أوكرانيا بالعربية | قتل وأعمال العنف وقصف للمباني السكنية. قصص الحياة في ماريوبول إحدى المناطق الأكثر سخونة في أوكرانيا بلسان سكانها الذين تمكنوا من مغادرتها
كييف/ أوكرانيا بالعربية/ حاصرت القوات الروسية ماريوبول باعتبارها أكبر مدينة في أوكرانيا على شواطئ بحر آزوف منذ 1 آذار/ مارس. ووقع معظم المدينة تحت سيطرة ما يسمى بـ"جمهورية دونيتسك الشعبية" والقوات المسلحة الروسية منذ نيسان/ أبريل. وتتعرض ماريوبول للقصف والغارات الجوية المستمرة منذ بداية الحرب، وأكثر من يتضرر هم سكان المدينة.
تعيش ماريوبول منذ أوائل آذار/ مارس دون كهرباء ومياه وتدفئة واتصالات، الأمر الذي دفع معظم السكان إلى الانتقال من شققهم إلى الأقبية والملاجئ حيث يعيشون حتى يومنا هذا.
تحدث بعض سكان المدينة الذين تمكنوا من مغادرتها عما يحدث في إحدى المناطق الأكثر سخونة في أوكرانيا.
مطبخ ميداني وسط المدينة
بعد أن أصبحت المدينة بلا كهرباء وغاز ومياه أقام سكان المدينة مطابخ ميدانية مشعلين النار من الساعة 6 صباحاً بالقرب من قبو أو مأوى آخر لطهي عليها الطعام وتسخين الماء طوال اليوم.
تقول إينا قاطنة ماريوبول: "جلب الجيران في الملجأ منقلين وأشعلوا النار. كلنا كنا نقوم بإعداد الطعام باستخدامهما. في ذلك الوقت كان هناك حوالي 90-100 شخص في الملجأ ".
سرعان ما بدأ مخزونات الطعام تنفد، ولم يكن هناك مكان لشرائه. حسب قول إينا إنهم تمكنوا من الذهاب إلى السوق مرة واحدة حيث كان التجار يبيعون ما تبقى لديهم من الخضار والفواكه. لكن تلك السوق تعرضت للقصف في اليوم التالي.
بادئ ذي بدء أكل الأطفال والنساء والمتقاعدون، وبعد ذلك أكل الرجال ما بقي من الطعام.
"في البداية أحضرنا بقايا الطعام من منازلنا ولم نأكل كثيراً حتى الشبع ليكون الطعام لفترة أطول. ولكن عندما نفد الطعام بدأت أعمال النهب والسرقة. في الوقت نفسه، كان لدينا ماء لأنه يوجد منبع بجوار دار الثقافة حيث لجأنا"، أوضح أنطون الطالب الذي يدرس في كييف أنه جاء إلى ماريوبول في 22 شباط/ فبراير لزيارة أسرته.
كان سكان المدينة الآخرون أقل حظاً. مثلاً قالت إيلينا من ماريوبول إن أصدقاءها كان يقومون بسحب الماء من نظام التدفئة المركزي واستخدموه لطهي الطعام. وبعد ما سقطت الثلوج كان الناس يجمعونها في أحواض لتحويلها إلى الماء.
كان السكان الذين لم تتضرر منازلهم يبقون فيها في البداية، ولكن عندما أصبح الجو بارداً نزل معظم السكان إلى الأقبية لتدفئة أنفسهم هناك.
"انخفضت درجة الحرارة في الشقق إلى 3-6 درجات بعد 9 آذار/ مارس. أما الملاجئ فكان الجو هناك أكثر دفئاً حوالي 10-12 درجة. كنا ننام تحت بطانيتين ونحن مرتديين ملابسنا الدافئة الكثيرة مثلاً ثلاث سترات. كان من الصعب شرب الشاي طوال الوقت للتدفئة، حيث كان قدر صغير من الماء يغلي فوق النار لمدة 40 دقيقة" قالت إينا.
كان الطهي على النار يزداد خطورة يوماً بعد يوم بسبب الضربات الجوية المستمرة. قالت إينا إنهم بمجرد سماعهم صوت طائرة تقترب عادوا راكضين إلى الملجأ. واستمروا في الطهي عندما يهدأ كل شيء.
قصف المباني السكنية
بحسب الأهالي، لم يتوقف قصف المدينة ولو لساعة واحدة، وغالباً ما قصفوا المباني السكنية والمدارس.
الضربة الأولى على المدرسة حيث كانت تختبئ إيلينا حدثت في 26 شباط/ فبراير. وألحقت القذيفة أضراراً جزئية بالمبنى، فلذا استمر الناس في الاختباء في القبو. ولكن قُصفت المدرسة مرة أخرى بقذائف الهاون في 9 آذار/ مارس، مما أدى إلى اندلاع حريق هناك. في ذلك اليوم بقي زوج إيلينا وابنتها في المنزل وهي كانت في الملجأ.
