أوكرانيا بالعربية | روسيا وأوكرانيا.. وسياسة "الدودة" الروسية و"الموزة" الأوكرانية في شبه جزيرة القرم...... بقلم محمد فرج الله
كييف/أوكرانيا بالعربية/لا أود التطرق والكتابة والحديث عن عقلية أو عبقرية الرئيس الروسي بوتين في سيطرته على القرم وانتزاعه من أوكرانيا، فقد تغزل الكـُتاب العرب وغيرهم كثيرا كثيرا به، واعطوه ما يستحق من ذكاء ودهاء وعبقرية واستراتيجية ورياضة وغير ذلك... وانما أود الحديث في مقالي هذا عن تطور روسيا العصرية ليس فقط في استراتيجياتها وعسكرتها وانظمة استخباراتها وانما في اساليبها الجديدة بامتلاك ربما قلوب وعقول الشعوب.
لفت انتباهي واعجبتني كثيرا مقولة للكاتب الأمريكي الكبير ديل كارنيغي في كتاب "كيف تكسب الاصدقاء وتؤثر بالناس" عن الموزة والدودة، فقد سرد الكاتب بأنك اذا اردت ان تصطاد سمكة فيجب عليك ان تقدم لها الطـُعم الذي هي تحب وليس كما تحب انت، فلذى ينبغي عليك تثبيت الدودة على طرف السنارة لتصطاد فريستك وليس بتثبيت الموزة التي تحبها انت بينما لا تشكل محل اهتمام للسمك.
وهنا أود الحديث عن شبه جزيرة القرم فقد استخدمت روسيا كل استراتيجاتها وامكانياتها وعملت الكثير الكثير ولسنوات طويلة للسيطرة على شبه الجزيرة، فهي تعتبره جزئا هاما وتعود الاحقية به لروسيا فقط وبلا منازع.
فبدأ بوتين بالتأثير على الحكومات المتعاقبة في أوكرانيا واستغلال ضعفها ونزاعاتها الداخلية ليدعم شق ضد آخر، ولكن كل حلفائه كانوا يدفعون ثمن دعمه لهم بالعمل على اضعاف الجيش الأوكراني شيئا فشيئا .. والتبرير هنا بسيط فكان يعتقد بانه من المستحيل ان ينشب تصادم مسلح بين الشعبين الأخوين، بالعكس فقد اعتقدت شريحة كبيرة من الشعب الأوكراني طيلة عقدين من الاستقلال بان قوة روسيا هي الرادع الاول لاي مطامع من أي غازي لأوكرانيا والقليل الذين كانوا يدركون الحقيقة "الاوكرانية" المرة بأن الخطر آت من الشرق أولا.
فبعد اضعافها للجيش الأوكراني عملت على غلغلة اجندتها وضباطها بصفوف الاستخبارات الأوكرانية واستمرت في النهج ذاته حتى اصبحت الحكومة الاخيرة الاوكرانية على مقاييسها ولونها الشرقي الاقليمي الازرق المحبذ.
فكل شيء كان مدروس حتى هرب الرئيس المخلوع يانوكوفيتش ليقدم لحليفه بوتين طلب النجدة وانقاذ البلاد وهذا ما حدث، وفي خضم الصراع الدائر في كييف، وبتمركز الجيش الروسي في القرم ادخلت الالاف من القوات الجديدة في ليلة وضحاها ولن نسمع عن اي اختراق لاي نقطة حدودية أوكرانية وكانهم سقطوا من السماء او نبتوا من الأرض او كانوا "متواجدين" اصلا منذ سنوات ليعمل هؤلاء المقاتلين "الخضر" على تامين عملية الاستفتاء التي جرت في القرم بتاريخ 16 مارس
لتعترف روسيا بنتيجة الاستفتاء الذي ايد الانضمام اليها وبدات روسيا بخطوات حثيثة باقننة ذلك لديها والعمل السريع لاقلمة هذا الاقليم "الروسي" الجديد في الجسم الكبير للدولة الروسية الأم، بدئا من انشاء مقعد له بحكومة الدولة وادارج فيديرالية جديدة ونهاية باصادر جوازت المواطنة الروسية.
