أوكرانيا بالعربية | جامع القرويين - سلسلة المعالم الإسلامية

كييف/ أوكرانيا بالعربية/ تنفردُ الجوامعُ بأهميّةً خاصةً في الإسلام، حيث يقوم فيها المسلم بتأدية فرض الصلاة الذي يعدّ الفرضَ الأول الذي يُسألُ عنه يوم القيامة، كما أنّها كانت قديماً مكاناً لتجمّع الملسمين لمعرفة أمور دينهم وتلّقي العلوم الشرعيّة، وكان يتمّ تقسيمُها إلى زوايا فيتمّ تعليم علمٍ معيّنٍ في كل زاوية، كما أنّها كانت تعتبر معقلَ انطلاق البعثات الإسلاميّة والجيوش الإسلامية لفتح البلاد ونشر الدين الإسلاميّ، وانطلاقا من ذلك فقد قررت ادارة صحيفة "أوكرانيا بالعربية" اطلاق بابها الجديد بعنوان "سلسلة المعالم الإسلامية" لما لها من أهمية من تثقيف الاجيال العربية في أوكرانيا بهذه المعالم التاريخية.

جامع القرويين
هو جامع القرويين من أهمّ الجوامع التي تقع في المغرب العربي، وبالتحديد في مدينة فاس، وتمّ بناء هذا الجامع في شهر رمضان المبارك من العام 859م، وبالتحديد في شهر نوفمبر، بأمر من العاهل الإدريسي يحيى الأول، وتطوّعت فاطمة الفهرية ببناء هذا الجامع، حيث بقيت صائمة صيام تطوّع لحين الانتهاء من بنائه وتجهيزه، ومنحت جميع ما تملك من ميراث ورثته لإنجاز هذا الجامع، وسمّي هذا الجامع بهذا الاسم نسبة إلى مدينة تونسية مشهورة وهي القيروان.

مميزات جامع القرويين
يتميّز جامع القرويين بوجود صومعة ذات شكل مربع وواسعة، وهي لا تزال موجودة وقائمة لهذه الأيام، وتعدّ من التوسّعات التي قام بها الزناتيين الذين يتبعون لعبد الرحمن الناصر، وهي من أقدم وأجمل المنارات الموجودة في المغرب العربي ككلّ، ويحتوي المسجد على عدة أبواب بلغ عددها لحوالي 17 باباً، بالإضافة إلى جناحين يتمّ التقاؤهما في أطراف الصحن الموجود في وسط الجامع، وكلّ جناح من هذه الأجنحة يوجد فيه مكان مخصّص للوضوء من المرمر، حيث صمّم بطريقة مشابهة للتصميم الموجود في الصحن الأسود في قصر الحمراء بالأندلس.

بناء وتوسيعات جامع القرويين
حظي هذا الجامع باهتمام كبير من سكان المدينة والحكام لتوسيعه وترميمه والاهتمام بكلّ ما يتعلق به، حيث عمل المرابطون على إضافة بعض التعديلات والتغييرات في جامع القرويين، فعملوا على تغيير شكل الجامع الذي عرف بالبساطة في بنائه وزخرفته وعمارته، مع المحافظة على الملامح والشكل العام له، بالإضافة إلى الفن الذي استخدم من قبل المهندسين المعماريين في صناعة وتجهيز القباب والأقواس، والنقش عليها بالعديد من الآيات القرآنية والأدعية، ومن أهم الآثار التي تركتها المرابطون هي المنبر الذي لا يزال موجوداً لهذه الأيام، ومن ثم عمل الموحدون على إضافة الثرية ذات الحجم الكبير، والتي تتميّز بجمالها الذي زيّن هذا الجامع، وهي قائمة فيه ليومنا هذا، ولقي هذا الجامع الاهتمام المتزايد فيما بتعلّق بتطوير المرافق الضرورية وتزيينها من خلال إضافة العديد من الثريات، والساعات الشمسية والرملية، بالإضافة إلى وضع مقصورة القاضي والمحراب ذي الحجم الكبير والواسع، وخزانة مخصّصة لترتيب الكتب والمصاحف، ويتميّز هذا الجامع بتصاميمه وطابع المقتبس من التصاميم والطابع الأندلسيّ العريق، وقام الأمراء الزناتيون بإضافة مساحة تقدر بحوالي 3000كم.

