والاتي من رحم الانتقام وردة الفعل في الاستقساء للأخرين، فحالة اوكرانيا ستبقى في موقع تجادب داخلي وخارجي ،وانهيار اقتصادي واجتماعي ،فالغرب سوف يمارس ضغط اقتصادي اجتماعي وانساني وسياسي على اوكرانيا الجديدة ،وروسيا لن تسمح بذلك ولكن حزب الاقليم خيب امال روسيا ولم يعرف كيف يكسب ودها فكانت ضربته الاولى لروسيا في سجن تموشنكو واتفاقية الغاز الموقعة معها ،ولم يستطيع اقرار اللغة الروسية بكونها اساسية كما هي:" اللغة الاوكرانية ،الجالية الروسية الكبيرة ،الاعلام الروسي المدبلج بالأوكراني ،الادب الروسي القيصري الذي يترجم للأوكراني،التدريس في المناطقة ذات التكلم بالروسية باستخدام اللغة الاوكرانية ،مسؤولية جزيرة القرم وحكمها الذاتي ذات الاغلبية الروسية ، الأسطول البحري الروسي المرابط في مدينة "سيفستبول " التاريخية ،الحدود المائية بين البلدين ،الغاز وسرقته في اوكرانيا من الابار والخزانات الاوكرانية المتجه لغرب أوروبا "، كل هذه المواضيع التي تعتبر مشاريع خلاف لم تستطيع حكومة حزب الاقليم من حلها مما ستؤثر هذه المشاكل العالقة على العلاقات القادمة بين البلدين، على حساب المواطن الاوكراني التي سدت بوجه كل الطرق مع روسيا وأوروبا .
يبقى علينا ان ننتظر النتائج الفعلية للانتخابات والتعاطي الدولي معها بظل المعطيات التي حاولنا التوقف امامها لبد ان نتمنى لا وكرانيا وشعبها كل الخير والمحبة .
د.خالد ممدوح العزي
كاتب وباحث مختص بالشؤون الروسية ودول الكومنولث .