"شاهد زوجي قصف المدرسة بقذائف الهاون عبر ملعب كرة القدم الآخر الذي وقعت المدرسة على طرفه النقيض. جثا على ركبتيه باكٍ وبكت ابنتي معه. نظرا إلى المبنى المحترق ولم يستطيعا مساعدتي. خرجتُ من القبو ومعي الكلب وحقيبة نوم بين يديّ بعد القصف مدركة أن حياتي لا قيمة لها"، حدثت إيلينا مضيفة أنه بعد 20 دقيقة تكرر قصف المدرسة.
وتجدر الإشارة إلى أن رجال الإنقاذ لا يستطيعون الوصول إلى المكان المطلوب بسبب البنية التحتية المدمرة والأعمال القتالية المستمرة، لذلك يضطر سكان ماريوبول لمكافحة الحرائق بأنفسهم.
حدث أنطون عن سقوط القذيفة على شقته حينما كان هو وعائلته في ملجأ بدار الثقافة قائلاً: "أتانا جيراننا ركضاً وقالوا إن الحريق يلتهم شقتنا. بالطبع، كانت أغراضنا الكثيرة وكذلك بقيت القطة فيها، لذلك سارعت في إطفائها. بللنا أنا ومراهقون من المنازل المجاورة تتراوح أعمارهم بين 14 و17 عاماً ملابسنا في مياه الصرف الصحي ثم ارتديناها لكي نستطيع دخول الشقة ورش الماء من ملابسنا المعصورة. في وقت لاحق أعطونا الأقنعة الواقية من الغاز، وبعد ذلك سارت الأمور على ما يرام ".
حسب قول الشاب، دُمرت شقتهم بالكامل، لكن لو لم يطفئوها لانتشر الحريق إلى المبنى بأكمله حيث كان الناس الآخرون يسكنون هناك.
وأضافت فيكتوريا: "أسوأ شيء هو الغارات الجوية لأنه لم يبق إثرها شيء سليم".
القتل والعنف
لم تشكل الغارات الجوية والقصف بالمدفعية تهديداً وحيداً للمدينة، إذ يتعرض السكان المحليون لخطر القتل أو الاغتصاب. يمكن للجيش الروسي مهاجمة أي شخص في طريقه إلى متجر أو صيدلية واقتحام الشقق.
قالت إيلينا: "ذهب حمو إحدى صديقاتي إلى الصيدلية ولم يعد. وخرج زوجها في اليوم التالي بحثاً عنه ووجد والده ميتاً بالقرب من الصيدلية. حاولنا عدم التحدث بصوت عالٍ أثناء جلوسنا في القبو خاصة في وقت متأخر من بعد الظهر".
قالت المرأة إن حماتها دفنت والدتها، التي قتلها الجنود الروسي، في فناء الدار قبل ثلاثة أسابيع.
وأضافت: "كان عمي يساعد في دفن ثلاثة أشخاص آخرين في الفناء. وقال إن الجثث ظلت بين البيوت لأكثر من يوم لأنهم لم يتمكنوا من حفر حفرة بسبب الصقيع".
قالت تاتيانا التي تقطن في ماريوبول، إن الشيشانيين دخلوا شققاً بحثاً عن فتيات تقل أعمارهن عن 40 عاماً. في ذلك الوقت أخفت ابنتها البالغة من العمر 18 عاماً في قبو مبنى ذي تسعة طوابق مصلية لأجلها أن تبقى على قيد الحياة.
وقالت: "كان الأمر مخيفاً للغاية أن أكذب عليهم وأنا واقفة تحت تهديد السلاح. قيل لجاري ألا ينظر بينما كان الجنود يغتصبون زوجته وابنته لكنه رفض. وبعد ذلك ألقيت عليهم قنبلة يدوية. احترقت 10 شقق في غضون 15 دقيقة إثر ذلك".
بحسب أمين المظالم المعني بحقوق الإنسان في البرلمان الأوكراني، ليودميلا دينيسوفا، بدأ المحتلون مؤخراً بـ"تطهير المدينة" من جثث المدنيين القتلى عن طريق حرقهم في محارق جثث متنقلة.
قال محافظ مدينة ماريوبول، فاديم بويشينكو، إن مؤسسات المرافق العامة كانت تسجل جرائم القتل التي يرتكبها الجيش الروسي حتى 21 آذار/ مارس. في ذلك الوقت بلغ العدد الرسمي للقتلى حوالي خمسة آلاف شخص. بالإضافة إلى ذلك، ظل الآلاف من الأشخاص الذين لقوا حتفهم بسبب القصف والغارات الجوية في شوارع المدينة. ويعتقد بويتشينكو أن حساب العدد الدقيق للجثث أمر مستحيل.
كان هناك ما يقرب من 500 ألف نسمة في المدينة غداة الحرب. وتمكن ما يقرب من 260 ألفاً من سكان ماريوبول من مغادرتها إلى الأراضي الواقعة تحت سيطرة أوكرانيا، بينما 70 ألفاً آخرين باتنظار الإجلاء. وقال محافظ المدينة إنه تم ترحيل حوالي 40 ألف شخص قسراً من قبل قوات الاحتلال الروسي إلى ما يسمى بـ "جمهورية دونيتسك الشعبية" والأراضي الروسية. وبحسب تقديراته، بقي في المدينة حوالي 120 ألف شخص.
المصدر: أوكرانيا بالعربية