الاقتصاد الروسي يفقد توازنه وسط حرب طويلة وعقوبات قاسية

تشير هذه التطورات إلى أن روسيا لم تعد قادرة على إخفاء التكاليف الباهظة لحربها على أوكرانيا. فبينما لا يزال فلاديمير بوتين يُراهن على وهم تحقيق نصر استراتيجي
كييف/أوكرانيا بالعربية / تواجه روسيا بوادر أزمة اقتصادية عميقة تُهدد استقرارها الداخلي، في ظل استمرار عدوانها العسكري على أوكرانيا وتزايد حدة العقوبات الغربية المفروضة عليها، بحسب ما أوردته وكالة بلومبرغ ومجلة "فريدوم". وفي الوقت الذي يحاول الكرملين الحفاظ على صورة الصمود الاقتصادي، تكشف المعطيات والبيانات المستجدة عن تصدع خطير في البنية الاقتصادية المدنية، وتصاعد المخاطر داخل القطاع المالي.
ورغم أن روسيا تمكنت خلال السنوات الأولى للغزو من تفادي الانهيار الشامل عبر استغلال صادراتها من الطاقة، فإن الوضع بات الآن أكثر هشاشة، في ظل تراجع أسعار النفط، وارتفاع قيمة الروبل، ونقص العمالة، وتصاعد تكاليف الاقتراض. ويؤكد أليكس كوخاروف، المحلل الجيواقتصادي في "بلومبرغ إيكونوميكس"، أن مؤشرات التراجع بدأت تطال معظم القطاعات الحيوية، محذراً من أن تركيز موسكو على أولوياتها العسكرية يتم على حساب الاقتصاد المدني.
صناعة الفحم نموذج للشلل الصناعي:
يعد قطاع الفحم أحد أبرز ضحايا العقوبات الغربية؛ إذ فقدت روسيا أسواقاً تصديرية رئيسية، وموردي معدات صناعية عالية التقنية، وتم حرمانها من الوصول إلى التمويل الغربي، ما شلّ قدرات التحديث والإنتاج. وتبيّن أن بدائل المعدات الصينية ذات جودة متدنية ولا تُسلم إلا بعد فترات انتظار طويلة، في حين فشلت البدائل المحلية في تعويض الفجوة.
القطاع المصرفي يدق ناقوس الخطر:
أخطر ما يكشفه التقرير هو ما يحدث خلف الكواليس في المؤسسات المالية الروسية. فقد ناقش قادة أكبر البنوك في موسكو، في اجتماعات مغلقة مطلع يوليو، إمكانية طلب تدخل حكومي لإنقاذهم من أزمة قروض متعثرة. وتظهر وثائق داخلية اطلعت عليها بلومبرغ أن "الجودة الحقيقية" لمحافظ القروض أسوأ بكثير من الأرقام الرسمية المعلنة، ما يُنذر بأزمة سيولة وشيكة.
الإنفاق العسكري على حساب المدنيين:
يعتمد الكرملين بشكل متزايد على ميزانية عسكرية موسّعة تأتي على حساب الخدمات والقطاعات المدنية. وتُظهر البيانات أن الحكومة الروسية تضاعف ممارسات خطيرة مثل مصادرة الأصول الخاصة، حيث ارتفعت قيمة الأصول المصادرة بثلاثة أضعاف خلال العام الأخير فقط. هذه السياسة أثارت غضب مجتمع الأعمال، الذي يحذر من موجة تأميمات قد تدفع بالمستثمرين إلى الهروب الجماعي من السوق الروسية.
ويبدو أن الانقسام بدأ يتسرب حتى إلى أروقة السلطة. إذ تشير تحليلات إلى أن حاشية بوتين انقسمت إلى تيارين: أحدهما يواصل دعم الحرب مهما كانت التكاليف، والآخر يُدرك أن استمرار العدوان يقود البلاد نحو انهيار اقتصادي لا رجعة فيه، ويدعو إلى تقليص النفقات العسكرية.
وفي ظل استمرار العقوبات الدولية، وتوسع العزلة الجيوسياسية، وغياب أي بوادر لحل سياسي، يدخل الاقتصاد الروسي مرحلة الخطر الحقيقي، حيث لم تعد إجراءات الإنقاذ المؤقتة كافية لتدارك الانحدار، بل تُصبح بدورها وقودًا لتعميق الأزمة.
المصدر: أوكرانيا بالعربية