أهمية جامع القرويين العلمية
بعد الانتهاء من بناء وتجهيز جامع القرويين، سارع العلماء لإنشاء العديد من الحلقات الخاصّة بطلبة العلم، كما ضمّ مكتبة زاخرة ناسبت أنشطة القراءة والتعلّم آنذاك، مما أدى إلى اعتبار مدينة فاس من المدن الثقافية والعلمية المهمة على مستوى المغرب العربي، وزاد قدرتها على منافسة العديد من المراكز العلمية والثقافية المشهورة في العديد من المدن كمدينة قرطبه ومدينة بغداد، بالإضافة إلى ما لعبه المسجد من دور مهم في دعم العلم والعلماء واستقطابهم بعد تحولّه إلى جامعة القرويين في العصر المرابطي أو في عصر الدولة المرينية كما يرى المؤرخون، بما فيها من مكتبة ثريّة حازت على دعم الأوقاف والأمراء لزيادة قيمتها الدينية والمعرفية والعلمية في العالم الإسلامي، فقد جذبت هذه الجامعة العديد من الفلاسفة أمثال ابن رشد، وابن باجة، وابن خلدون وغيرهم بما تحويه من كنوز معرفيّة وحضارية.
كان أهل المدينة وحكامها يقومون بتوسعة المسجد وترميمه والقيام بشؤونه. كما وأضاف الأمراء الزناتيون بمساعدة من أمويي الأندلس حوالي 3 آلاف متر مربع إلى المسجد وقام بعدهم المرابطون بإجراء توسعة أخرى.
لا تزال الصومعة المربعة الواسعة في المسجد قائمة إلى الآن من يوم توسعة الأمراء الزناتيين عمال عبد الرحمن الناصر على المدينة، وتعد هذه الصومعة أقدم منارة مربعة في بلاد المغرب العربي.
كان هناك تفنن من قبل المعماريين في صنع القباب ووضع الأقواس ونقش آيات القرآن والأدعية.
أبرز ما تركه المرابطون في المسجد هو المنبر الذي لا يزال قائما إلى اليوم. بعد المرابطين، قام الموحدون بوضع الثريا الكبرى والتي تزين المسجد الفاسي إلى اليوم.
لمسجد القرويين سبعة عشر بابا وجناحان يلتقيان في طرفي الصحن الذي يتوسط المسجد. كل جناح يحتوي على مكان للوضوء من المرمر، وهو تصميم مشابه لتصميم صحن الأسود في قصر الحمراء في الأندلس.
عرف الجامع المزيد من الاهتمام في مجال المرافق الضرورية فزين بالعديد من الثريات والساعات الشمسية والرملية وأضيفت للمسجد مقصورة القاضي والمحراب الواسع وخزانة الكتب والمصاحف.
فهذا الجامع يعتبر منارة للعلم خاص علوم الدين بشتى أنواعها
حيث تخرج من جامعته معظم علماء الغرب وفيها تعلم جربرت دي لوفرينه الثاني الذي أصبح فيما بعد سلف ستر الثاني. وفيها تعلم (الصفر العربي) في علم الحساب وهو الذي نشر ذلك في أوروبا. كما درس بها ابن الشيخ الفيلسوف الرئيس موسى بن ميمون اليهودي القرطبي الذي كان من أعظم الأطباء في عصره والذي غادر الأندلس إلى المشرق وعين طبيبا لصلاح الدين الأيوبي ثم عين مدرسا بالقاهرة.

وفضلا عن هذا الجامع فإن فاس كانت تضم (785) مسجدا جميعها أو معظمها كانت مدارس بالضبط كمساجد البصرة والكوفة تدرس فيها علوم الدين وعلوم اللغة والتاريخ وغير ذلك من العلوم ولعل من أكبر مدارس فاس مدرسة السلطان أبو عنان المريني التي أسسها عام 756هـ / 1355 م وكان قد ألحق بها مسجدا للصلاة يتحلى بمنارة “مئذنة” لا مثيل لها في الجمال والأناقة.
وتميزت فاس بمدارسها التي بنيت حول جامع القرويين وانتشرت في أنحاء المدينة خصوصا في القرن الثامن الهجري / الرابع عشر الميلادي على يد العديد من الأمراء، وقد زينت هذه المدارس بذوق فني رفيع ومتنوع وهي تشكل واحدة من أروع التشكيلات الزخرفة في مدينة فاس. ويأتي في مقدمة هذه المدارس مدرسة فاس، والمدرسة المصباحية التي أسسها أبو الحسن سنة 743هـ / 1343 م، والمدرسة التي أسسها أبو عنان وهي المدرسة الوحيدة المزودة بمنبر ومئذنة، وغيرها كثير من المدارس.
أما أقدم مدارس فاس فهي مدرسة الصفا رين التي أمر ببنائها أبو يوسف المر يني عام 678هـ / 1280 م وزودها بمكتبة ثرية وقد نقلت فيما بعد إلى جامعة مسجد القرويين. وتعتبر مدرسة العطارين أصغر مدرسة في زمانها ولكنها كانت من حيث الهندسة المعمارية من أجملها وكانت تقع عند طرف سوق العطارين ومؤسسها هو السلطان أبو سيد. وكانت هذه المدارس تدرس فيها العلوم الابتدائية، القرآن، الكتابة، القراءة، مبادئ الحساب وغيرها ثم يلتحقون بالجامعة وكانت مدة الدراسة فيها تستغرق بين خمسة و15 سنة، إذ كان الطلاب يختارون بمحض إرادتهم كل أستاذ حسب اختصاصه في مادة أو أكثر فيجلسون في حلق حوله و هو كان يستند بظهره إلى سارية من سواري المسجد.
ولقد اشتهر من فاس جماعة من أهل العلم ونسبوا إليها منهم أبو عمرو عمران بن موسى الفاسي فقيه أهل القيروان في وقته. وأبو العباس أحمد بن محمد بن عثمان الشهير بابن البناء وهو أشهر رياضي في عصره، وأبو بكر محمد بن يحيى بن الصائغ الشهير بابن باجة وكان ممن نبغوا في علوم كثيرة منها اللغة العربية والطب وكان قد هاجر من الأندلس وتوفي بفاس. ومن العلماء الذين أقاموا بفاس ودرسوا بجامعتها ابن خلدون المؤرخ ومؤسس علم الاجتماع، ولسان الدين بن الخطيب، وابن عربي الحكيم وابن مرزوق.
