أوكرانيا بالعربية | أوكرانيا في مثل هذا اليوم: 24 فبراير 1852غوغول يحرق مخطوطات الجزء الثاني لملحمة "الأنفس الميتة"
كييف/ أوكرانيا بالعربية/ قام الكاتب والروائي الأوكراني - الروسي الفذ نيكولاي فاسيليفتش غوغول، في مثل هذا اليوم 24 شباط/ فبراير 1852 باحراق مخطوطاته من الجزء الثاني لملحمة "الأنفس الميتة" بعد أن أصيب بهاجس ديني وبلوثة شبه جنونية، ثم امتنع عن تناول الطعام كليا ما أدى إلى وفاته بعد عشرة أيام.
ولد نيكولاي غوغول في 1 نيسان/ أبريل 1809 في قرية سورتشينتسي قرب مدينة بولتافا الأوكرانية والتي كانت تابعة لروسيا القيصرية آنذاك، وكان من أعماله الأكثر شهرة رواية "الأنفس الميتة" وقصته القصيرة "المعطف"، بالإضافة إلى المسرحيتين الكوميديتين المفتش العام وزواج.
وتوفي في 4 آذار/ مارس 1852 في مدينة موسكو بروسيا القيصرية آنذاك، نتيجة الصيام المتواصل وهو مصاب بلوثة شبه جنونية بعد ان أقدم على حرق مخطوطاته من الجزء الثاني لملحمة "الأنفس الميتة" قبل وفاته بعشرة أيام.
يعتبر نيكولاي غوغل واحد من مؤسسي المدرسة الواقعية في الأدب الروسي في القرن التاسع عشر، كان يكتب بإسلوب كوميدي ساخر. النفوس ميتة تعتبر أهم رواياته مع أنها لم تكن كاملة لأنه حرق الجزء الثاني منها قبل أن يتوفى بعد إصابته بلوثة عقلية؛ كان السبب فيها قسيسا أدخل أفكاراً تحريمية في دماغه.
كتب غوغل الجزء الأول من ملحمته الشهيرة "أرواح ميتة" في سويسرا خريف عام 1836، وكتب جزءا أخر في باريس في نوفمبر 1836 - فبراير 1837، لكن روما كانت المكان الذي كتب فيه غوغول معظمها (1837 - 1838 ). أطلق غوغول على هذه الرواية اسم "ملحمة" التي تصور روسيا الإقطاعية بنظام القنانة، والنظام البيروقراطي الفاسد الذي كان سائدا في تلك الأيام. غوغول كتب الجزء الأول من الرواية خلال حوالي 8 سنوات (من 1834 إلى 1842) ، وقرأ لبوشكين الفصول الأولى التي جعلت بوشكين يشعر بكآبة إلى أن صرخ "يا إلهي! يا حزن روسيتنا".
مختصر الرواية إن بطلها "تشيتشيكوڤ" الرجل النصاب الماكر الذي أراد أن يغتني ثانية بعد أن خسر ثروته، أعد خطة ذكية لكن إجرامية بأن يشتري من ملاك الإقطاعات أرواح العبيد الذين كانوا يعملون عندهم وماتوا من فترة قريبة ولكن لم يتم تسجيل وفاتهم في السجلات الحكومية، وبذلك فهم لا يزالون على قيد الحياة. فعندما يتصل تشيتشيكوڤ بالملاك كانوا يفرحوا بالموضوع لانهم كانوا يدفعوا ضرائب للدولة عن عبيد غير موجودين. تشيتشيكوڤ كان ينوي رهن الأرواح إلى البنوك ويستقرض مالا ليتمكن من العيش كرجل محترم في إقليم بعيد لا أحد يعرفه هناك.
في هذه الرواية خلق غوغول شخصيات كثيرة بسلوك ونفسيات مختلفة اشتهرت في روسيا بأسمائها. وطوال الرواية كان بطلها تشيتشيكوڤ يتنقل من بلد إلى بلد عندما يشعر أن سره انكشف، وكان في كل مرة يقابل شخصيات جديدة. وبأسلوب فكاهي متمكن أرانا كيف كان يُعامَلُ العبيد في تلك الأيام، وكيف كان يتم شرائهم مثل الحيوانات .
