أوكرانيا بالعربية | مصــــــر فــــوق صــفـــيـــح ســـــاخــن... بقلم حسن زايد
كييف/أوكرانيا بالعربية/هناك العديد من القوي الإقليمية والدولية التي ترغب في استمرار مصر رجل مريض ، لا تُعْطَي الدواء فتشفي ، ولا تُتْرك بدونه فتموت . وما من وقت مر علي هذا البلد شمَّ فيه أنفاسه، وحاول أن ينفض عنه الغبار لينهض من وهدته ، ويذود عن حياضه ، ويأخذ مكانه الطبيعي تحت الشمس ، باعتبار المكانة التاريخية ، والإرث الحضاري ، والموقع الإستراتيجي ، إلا وتكالبت عليه تلك القوي . وفي الماضي القريب تجد أن هذه القوي تكالبت علي مصر بعد أن هددت انتصارات القائد العظيم إبراهيم باشا ـ ابن محمد علي ـ الباب العالي في تركيا ، وهزت كيان التوازن الأوروبي هزاً ، وهددت السلم والأمن الأوروبيين ، فأجبرت هذه القوي محمد علي عَلَي قبول معاهدة لندن سنة 1840 م . وقد سبقت محمد علي الحملة الفرنسية ( 1798م ـ 1801 م ) ، ولحقه الإحتلال الإنجليزي لمصر (1881م ـ 1954 م ) . وقد كانت ثورة يوليو 1952 م هي الحلم الذي سعي من خلاله الشعب لوضع مصر في مكانها اللائق محلياً وعربياً وإفريقياً ودولياً ،فكان جزاء ذلك ضربها في 1956م من خلال ما يعرف بالعدوان الثلاثي . ثم كانت الضربة القاصمة التي استهدفت بقاء مصر منبطحة لسنوات عديدة في 1967م بمساندة ومباركة من راعي البقر الأمريكي .
ثم تحجيم وتقزيم انتصار اكتوبر 1973م بتدخل مباشر في أرض المعركة من جانب أمريكا . وقد بدأ تقليم أظافر مصر بإلقاء99% من أوراق اللعبة في الشرق الأوسط في حجر راعي البقر الأمريكي الذي تنقصه رقة الحضارة بتعبير الرئيس المصري الأسبق محمد نجيب . فخفت ضوء الدور المصري وذبل لمعانه علي مستوي منظمة الوحدة الأفريقية ، ومنظمة عدم الإنحياز ، ومنظمة المؤتمر الإسلامي باعتبار مصر من الدول المؤسسة لهذه المنظمات ، وعادت إلي دور الرجل المريض . وقد نسينا إبان فترة حكم الرئيس الراحل أنور السادات وطوال فترة حكم مبارك مقولة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر " اذا رأيتم أمريكا ترضى عنى وتؤيدنى فاعلموا أنى أسير فى الطريق الخطأ " . لا لشيء سوي لأن الأمريكان لا يتعاملون إلا بمنطق راعي البقر الذي عرفناه في الأفلام الأمريكية . لا يرضون إلا عمن يعمل لمصلحتهم وحسب .
ولما أصبح حكم مبارك يمثل عبئاً عليهم لشيخوخة نظامه وعدم قدرته علي التكيف مع المتغيرات الجديدة ، وفي ظل سياسة الفوضي الخلاقة التي ابتكرتها عقلية راعي البقر الأمريكي الذي يفتقر إلي رقة الحضارة ، كانت المفاوضات غير المعلنة ما بين الإخوان والأمريكان للحلول محل الأنظمة التقليدية التي تكلست في أماكنها في المنطقة العربية . ومثل الإخوان حصان طروادة للأمريكان في ثورات الربيع العربي ، إلا أن الخطة قد فشلت لأن سكان مصر لم يسكروا ، ولم يتسن للإخوان بعد خروجهم من الحصان أن يفتحوا أبواب مصر للجيوش الغازية . فكانت الثورة الثانية التي أطاحت بالحصان وسكانه ، ودخلت مصر في أتون معركة حامية الوطيس ، حيث الحدود ملتهبة ، والنيران في الداخل مشتعلة ، ومؤامرات الخارج تصب الزيت علي النيران المستعرة . ففضلاً عن الحرائق التي يشعلها الإخوان وتابعيهم وتابعي تابعيهم في الداخل ، من اغتيالات وتفجيرات ، إلي مظاهرات تخريبية تستهدف الأملاك العامة والخاصة ، وتستهدف الأنفس من المواطنين والشرطة والجيش ، وتعمد إلي تعطيل الأنشطة الإقتصادية والسياحية والتعليمية بقصد إسقاط الدولة بعد إفشالها . صحيح أن العديد من هذه المخاطر يجري وأدها في المهد بفضل الإجراءات الأمنية من جانب الشرطة والجيش إلا أن بعضها يفلت قبل الإمساك به . سنجد أن الحدود المصرية ملتهبة ، فنظرة علي الحدود الشرقية سنجد أن الذراع العسكرية لجماعة الإخوان متمثلة في حركة حماس رابضة هناك ، متنمرة في