أوكرانيا بالعربية | تلميذ مصاب بالتوحد يُبهر أستاذه بأكاديمية الروبوتيك في أوكرانيا.. اليكم التجربة مع كريم
كييف/ أوكرانيا بالعربية/ كشف المهندس خلدون عرفة المختص في أتمتة نظم المعلومات والروبوتيك، والذي يعمل في مجال البرمجة وتقنية المعلومات منذ أكثر من عشرين عاما منذ كنت طفلا، عن تجربة فريدة له مع احد تلاميذه "كريم" والمصاب بالتوحد والذي تميز بذكاء وبراعة فاجأ بها أستاذه، حيث تواصت "أوكرانيا بالعربية" مع المهندس عرفة لاطلاع القراء على هذه التجرية.
يقول المهندس عرفة لـ "أوكرانيا بالعربية": درست البرمجة وأتمتة النظم في سوريا وعملت كمساعد مدرس في جامعة البعث في سوريا ومن ثم قدمت إلى أوكرانيا للاختصاص، حصلت على شهادات عليا كما وعملت مدرساً مساعداً في جامعة كييف الوطنية. أحضر حاليا لنيل شهادة الدكتوراه في مجال الروبوتيك وخاصة الروبوتات الشبيهة بالإنسان (Bipedal Robots).
أسست أكاديمية الروبوتيك الأوكرانية (Ukrainian Robotic Academy) ويقول: أقمت العديد من الدورات التخصصية في مجال البرمجة والروبوتيك لمختلف الفئات العمرية، ودائماً الدورات الموجهة للأطفال كانت الأمتع بالنسبة الي بسبب الصفاء الذهني الموجود عند الطفل وجاهزيتيه للتعلم وسهولة الوصول به إلى حالة من التواصل مع الآلة خلال الدورات التعليمية الموجهة.
ولكنه لم يتخيل يوماً بأنه سوف يواجه تجربة مهمة سوف تصنع فارق في علاقته بتعليم الأطفال الروبوتيك.
فقد كان الطفل كريم، مصابا بالتوحد ويعيش في بلجيكا، حيث حضر الى كييف مع والديه من أجل الالتحاق بإحدى دورات الروبوتيك التي تقدمها الاكاديمية التي يعمل بها م. عرفة.
يقول عرفة: علمت بأنه مصاب بالتوحد، ترددت كثيرا كوني لم أكن أملك أية فكرة في التعامل مع الأطفال المصابون بالتوحد. فكيف إذا كان الأمر يتعلق بدورة تخصصية في الروبوتيك. وزاد ترددي أيضاً عدم معرفتي بمدى قدرة كريم على الاستيعاب.
قبلت من باب التحدي ومن اللقاء الأول رأيت في عيني كريم الإصرار والحماس على التعلم، قال لي مستر خلدون (.. I need Robotics). كان مرتاحا لتواجدي حوله مع المدرس المساعد.
اتفقنا على أن نبدأ في اليوم التالي، لكن كريم أصر على أن نباشر بالدروس الآن، كل المحاولات من والدي كريم بإقناعه بأن نبدأ من الغد بائت بالفشل. طلبت من والديه بأن أعمل معه لنصف ساعة فقط، استطعت من خلال هذا الوقت إجراء تطبيقاً كاملاً والعمل على برمجة إحدى المتحكمات، كنت مندهشاً لسرعته في تحديد الهدف من المعلومة.
بدأ العمل مع كريم على أن تكون الدورة مكثفة لمدة 12 يوماً وفعلاً منذ اليوم الأول طلبت من كريم إعادة تطبيق المثال الذي أجريناه في لقائنا الأول, فعل ذلك من دون أية مساعدة. لم أدرك بأن كريم لديه هذه القدرة الذهنية إلا بعد أن أعاد تطبيق المثال بشكل كامل مع عدم أي معرفة مسبقة لديه في عمل المتحكمات أو برمجتها.
عملنا تقريباً كل يوم لمدة ساعتين أو أكثر ,أدركت بأن لدى كريم خبرات حاضرة و علي التعامل معها أولاً فكانت الاستجابة عالية من كريم عن طريق الملائمة بين المطلوب تأديته وإمكانات كريم الحاضرة ومن هنا كان اعتمادي في إيصال المعلومة على مبدئين أساسيين:
الأول: مفتاح السر جملة "كريم انظر إلي" طالما كريم ينظر إلي فإن أيه شيء أقوم به يسجل بشكل فوري ويخزن بشكل جيد في ذاكرته الدائمة.
