كيفية التعامل مع موجة البرد والصقيع بقلم د. رامي أبو شمسية
كييف - اوكرانيا بالعربية / تعتبر موجات البرد أو الصقيع إحدى الظواهر المرتبطة، إما ببرودة الهواء، وإما بهبوب رياح باردة، على مناطق جغرافية واسعة. ولئن كانت المخلوقات الأخرى، من ذوات الدم الحار، تتمتع بطبقات من الشحم تحت الجلد والفرو فوقه، فإن الإنسان ليس كذلك. وتعرضه لها، خاصة في ظروف غير متوقعة، يُمكنه أن يتسبب بآثار صحية مباشرة، من أسوئها حصول انخفاض شديد في درجة حرارة الجسم والإصابة بعضات الصقيع، أو حصول تأثيرات صحية غير مباشرة، مثل نزلات البرد والإنفلونزا وارتفاع ضغط الدم والجلطات القلبية والتقلبات المزاجية النفسية كالاكتئاب واضطرابات النوم وعدم القدرة على ممارسة الرياضة البدنية وغيرها، ناهيك عن تأثيرات الصقيع والعواصف المُصاحبة في أجزاء البنية التحتية وتوفير الخدمات للناس من مياه وكهرباء، وعمل السيارات والمطارات وسلامة المحاصيل والمواشي وغيرها.
كبار السن هم الأكثر عُرضة للإصابة بحالات «انخفاض حرارة الجسم»، وتبعات وتداعيات ذلك، خاصة منهم مَن لا يتلقون تغذية صحية كافية أو ملابس سابغة أو تدفئة في مكان الإقامة. أو مَن يتناولون أدوية تُؤثر في انتظام عملية ضبط حرارة الجسم. ويشمل ذلك الأطفال الذين ينامون في غرف باردة، أو الذين يتركهم أهلهم يتعرضون لبرودة الطقس من دون رعاية ومراقبة مباشرة، سواء في المنزل أو المدرسة أو في الطرقات. ومما تجدر الإشارة إليه أن ثمة ما يُعرف بنسبة حرارة الرأس إلى حرارة الجسم. والأطفال لديهم مقدار أعلى، مقارنة بالبالغين، في نسبة حرارة الرأس إلى الجسم. أي أن حرارة رؤوس الأطفال أعلى من حرارة رؤوس البالغين، ما يجعلهم عرضة بشكل أكبر لفقد حرارة الجسم عند التعرض للأجواء الباردة وهم غير مرتدين قبعات أو كوفيات لتغطية رؤوسهم، لذا فإن أهم ما تحرص الأم عليه تغطية رأس ورقبة الطفل عند خروجه من المنزل. وثمة جوانب أخرى لدى الأطفال والمراهقين، تحول دون ارتدائهم ملابس مناسبة لتدفئة الجسم، كالرغبة في عدم إبداء الضعف أمام الغير ولكون الملابس الشتوية تعوق ممارستهم اللعب واللهو.
ويُعتبر البالغون ممن يُفرطون في تناول الكحول، ويفقدون القدرة على استشعار الأجواء من حرارة أو برودة أو تغيرات مناخية خطرة كالأمطار والعواصف، عُرضة أيضاً لتلك الحالات التي تطول حرارة الجسم بالانخفاض. ويُشير الباحثون من مايو كلينك، إلى أنه من المهم إدراك أن تناول الكحول أو استخدام الحشيش يُؤدي إلى توسيع الأوعية الدموية في الجلد، ما يجعل المرء يشعر بالدفء في أطرافه، وهو في الحقيقة يفقد مخزون حرارة الأجزاء الداخلية في الجسم، وبالتالي يكون عرضة للإصابة بانخفاض حرارة الجسم. ويُضيف الباحثون الأميركيون أن الكحول يُقلل من آلية عمل القشعريرة، التي تعمل على تدفئة الجسم، كما سيأتي.
والأهم، هم أولئك الناس الذين تضطرهم أعمالهم أو أوضاعهم للبقاء خارج المنازل أو المباني في الأجواء الباردة، أو من تنقطع بهم السُبل في الطرقات أو غيرها خلال تلك الموجات من الصقيع.
