أراضي أوكرانيا المحتلة...يوم إعادة التوحيد؟
كييف/ أوكرانيا بالعربية/ احتفلت روسيا في 28 أيلول/ سبتمبر مرة أخرى بما يسمى "يوم إعادة التوحيد" مع الأراضي التي تم احتلالها بشكل غير قانوني، بما في ذلك مناطق دونيتسك ولوهانسك وزابوريجيا وخيرسون. ويقدم الكرملين هذا باعتباره "استعادة للعدالة التاريخية"، ولكن بالنسبة للمجتمع الدولي فإن هذا اليوم يرمز إلى انتهاك القانون الدولي والعدوان الروسي المستمر ضد أوكرانيا. ووفقاً لميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الإنساني الدولي، فإن أي محاولة للضم، وخاصة من خلال استخدام القوة، تعتبر غير قانونية.
وأصبحت الانتخابات الروسية التي أجريت في الأراضي المحتلة بأوكرانيا في أيلول/ سبتمبر 2024 دليلاً آخر على محاولات إضفاء الشرعية على الاحتلال. إن الانتخابات المحلية في شبه جزيرة القرم وسيفاستوبول، مثل أي عملية سياسية يتم تنظيمها تحت سيطرة السلطات الروسية، لا تحظى بالاعتراف من قبل المجتمع الدولي. وتعتبر مثل هذه الانتخابات غير قانونية ولا تعكس المصالح الحقيقية للمواطنين الذين يعيشون في الأراضي المحتلة مؤقتا. وكما لاحظت منظمات حقوق الإنسان الدولية والاتحاد الأوروبي، فإن هذه الانتخابات تنتهك الأعراف الدولية وتؤدي إلى تعميق عزلة روسيا السياسية.
وبالإضافة إلى الضغوط السياسية، تقوم روسيا بشكل منهجي بقمع الحريات في الأراضي المحتلة. يتم التعبير عن ذلك في الاضطهاد الديني، عندما يتعرض المسيحيون الأرثوذكس والكاثوليك والمسلمون وممثلو الديانات الأخرى الذين لا يدعمون بطريركية موسكو للقمع. وتصبح المؤسسات الدينية أدوات قمع وسيطرة من قبل سلطات الاحتلال الروسية، وهو ما يذكرنا بعناصر الأنظمة الشمولية في الماضي.
أحد الجوانب الأكثر إلحاحًا للاحتلال الروسي هو الاستيعاب الثقافي القسري للأطفال الأوكرانيينـ حيث تحل الدعاية الروسية محل البرنامج التعليمي الأوكراني بشكل فعال في مدارس المناطق المحتلة، وتستبدله بمواد دعائية. وتهدف الكتب المدرسية الروسية إلى عسكرة الشباب، ومحو الهوية الأوكرانية، وإعداد الأطفال للمشاركة المحتملة في الأعمال العدائية. على سبيل المثال، يتم إدخال مواضيع مثل "أساسيات الأمن والدفاع عن الوطن" في المدارس، مما يؤكد على أهمية "الدفاع عن الوطن" ويبرر العدوان الروسي. وهذا انتهاك واضح للقانون الإنساني الدولي واتفاقيات جنيف التي تحظر عسكرة الأطفال تحت الاحتلال.
في 11 سبتمبر 2024، وافقت روسيا على "استراتيجية جديدة لسياسة الدولة الثقافية"، والتي تحدد مهمة دمج الأراضي الأوكرانية المحتلة في الفضاء الثقافي والإنساني الروسي. وهذا تأكيد آخر على سياسة الترويس المنهجية والاستيعاب الثقافي التي تهدف إلى تدمير الهوية الأوكرانية. تعمل الحكومة الروسية بنشاط على تعزيز سياسة تغيير التركيبة العرقية للسكان في الأراضي المحتلة، وترحيل الأوكرانيين ونقل المواطنين من المناطق النائية في روسيا. وهذه محاولة سافرة لمحو التراث الثقافي لأوكرانيا وإخضاع هذه الأراضي بالكامل للسيطرة الروسية.
كما يتم اتباع سياسة التعبئة القسرية بنشاط. منذ بدء الغزو واسع النطاق في عام 2022 أُجبر أكثر من 90 ألف مواطن أوكراني على الخدمة في الجيش الروسي، ويرافق هذه الإجراءات فرض الجنسية الروسية، وهو ما يشكل انتهاكا للأعراف الدولية. يمكن اعتبار منح الهوية والتعبئة القسرية جزءًا من استراتيجية الإبادة الجماعية للشعب الأوكراني.
ولا يمكن أن تكون سلامة أراضي أوكرانيا موضوعا للتسوية. إن التحرير الكامل لجميع الأراضي الأوكرانية، بما في ذلك شبه جزيرة القرم، شرط مهم لاستعادة السلام والاستقرار في أوروبا. في الجمعية العامة للأمم المتحدة، قدم رئيس أوكرانيا فولوديمير زيلينسكي خطة النصر، التي تستند إلى مبادئ القانون الدولي وتقترح أيضًا آليات محددة لإعادة جميع الأراضي المحتلة في أوكرانيا. تعد مبادرة السلام التي أطلقها فولوديمير زيلينسكي، والمعروفة باسم صيغة السلام، والتي يدعمها العديد من الشركاء الدوليين، خطوة مهمة نحو تحقيق سلام عادل ومستدام، وهي تقوم على المبادئ الدولية، بما في ذلك السيادة والسلامة الإقليمية واحترام حقوق الإنسان. وتؤكد صيغة السلام على أهمية إنهاء احتلال جميع الأراضي الأوكرانية، وهو ما يتوافق مع ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي الذي يحظر ضم الأراضي بالقوة.
ويلعب المجتمع الدولي دورا حاسما في ضمان عملية سلام عادلة، بما في ذلك عودة الأراضي الأوكرانية. ولا يقتصر الدعم لأوكرانيا على المساعدة العسكرية فقط، بل يشمل أيضًا الضغط الاقتصادي والدبلوماسي على روسيا، مما يساعد على تحقيق أهداف خطة السلام. وفي هذا السياق، تمثل صيغة السلام التي طرحها زيلينسكي خارطة طريق لاستعادة سيادة أوكرانيا وإنهاء العدوان الروسي.
يلعب الدعم الدولي لصيغة زيلينسكي للسلام وخطة النصر المقدمة في قمة السلام الأولى والجمعية العامة للأمم المتحدة دورًا رئيسيًا في ضمان قدرة أوكرانيا على استعادة أراضيها وتحقيق سلام عادل ومستدام. وإذا لم يدعم العالم أوكرانيا في سعيها لاستعادة أراضيها، فقد يمتد العدوان الروسي إلى ما هو أبعد من حدود أوكرانيا. إن فلاديمير بوتن، الذي يسعى إلى إرضاء طموحاته الإمبراطورية، يشكل تهديداً ليس فقط لدول ما بعد الاتحاد السوفييتي، بل وأيضاً لأوروبا بالكامل. وبدون مقاومة نشطة، قد تشعر روسيا بالإفلات من العقاب وتستمر في التوسع في مناطق أخرى. وهذا سيشكل سابقة خطيرة تهدد الأمن والاستقرار العالميين. إن دعم أوكرانيا الآن لا يتعلق بالعدالة فحسب، بل يتعلق أيضاً بحماية أوروبا والعالم أجمع.
المصدر: أوكرانيا بالعربية