أوكرانيا بالعربية | مصر بين الملك والرئيس... بقلم حـسـن زايـد

جاءت زيارة الملك السعودي عبدالله بن عبد العزيز لتسجل تاريخياً أول زيارة يقوم بها رئيس أو ملك إلي مصر بعد ثورة يونيه ، وقد كان الرئيس السيسي قد أعلن من قبل في أحد لقاءاته المتلفزة ـ قبل أن يصبح رئيساً ـ أن أول بلد سيزورها حال انتخابه رئيساً هي السعودية . وإذا كان رجال السياسة يقولون بأن العلاقات بين الدول ليس فيها صداقات دائمة ولا عداوات دائمة ، وإنما توجد مصالح دائمة

كييف/أوكرانيا بالعربية/جاءت زيارة الملك السعودي عبدالله بن عبد العزيز لتسجل تاريخياً أول زيارة يقوم بها رئيس أو ملك إلي مصر بعد ثورة يونيه ، وقد كان الرئيس السيسي قد أعلن من قبل في أحد لقاءاته المتلفزة ـ قبل أن يصبح رئيساً ـ أن أول بلد سيزورها حال انتخابه رئيساً هي السعودية . وإذا كان رجال السياسة يقولون بأن العلاقات بين الدول ليس فيها صداقات دائمة ولا عداوات دائمة ، وإنما توجد مصالح دائمة . وأن علاقات الدول لا تحكمها علاقات الحب أو علاقات الكراهية ، وإنما تحكمها المصلحة .
فإن العلاقة بين المملكة السعودية ومصر قد تجاوزت هذه المقولات ، وكسرت تلك التابوهات . فرغم الخلاف المصري السعودي إبان فترة الرئيس الراحل عبد الناصر ، نتيجة إختلاف الرؤي والتوجهات والأيديولوجيات الحاكمة ، ورغم أن الرئيس الراحل أنور السادات كان الإمتداد الطبيعي ـ في السنوات الأولي علي الأقل ـ لفترة الحكم الناصرية بإرثها كله ، وكان يستمد شرعيته من شرعية ثورة يوليو ، رغم كل ذلك ، وقف الملك فيصل ـ رحمه الله ـ موقفاً تاريخياً من حرب اكتوبر، حين قطع البترول عن أمريكا والغرب ـ في تحدي غير مسبوق ـ انتصاراً للإرادة المصرية في المعركة . وقد جاء الملك عبدالله ليستكمل مشهد تلك الملحمة الملهمة ، حين أعلن من أول لحظة انحيازه للشعب المصري في اختياره في 30 يونيه 2013 م . ولم يكن ذلك الإنحياز معنوياً فقط ، أو دبلوماسياً فقط ، وإنما موقفاً إقتصادياً فاعلاً يحول دون سقوط مصر الدولة في براثن الفشل والإنهيار ، لقد أعلنها هو وأشقاؤه الخليجيين ـ فيما عدا دويلة قطر ـ بأنهم لم ولن يسمحوا بسقوط مصر . وكان هذا الموقف النبيل ـ أيضاً ـ موجهاً للغرب وأمريكا وأذنابهما ممن يسعون لإسقاط مصر وتجويعها .
ولم تسقط مصر رغم كل شيء . ثم جاء الملك عبد الله إلي مصر في طريق عودته إلي السعودية من فترة نقاهة قضاها بالمملكة المغربية في زيارة تم الترتيب لها علي عجل . لم يكلف أحد نفسه مشقة التفكير في الداعي الذي دعي ملكاً مريضاً ـ وطاعناً في السن ـ عائداً لتوه من رحلة نقاهة إلي الهبوط في مصر. هل فعل ذلك ليهين مصر وشعبها بعدم نزوله من الطائرة ؟ . وهل هو في حاجة إلي إهانة مصر ؟ . بالقطع وعلي وجه اليقين لم يهبط الملك عبدالله من الطائرة إلا لسبب آخر غير إهانة مصر وشعبها ، فالرجل لم يهبط لأسباب صحية معلومة يقدرها شعب مصر ، ومن أجلها يترفع عن قواعد البروتوكول والأعراف الدبلوماسية . ونسي من قال بالإهانة أن الرجل ما هبط بطائرته في مصر إلا ليعلن للعالم أن مصر في موضع القلب منه ، ومن المملكة السعودية . وهو ليس بحاجة إلي إهانة مصر وأهلها حتي باعتبار المصلحة ، التي يتشدق بها هؤلاء ، كعلة أصيلة للمساندة السعودية الخليجية  ، فالمنطق يقول بأن المرء لا يسعي إلي إهانة من يحتاجه ، علي الأقل حتي تنتهي الحاجة وتنقضي . أما