* الأطفال وكبار السن
ما يميز الأطفال هو سهولة وسرعة فقدهم الحرارة المكنوزة في أجسامهم، بالمقارنة مع الأصحاء البالغين. والإشكالية هي أن الإنسان حينما يفقد جزءاً من حرارته، فإن إحدى الآليات البدائية الأولية لإنتاج شيء من الحرارة لتعويض ما فقده، هي الرعشة أو القشعريرة. ذلك أن القشعريرة هي عبارة عن تكرار انقباض وانبساط عضلات صغيرة، يُؤدي إلى إنتاج طاقة حرارية تعمل على تدفئة الجسم. والأطفال لا يتوفر لهم عمل هذه الآلية بكفاءة تكفي لتزويد أجسامهم بالحرارة. ولحماية الأطفال ووقايتهم من وصول البرد إلى أجسامهم، يجب تدفئتهم عبر ارتداء ملابس سميكة واستعمال مواد توفر الدفء، وكذا تغطيتهم حال النوم أو الجلوس ببطانيات أو غيرها. وحينما تشتد الحاجة إلى الدفء، فإن جسم الأب أو الأم قادر على توفير حرارة للطفل من خلال إلصاقه أو تقريبه لجسد أي منهما. وفي حين أن الأطفال ليست لديهم مشكلة من إنتاج حرارة للجسم على المدى المتوسط، أي عبر عمليات التمثيل الغذائي (الأيض)، أو عبر الحركة البدنية والنشاط، فإن الحال لدى كبار السن ومرضى القلب والسكري وغيرهم ممن يُعانون من أحد الأمراض المزمنة، هو أسوأ، ذلك أن مستوى عمليات التمثيل الغذائي في أجسامهم متدن بالأصل، ونشاطهم البدني أقل، وكتلة العضلات لديهم هي الأخرى أقل، ما يتسبب بمشكلة في سهولة ودوام تأمين طاقة حرارية لأجسامهم، وبالتالي تتأكد ضرورة الحرص على عدم تعريضهم للبرودة الخارجية ما أمكن، والحرص أيضاً على تغذيتهم بما يُناسب أجسامهم للتزود بالطاقة وإنتاجها.
* الشوربة لا الشاي
هذا، وقد يكون ذا جدوى تناول المصاب مشروبات دافئة، وليس ساخنة، تعمل على رفع حرارة الجسم، ما لم تكن درجة الحرارة متدنية جداً. وآنذاك قد تكون مأكولات سائلة كالشوربة الدافئة أفضل وأكثر أماناً من مجرد المشروبات الساخنة. ومن الضروري التنبه إلى عدم إعطاء المُصاب حينئذ مشروبات ساخنة تحتوي على الكافيين كالقهوة أو الشاي. وهنا تُؤكد نشرات المركز القومي الأميركي للصحة البيئية على ألا يتم مطلقاً تقديم المشروبات الكحولية لهذا المُصاب بانخفاض حرارة جسمه. ومما هو شائع، وبصفة طبية خاطئة، اعتقاد البعض أن تناول المشروبات الكحولية شيء مفيد جداً لتدفئة الجسم، في حين أن المصادر الطبية لا ترى صحة وسلامة ذلك السلوك البتة، ومن البديهي التنبه إلى عدم تقديم أي مشروبات ساخنة لمَن لديه اضطرابات في مستوى الوعي.
ويجب الحذر من إجراء تدليك أو فرك لجسم المُصاب، بل من الضروري التعامل معه برفق. كما يجب عدم تعريضه للحرارة العالية مباشرة، سواء باستخدام الماء الحار أو الدفاية. ويحرص الشخص المُسعف على تكرار قياس درجة حرارة المُصاب للتأكد من التحسن وجدوى المعالجات المُقدمة إليه. وحينما ترتفع درجة حرارة الجسم، عن حد الخطر، يجب الاستمرار في إبقاء المُصاب جافاً ومُغطى جيداً ببطانيات جافة، بما يشمل الرقبة والرأس إضافة إلى بقية الجسم. وفي خلال ذلك كله، لا ينسى المُسعف أن يُواصل مسعاه لتوفير الخدمة الطبية للمُصاب.
المصدر : أوكرانيا بالعربية