الثاني: الاعتماد على الأمثلة والتواصل البصري لإيصال المعلومة مع اختصار للمعلومات النظرية حيث اعتمدت في منهاجي التعليمي على ثلاث مراحل (طبق - شاهد النتائج - ثم اسأل عن التفاصيل.. لماذا)
إن التخاطب مع اطفال التوحد صعب ومناهج الدورات والأدوات التعليمية التي صممتها خصيصاً لطلابنا تحتوي على العديد من الصور والأشكال والدارات والمخططات مما ساعد كثير في العمل مع كريم.
خلال هذه الدورة تفاعل كريم بشكل كبير مع جميع المراحل التعليمية التي اجتزناها وصولاً إلى برمجة سيارة إلكترونية قادرة على اجتياز العقبات مع فهمه الكامل للشروط والحلقات البرمجية وكيفية اتخاذ القرار عند الآلة حسب الوسط المحيط بها والتعامل مع بعض المستشعرات الإلكترونية. ومن اليوم الأول كان كريم يسألني ويصر على أنه محتاج لأن يقتني نفس العناصر الإلكترونية الموجودة في الأكاديمية حتى يقوم بالتدرب والعمل في البيت. لم نكن نحتاج لفترة استراحة وذلك بسبب تركيزه الكبير والكامل على مدى فترة الدرس ومع ما يطلب منه تأديته.
في بعض الأحيان كان كريم يصر على تنفيذ بعض أفكاره ولا يستمع لما أقوله بسبب تركيزه على شيء أخر. مما كان يضطرني لأن اتحاور معه لفهم وجه نظره لإعادة تركيزه على محتوى الدرس. وفي بعض الأحيان كان كريم ومن اللحظة الاولى يدخل القاعة وكأنه يقول لي.. لا أريد اليوم أن استمع لشيء .فقط أريد تطبيق بعض الأمثلة.
كريم يركز جل اهتمامه على العناصر الإلكترونية ويتفحصها بدقة متناهية قبل استخدامها وفي أغلب الأحيان كان كريم يسجل ملاحظاته بطريقته الخاصة على ورقة خارجية.
في نهاية كل درس أو تطبيق مثال ناجح كان كريم يطلب مني رسم وجه ضاحك (سمايل) على ورقة بيضاء ويحتفظ بها. وكلما زاد عدد الرسمات التي يُطلب مني رسمها كنت أعرف مدى حماس كريم ورضاه واستيعابه للدرس. بينما رمي الورقة من قبل كريم في سلة المهملات بعد رسمها يعني أن كريم لم يكن راضياً بشكل كامل أو ربما بدأ بالضجر مما كان يضرني لأن أنهي الدرس بسرعة وأن أعيد الشرح لنفس المعلومة في اليوم التالي.
كريم يتعامل مع الكمبيوتر ونظام التشغيل بشكل جيد جداً. يتكلم اللغة الإنكليزية بطلاقة ولكنه ممتازة. يتكلم اللغة العربية والروسية أيضاً كونه مولود في أوكرانيا ولكن يغلب على كلامه اللغة الإنكليزية وهو ما أعتقد أنه سهل عليه فهم بعض التفاصيل البرمجية. وكما أخبرني به والديه أنه يتقن اللغة الهولندية ولا يصعب عليه إتقان وتعلم أيه لغة بأقل فترة ممكنة.
تجربة جداً مفيدة وممتعة جعلتني أكوّن مفهوم جديد عن التدريس ودفعتني أفكر جدياً بالعمل على ابتكار وتطوير طرق وأدوات مبتكرة وجديدة لتعليم الأطفال المصابين بالتوحد البرمجة و الروبوتيك وإنشاء قسم خاص بالأكاديمية لأطفال التوحد.
وفي نهاية اللقاء توجه م. خلدون عرفة بجزيل الشكر لأهله وذويه على السماح له بنشر تجربته مع كريم، وكذلك الشكر لصحيفة أوكرانيا بالعربية
المصدر الحصري: أوكرانيا بالعربية