أوكرانيا بالعربية | شروط الإذعان الأمريكية على مصر... بقلم د. عادل عامر
كييف/أوكرانيا بالعربية/إن حجم المساعدات الأمريكية لمصر كانت تقدر بـ 2.1 مليار دولار، وهي تنقسم إلى 815 مليون دولار مساعدات اقتصادية و1.3 مليار دولار مساعدات عسكرية، وبداية من عام 1999 بدأت الولايات المتحدة في تخفيض المعونة الاقتصادية بواقع 40 مليون دولار سنوياً، وبموجب هذا التخفيض السنوي المستمر تقلصت المساعدات الاقتصادية لمصر لتصبح 407.5 مليون دولار في عام 2009، ثم انخفضت إلى 250 مليون دولار عام 2010 والذي اعتبر آخر عام في المساعدات الاقتصادية الأمريكية.
كنا نظن أن أمريكا تعلّمت الدرس، وأدركت خطأ دعم الأنظمة المستبدة ضد شعوبها، وأنها ستفتح صفحة جديدة تنحاز فيها إلى المبادئ التى تتشدّق بها ولا تطبّقها. وكنا نظن أن واشنطن سوف تدرك أن الضمان الحقيقى لمصالحها فى المنطقة هو أن تقيم علاقة صداقة حقيقية مع شعوب المنطقة، علاقة تحترم فيها استقلال الدول، ويكون التعاون لا التبعية هو الطريق الذى يضمن الصداقة ويحقّق مصالح الجميع. وتشير الدراسات إلى أن 80 بالمائة من المساعدات تعود مرة أخرى للولايات المتحدة، عن طريق التعاون الإجباري مع العديد من الشركات الأمريكية التي استفادت من خلال تصريف منتجاتها المرتفعة سعراً والمنخفضة كفاءة عن مثيلاتها العالمية. وهذه المساعدات جعلت من الولايات المتحدة المستثمر الرئيسي في قطاعات الإنتاج والخدمات، إلى جانب انعدام التأثير الإيجابي على الاقتصاد المصري، فقد ثبت أنها تصب في مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية، وأن ضررها أكثر من نفعها على الاقتصاد والمواطن في مصر. وفيما تستمر المساعدات العسكرية البالغ حجمها 1.3 مليار دولار سنويا، والتي تساعد في تعزيز الأهداف الإستراتيجية الأمريكية في المنطقة، رغم أنها لا تمثل سوى 0.6 بالمائة من الناتج المحلي المصري، نجد أنها تشكل في كثير من المواقف ورقة ضغط على القيادة المصرية. لكن الأحداث تقول إن واشنطن لم تغيّر سياستها، وأنها ما زالت ترى أن مصالحها تتعارض مع مصالح الشعوب العربية، وأن كل ما عليها أن تفعله بعد الثورات التى اجتاحت المنطقة هو أن تعيد إنتاج أنظمة مستبدة بدلًا من الأنظمة التى سقطت، ولهذا وجدت فى حكم الإخوان كنزًا استراتيجيًّا جديدًا قدّم لها من التنازلات ما لم تكن تحلم به، وما لم يقدّمه حتى النظام السابق!! ومن هنا كان الرهان الأمريكى على النظام الجديد، وكان الدعم المستمر له حتى وهو يبطش بالثوار ويغتصب الثورة ويضع مصر على حافة الإفلاس والفوضى.
ومع ذلك فهذه المساعدات لم تمنح واشنطن أي نفوذ على القوات المسلحة التي تحركت وفق إرادة الشعب الثائر، رغم التهديدات والضغوط التي تمارس على قيادات مصر ما بعد 30/6. والولايات المتحدة تستخدم سلاح القروض من صندوق النقد والبنك الدوليين، بحكم السيطرة الفعلية للإدارة الأمريكية على مثل هذه المؤسسات، فهي تدفع الدول المقترضة إلى اتجاه سياسي واقتصادي يخدم المصالح الأمريكية، على أن تتدفق الاستثمارات الأجنبية على الأسواق والتي تكون أغلبها أمريكية، وكل ذلك خصما من الاقتصادي الوطني. ويعد الجانب العسكري من أهم أهداف المعونة الأمريكية ويبدو واضحا من خلال التركيز على أهمية التنسيق العسكري وضرورة الاشتراك في الترتيبات الأمنية بالمنطقة بالإضافة إلى المناورات العسكرية المشتركة وكان ضمن قانون المساعدات الخارجية الأمريكية لعام 91 ضرورة إجراء مناورات "النجم الساطع" وتقديم خدمات للبحرية الأمريكية في قناة السويس. وساعدت الحكومة المصرية على تزايد استفادة الولايات المتحدة الأمريكية من المعونة الأمريكية بل وساهمت في خفض مكانة مصر لدى الولايات المتحدة نتيجة المواقف السياسية التي اتخذتها مصر في الفترة الأخيرة، حيث لعبت مصر دورا مهماً في حماية المصالح الأمريكية بالمنطقة فحظيت بسعر مرتفع، ومن أهم الأدوار التي لعبتها مصر في هذه الفترة كان الدور الحاسم فيما يسمى بحرب الكويت حيث باركت مصر هذا