سبيل نجدة التنظيم فضلاً عن مشاركتها الفعلية في أنشطة ضد الدولة المصرية إبان ثورة يناير من ناحية ، وبعد سقوط الإخوان في ثورة يونية من ناحية أخري ، بل إنها متورطة بلا شك في أعمال عدائية ضد الجيش المصري في سيناء، سواء بالمشاركة الفعلية في العمليات عن طريق كتائب عز الدين القسام ، أو عن طريق دعم جماعات أخري منبثقة عنها أو ممثلة لتنظيم القاعدة مالياً وتدريبياً ولوجستياً. بل إن بعض عناصرها تورطت في أعمال إرهابية داخل الدلتا . ويقف وراءها مستخفياً علي ذات الحدود الإسرائيليون . فالدولة الصهيونية لا تضمر لمصر خيراً رغم ما قد يبدو علي السطح من سلام ظاهري بين البلدين . خاصة أن ثورة يونية قد أفشلت المخطط الصهيو أمريكي بالتعاون مع الإخوان في حل مشكلة قطاع غزة علي حساب شبه جزيرة سيناء . ونظرة علي الحدود الغربية مع ليبيا سنجد أن الوضع في ليبيا غير مستقر ، وأن القطاعات القبلية تلعب أدواراً متباينة لمصالح عصبية بعيداً عن مفهوم الدولة الحديثة . زد علي ذلك هيمنة جماعة الإخوان وبعض التيارات المتطرفة علي المشهد السياسي فيها . دعك من طوفان الأسلحة بالعيارات والأنواع المختلفة الذي أغرق مصر لحساب الإخوان والجماعات الإسلامية المختلفة ، وذلك في أعقاب سقوط القذافي ، سواء علي سبيل الدعم أو التجارة أو كليهما معاً . ولكن الأخطر من ذلك أن هذه الجماعات تمثل مخزوناً استراتيجياً من الإرهابيين يمكن توريده إلي مصر لمناصرة جماعة الإخوان في تنفيذ مخططها الفوضوي لإستعادة سدة الحكم في مصر .
ومن وراء ليبيا تربض تونس المحكومة حالياً بالنظام الإخواني الذي يمثل ظهيراً للجماعة الأم . وآخر تجليات المظاهرة تصريحات الغنوشي بشأن توفير اللجوء السياسي لأعضاء الجماعة الفارين من مصر . وبالنظر جنوباً سنجد نظام البشير الإخواني في السودان ، فالأصل في هذا النظام كان الإنقلاب العسكري الإخواني الذي قام به البشير / الترابي منذ 1989 م . وهذا النظام يمثل حالياً الملاذ الآمن للفارين من المطلوبين للعدالة من نظام الإخوان ، فضلاً عن كونها مصدراً مهما لتوريد السلاح لمعاقل الجماعة الإسلامية في صعيد مصر ، بخلاف المناوشات التي يثيرها حالياً حول منطقة حلايب. ومن وراءها ستجد أثيوبيا بموقفها المشبوه بشأن سد النهضة ، ودخول قطرعلي خط التمويل لإفشال المفاوضات حول الترتيبات الممكنة بما لا يضر بمصالح مصر. وإلي جانبها تجد الصومال الممزق بين فرق الإسلام السياسي بما يلقي بظلاله الكئيبة علي الحدود الجنوبية . لم يتبق سوي الحدود الساحلية الشمالية التي تطل علي البحر المتوسط الذي يربض فيه الأسطول الأمريكي من ناحية ، ودول الجنوب الأوروبي التي تسير حالياً في ركب الموقف الأمريكي المعادي لثورة يونيه من ناحية أخري . أما عن مؤامرات الخارج فحدث ولا حرج عن الموقف القطري والموقف التركي والموقف الإيراني والموقف الأمريكي علي رأسهم . فهذه القوي تعيد مشهد القوي الدولية التي تآمرت علي محمد علي ، وكذا علي مصر عبد الناصر ، وإن اختلفت المسميات والآليات والأهداف . فإذا كانت مصر قد خرجت من حقبة زمنية تم تجريف الحياة خلالها ، وجري تبديد كافة أرصدة القوة لديها فيها ، بحيث أصبحت حقاً تمثل حالة الرجل المريض الذي يحتاج إلي الدواء الشافي حتي يتعافي من أمراضه ، ويسترد صحته . ومصر بعد إنجاز استحقاق الدستور في خارطة المستقبل ، يتبقي أمامها استحقاقين هما : الإنتخابات الرئاسية ، والإنتخابات البرلمانية ، وبهما تستكمل أدوات النهوض وآلياته . تُري : من هو الرئيس القادم الذي لديه القدرة والكفاءة والفاعلية للتعامل مع هذه الملفات في ظل الضغوط الأمريكية لمنع الفريق السيسي من الترشح خشية ظهور محمد علي أو ناصر جديد في هذه المنطقة من العالم ؟ .
حسن زايد
كاتب عربي ومدير عام
المصدر: أوكرانيا بالعربية