ولكن هل اكتفت روسيا بذلك ؟؟؟؟ لا ابدا لم تكتفي ولم تتوقف عن هذا الحد !!!
بل بدأت ومنذ أيام قليلة ماضية باستخدام قوة أخرى غير معتادة من قبل روسيا، فقد تعوّد الكثير على نعت روسيا بـ"الهمجية" والغير دبلوماسية أو عصرية!! بدات روسيا بمرحلة جديدة باستخدام قوتها "الناعمة" هذه المرة لالتهام عقول وقلوب الناس وهم كما تعتبرهم مواطنيها الجدد.
ففي نهاية الاسبوع الماضي أصدرت وزارة الثقافة الروسية قرارا باجراء عام الثقافة الروسية في القرم، لتصبح مدينة سيمفيروبول، عاصمة الثقافة الروسية للعام 2014م، ولتكون في آن واحد عاصمة للقرم وللثقافة، ولتحسدها مدن روسية كبرى ذات وزن وثقل على ما حصلت عليه سيمفيروبول من مكانة، فهي ستكون ولمدة أيام ولربما لاسابيع محطة للفنانين والمخرجين والسينيمائيين والشعراء والكتاب والادباء والمسرحيين ورجال السياسة والمال والاستثمار وغيرهم الكثير.. ليشعر مواطن القرم بالفخر والاعتزاز بأقليمه الذي سيصبع ليس عاصمة ثقافية روسية فحسب بل وربما سيشهد تطورا سريعا وملحوظا في مجالات عدة وهذا ما تعطش اليه المواطن كثيرا...
ثم جائت زيارة دميتري ميدفيديف رئيس الوزراء الروسي على راس هذا الأسبوع، لتكون أكثر سخاء فعندما توجه بخطابه الى سكان القرم قائلا :"انتم مواطنوا دولة عظيمة"... فهذه الكلمات حملت الكثير لهم ليقارن المواطن المحلي ويسال نفسه بماذا يعتز بمواطنته "الأوكرانية" التي تعبت من النزاعات الطويلة ؟؟!! ام يعتز بمواطنتة "الروسية" وهي الدولة التي تمتلك سلاحا نوويا فتاكا ولها مكانتها وثقلها في العالم بأسره؟؟!!
ولم يتوقف ميدفيديف عند هذا الحد فقد كان أكثر سخائا ليصرح بأن الحكومة الروسية عازمة الى تقديم مساعدة مالية للاقليم "الجديد" بقيمة سبعة مليارات دولار أمريكي كي يرتقي الى مستوى بلده العظمى، غير مكترثا لا براي المجتمع الدولي ولا بانتقادات الخارجية الأوكرانية لزيارته هذه.. معتبرا بذلك القرم ذاك الابن المدلل الذي عاد الى أسرته..
وبالطبع لم تنسى روسيا ولو لوهلة بأزمة تتار القرم فهم ايضا يجب "التهام" عقولهم وقلوبهم فبدات تعمل على ذلك منذ التصريح الأول للرئيس الروسي فلاديمر بوتين بشأنهم والذي وبدقائق عدة منح لغتهم القومية التترية مكانة مرموقة لتكون حكومية لدى الاقليم .. ثم أرسل بوتين برئيس جمهورية تتارستان الروسية مُحَملا ً برسالة جذب للتتر وباغرائهم بحكم ذاتي تتري ضمن الاقليم... وللمشاركة باجتماع المجلس القرمي والذي لم يعزف به النشيد الوطني الاوكراني لاول مرة منذ عقدين...
اما الرواتب فقد بدأت تصرف منذ الشهر الماضي بالروبل الروسي وبفارق كبير مما هي كانت عليه في الزمن الأوكراني..
فروسيا اليوم ليست هي روسيا الأمس.. فهي أتبتت بأنها تجيد استخدام "دودة" السلطة والمال والثقافة والفخر والقومية.. ولم تستخدم "الموزة" للكسب السريع ولالتهام عقول وقلوب القرميين...
محمد فرج الله
رئيس تحرير أوكرانيا بالعربية
عضو نقابة الصحفيين الأوكران والنقابة الدولية للصحافيين
المصدر: اليوم السابع، أوكرانيا بالعربية