صعود الرئيس السيسي له فهو صعود لمن يقدر حجم مصرودورها ، صعود لمن يحرص علي عدم سقوط مصر وفشلها ، صعود لمن يدرك أن مصر عامود خيمة العرب الذي لو سقط ما بقيت هناك خيمة ولا عرب . إنه صعود لمن يمد يده ـ تقديراً وعرفانا ، لا مناً وإحساناً ـ كي ينتشلني من السقوط لأصعد به وأحول دون سقوطه . وصعود الرئيس السيسي للطائرة لا ينطوي مطلقاً علي أي قدر من الإهانة لمصر ، وإنما صعود بها إلي مكانتها الرفيعة التي تتجاوز بها القواعد البروتوكولية حين تتصرف كشقيقة كبري . صحيح أن الطائرة سعودية ، وقد تُعدُّ في القانون الدولي أرضاً سعودية ، إلا أنها أرضاً سعودية اعتبارية يحتويها قلب القاهرة .
فكأنك في الإنتقال إليها كمن ينتقل في القاهرة من حي إلي حي ، ومن شارع إلي شارع مجاور . وليس هذا من قبيل التبرير للموقف ، لكنه كلام قال به البعض تنظيراً قانونياً ، حيث ذهب هذا البعض إلي القول أن الطائرة تعد أرضاً سعودية طالما كانت محلقة في الجو ، أما وقد هبطت إلي أرض المطار فقد فقدت هذه الصفة . وبغض النظر عن هذا الكلام أو ذاك فإن القواعد الدبلوماسية تخضع لقاعدة المعاملة بالمثل ، أي أنها متغيرة وليست ثابتة ، ولا يوجد أجدر من الملك عبدالله كي تُغير هذه القواعد من أجله ، لأنه رجلاً يحب مصر . أما القول بأن الرئيس السيسي بصعوده إلي متن الطائرة عُدَّ ضيفاً لا مُضيفاً فهو كلام لا معني له من الناحية الواقعية ، لأن النظرة الواقعية تنطق بحقيقة الموقف كما يدركه الناس وهي أن الملك عبدالله حل ضيفاً علي مصر . وقد رحبت مصر به علي طريقتها الخاصة متمثلة قول الشاعر الليبي : يا ضيفنا لو جئتنا لوجدتنا نحن الضيوف وانت رب المنزل .
ثم يتعين أن ننظر إلي الموقف بنظرة الإدارة بالأهداف ، فلا نترك الزيارة وأهدافها وغاياتها ، وما تحققه من نفع لمصر ، والسعودية والدول العربية ، ثم نتحدث عن قواعد البروتوكول والتمسك بأهدابها الواهنة . وإن كان لنا أن نتحدث في هذا الإطار فالعدالة تقتضي النظر لزيارات مرسي الخارجية التي حطت من قيمة مصر وقدرها ، وقيل يومها أن الرجل متواضعاً . أما زيارات الرئيس السيسي ـ أيام كان وزيراً للدفاع ـ فقد أعادت إلي مصر مكانتها الدولية . وما أثير حول هذا الموضوع ما أثير إلا من متربصين يتصيدون توافه الأمور وينحرفون بها حتي تخدم توجهاتهم وأغراضهم ، وهي التشويش علي مصر والإساءة لها ، والدليل علي ذلك انحرافهم بقبلة السيسي التي وضعها علي جبين الملك إلي تقبيلاً لرأسه ، وتذكروا عدم هبوط الملك ، وصعود الرئيس ، ولم يتذكروا اعتذار الملك ، وقوله للسيسي : " أنا آسف " . وأبرزها التلفزيون السعودي . والواقع أن موقف هؤلاء يذكرني بموقف أحد الفلاسفة حين سأله سائل عن لزوم التفلسف ، فأجابه الفيلسوف قائلاً : إذا لزم التفلسف فلابد أن نتفلسف ، وإذا لم يلزم التفلسف فلابد أن نتفلسف لكي نثبت عدم لزوم التفلسف . المهم أن نتكلم وننتقد ونتواجد علي الساحة .
حسن زايد كاتب مصري ومدير عام 
المصدر: أوكرانيا بالعربية

Поделиться публикацией:
Главные новости
Экономика
Турция не будет возобновлять работу российской платежной системы "Мир"
В мире
Израиль нанес десятки ударов по югу Ливана
Разное
Россия нарушает Женевские конвенции. Казни и пытки украинских военнопленных
Ищите нас на Twitter

© Ukraine in Arabic, 2018. All Rights Reserved.