نشر الجزء الذي كتبه غوغول من روايته النفوس الميتة سنة 1842 بعدما رفضت الرقابة نشرها تحت عنوانها "الملحمة" بحجه أن غوغول بهذا العنوان "يعترض على فكرة الخلود"، وإنه من الأفضل تسميتها "مغامرات تشيتشيكوڤ أو الأنفس الميتة" فوافق غوغول لحاجته في ذلك الوقت للمال.
بدأ غوغول النظر للموضوع من منظور شخصي . وتسللت لرأسه فكرة دينية فحواها أن الرب حباه بموهبة أدبية كبيرة ليس فقط ليعاقب الفساد عن طريق إضحاك الناس، لكن ليُظهر لروسيا الطريق الصحيحة للعيش في عالم شرير. في آذار/ مارس عام 1841 كتب غوغول لأحد أصدقائه في موسكو: "مشيئة ربنا المقدسة.. مثل هذه الأفكار ليست من وحي البشر. لا يوجد إنسان يمكن أن يفكر في هكذا موضوع" . وعلى هذا الاساس قرر غوغول انه يكمل روايته على انها مثل "كوميديا إلاهية" نثريه. واعتبر الجزء الذي نشر يمثل بالنسبة لروسيا جحيم دانتي في الكوميديا الإلهية.
وبهذا دخل غوغول في متاهة دينية ، ووجد نفسه غير قادر على اكمال الرواية. كتب غوغول في اعترافات مؤلف: "جلست لكي أكتب فوجدت نفسي غير قادر أن أكتب شيئاً . في كل مرة كنت أحاول الكتابة كان الموضوع ينتهي بمرض وتعب، إلى أن توقفت عن الكتابة لمدة طويلة".
خلال عشر سنوات كتب غوغول الجزء الثاني من روايته أرواح ميتة ( من 1842 لـ 1852 )، ولم يكن راضيا عن ما كتبه. وخطرت في دماغه فكرة أن الرب لسبب ما، لا يريد أن يكون غوغول هو من يرشد الناس لحياة أكثر خيرا. لكن على الرغم من ذلك قرر أنه يمكن أن يقوم بتوصيل الفكرة والعمل كمعلم وواعظ بدون أن يستخدم قدراته الفنية، فكتب "مختارات من مراسلاتي مع اصدقائي" (1847) وهي عبارة عن مجموعة من الخواطر. وكانت النتيجة بشعة جداً، حيث قام القراء والنقاد بمهاجمة الكتاب، وكان من ضمنهم الناقد الكبير بيلينسكي الذي كان معجبا بغوغول ومادحا له طوال الوقت، وكتب له جواب قال له فيه أنه بكتابه هذا أصبح "واعظ جلاد يدافع عن الظلمات و أبشع أنواع القهر". بهذا الهجوم شعر غوغول انه فعلاً مذنب كبير، وأن الرب تخلى عنه بالكامل، فأصيب بوسواس ديني وبدأ يكثر صلواته ويبعد أكتر عن الحياة والمجتمع، وفي عام 1848 ذهب إلى بيت المقدس لكي يحج لكنه لم يشعر بالراحة.
وعندما عاد إلى روسيا أخذ ينتقل من مكان إلى مكان إلى أن استقر في موسكو، وهناك قابل قسيسا متطرفا دينيا اسمه "الأب ماتفي كنستنينوڤسكي"الذي أدخل في دماغه أفكاراً تحريمية غريبة وسيطر عليه، وأمره بفعل أشياء غريبة، وكان منها أن يقوم بحرق مخطوط الجزء الثاني من روايته "الأنفس الميتة" الذي لم يكن قد نشره بعد، فحرق غوغول المخطوطات في منتصف الليل من يوم 24 فبراير / شباط سنة 1852، وبعدها بعشر أيام مات نتيجة الصيام المتواصل وهو مصاب بلوثة شبه جنونية، في 4 آذار/ مارس 1852 في مدينة موسكو.
المصدر: ويكيبيديا، أوكرانيا بالعربية