العمل وهو ما جذب باقي الدول العربية والإسلامية للدخول في التحالف ، واستفادة مصر من هذا الدور بإسقاط ديونها العسكرية لأمريكا. ولكن من الناحية السياسية كان موقف مصر يعد انقلابا في السياسة الخارجية المصرية حيث فتحت مصر مجالها البحري والبرى والجوى للقوات الأمريكية وبعض التقارير أكدت استخدام قاعدة أمريكية في مصر في هذه المرحلة. ورغم استفادة مصر -اقتصاديا- في هذه المرحلة إلا أن هذا الموقف أدى إلى خفض سعر مصر طول السنوات التي أعقبت حرب الكويت بعد أن تواجد الأمريكان في منطقة الخليج وأصبح هناك إمكانية للاستغناء عن الدور المصري للقيام بالدفاع عن المصالح الأمريكية في المنطقة العربية خاصة منطقة الخليج. وقد شهدت الفترة من 91 إلى 2003 تشددا أمريكيا ومطالبات عديدة بمراجعة المعونة الأمريكية لمصر وتحويلها إلى علاقات تجارية بدلا من المعونة بعد أن فقدت مصر مكانتها الإستراتيجية بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية وأدى ذلك إلى خفض المعونة الأمريكية الاقتصادية لمصر بنسبة 50% وبمعدل 5% سنويا حتى نهاية العام 2009 ثم يعاد النظر في هذه المعونة مرة أخرى مع الإبقاء مؤقتا على المعونة العسكرية والتي من المنتظر أن يحدث تخفيض لها أيضا.
وبعد غزو العراق فقد شهدت تدهورا غير مسبوق لمكانة مصر الإستراتيجية نتيجة للسياسة الخارجية المصرية، فبالرغم من سعي مصر إلى توقيع اتفاقية شراكة مع الولايات المتحدة الأمريكية، إلا أن الأمر اقتصر على اتفاقية (الكويز) فقط والتي تتضمن دمجاً جزئياً للاقتصاد الإسرائيلي في الاقتصاد المصري وهي محاولة لزيادة درجة التطبيع بين مصر وإسرائيل، وهو يتضمن ضمنيا الاعتراف المصري بالقدس كعاصمة لإسرائيل. كذلك سلاح تمويل منظمات المجتمع المدني، وباعتراف السفيرة الأمريكية لدى القاهرة آن باترسون منحت الولايات المتحدة بعض المنظمات والحركات 40 مليون دولار دون علم الحكومة المصرية، في مخالفة صارخة للاتفاق المبرم بأن تقتصر المنح على الجمعيات والمنظمات المسجلة بوزارة التضامن الاجتماعي أو التي تخضع للأجهزة الرقابية في مصر. والمصريون يدركون كل هذه الحقائق، الى جانب ما تحمله سياسة "العصا والجزرة" التي ترتكز عليها الولايات المتحدة في علاقاتها مع دول المنطقة، لحماية المصالح الأمريكية من خلال نظام يحقق لها ما تريد، ودائما تتجاهل احتياجات الشعوب، وتلتزم فقط بترديد الشعارات واستخدام المصطلحات البراقة. ويعلمون أن صفحات التاريخ سطرت الكثير من المواقف التي حققت خلالها مصر كثيرا من الإنجازات التي يستفيد منها المواطن المصري، وتعزز من قدرات الأمن القومي، بعيدا عن الولايات المتحدة، واليوم وبعد 25 يناير أصبحوا أكثر ثقة في قدرتهم على فرض رؤيتهم على مستقبل العلاقات بين البلدين. يبرز دور مؤسسات العولمة الإمبريالي بقوة خلال الفترة الأخيرة. فمنظمة التجارة العالمية مثلاً تقوم بالدور الرئيسي في تحرير التجارة بين الدول الأعضاء. فهي تفتح الأسواق الدولية أمام السلع، وتتيح للرأسمالية العالمية توسيع أسواقها بدون قيود جمركية، كما أن اتفاقية حماية حقوق الملكية الفكرية، والتي تحظر على الدول إنتاج الماركات العالمية دون شراء التصريح بذلك من الشركات الدولية بأسعار باهظة، تتيح لبعض الشركات الكبرى على مستوى العالم وضعاً احتكارياً تجنى من وراءه أرباحاً طائلة. ويصبح أثر ذلك كارثياً على الفقراء في صناعة الدواء مثلا،ً إذ تتجاوز أسعار بعض الأدوية المستوردة الحدود الممكنة لقطاعات كبيرة من الفقراء، مثل أدوية وباء الكبد مثلاً والذي ينتشر في الدول الفقيرة نتيجة التلوث وانعدام الرعاية الصحية، ومع ذلك يحظر إنتاجه محلياً بأسعار في متناول الفقراء، ومخالفة ذلك يؤدى إلى توقيع عقوبات اقتصادية رادعة.
د. عادل عامر
دكتور في الحقوق وخبير في القانون العام
رئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية
عضو المعهد العربي الأوروبي للدراسات الإستراتجية
والسياسية بجامعة الدول العربية
المصدر: أوكرانيا بالعربية