أوكرانيا بالعربية | جُــمْهُــــورِيـّــة الْــعُمْـــيَـــان... بقلم حسن زايد
كييف/أوكرانيا بالعربية/الفقه الإسلامي فيه أكثر من مذهب من مذاهب الفقه ، كان أولها المذهب المالكي ، ولو أن الإمام مالك حمل الناس علي مذهبه قسراً باعتباره الإسلام لما كان للمذاهب الأخري وجود . إلا أنه لم يدَّع لنفسه ، ولم يدَّع تلامذته له أو لأنفسهم إحتكار الحقيقة ، ولم يدَّع لنفسه ، ولم يدَّع تلامذته له أو لأنفسهم إحتكار الحديث باسم الإسلام . وما ينسحب علي الإمام مالك ينسحب علي باقي الأئمة العظام . وتلمس ذلك في أقوالهم ، فقد قال الإمام مالك : " كُلُّ أَحَدٍ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ وَيَرُدُّ إِلَّا صَاحِبَ هَذَا الْقَبْرِ".
ويقصد بصاحب القبر النبي محمد صلي الله عليه وسلم لكونه معصوماً . وقال الإمام الشافعي : " رأيي صَوابٌ يَحتَمِلُ الخَطأ،ورأيُ غَيري خَطأ يَحتَمِلُ الصَّوابَ " . إذن فلا محل للزعم باحتكار الحقيقة المطلقة ، ولا محل للزعم بأن رأياً ما هو الإسلام فيما يَحتَمِلُ الظن من المسائل . وما ينطبق علي أصحاب هذه المذاهب لا ريب في انطباقه علي حسن البنا ورفاقه وأتباعه ، مع أنه لا وجه للمقارنة بين هؤلاء وهؤلاء . والمقارنة هنا تستهدف المقاربة للأفهام . إذن فالبنا ورفاقه وأتباعه ليس لهم إحتكار الحقيقة ، وليس لهم احتكار التحدث باسم الإسلام ، فقولهم يؤخذ منه ويُرَد ، ويَرِدُ عليه الخطأ والصواب ، وما وافق من كلامهم الكتاب والسنة فعلي العين والرأس ، وما يخالفهما يُضرَبُ به عرض الحائط . وقد درج المصري علي عدم احتكار الدين من جانب أحد ، فإذا لم يعجبه كلام أحدهم تركه قائلاً له : " شرع الله عند غيرك " . إذن فلا ميزة للإخواني عمن سواه فيما يأتي أو يدع تضعه في مرتبة أعلي عن بقية خلق الله من المسلمين ، ولا معني مطلقاً لتصنيف المسلمين وفقاً لفكرة حسن البنا عن الإسلام وفهمه له ، فالمؤمن ـ من وجهة نظره ـ هو من يؤمن بدعوته ، ويصدَّق بقوله ، ويُعجب بمبادئه ، ويري فيها خيراً اطمأنت له نفسه وسكن له فؤداه ، " فهذا ندعوه أن يبادر بالإنضمام إلينا والعمل معنا حتي يكثر به عدد المجاهدين " ، وهو في تصنيف أتباعه وشأنه ، أما أن يصنف بقية المسلمين إلي متردد ونفعي ومتحامل ، ومعياره في ذلك هو الإنضمام لجماعته فهو بذلك قد عُمِّي عليه طريقه . لأن الإيمان لا يتوقف علي الإنضمام للجماعة من عدمه ، كما أن هذا الإنضمام ليس شرطاً لوجوده . فضلا عن أن الإنضمام للجماعة ليس بالقرينة التي لا تقبل العكس علي الإيمان ، لأنه في وجود الرسول المصطفي وُجِدَ المنافقين ، ولم تُحل دون وجودهم كافة دلائل النبوة . ومن هذه النبتة الفكرية الخبيثة تصور الإخوان أنهم جماعة المسلمين دون غيرهم . وقد تم تغذية هذه النبتة بأفكار من قبيل : " إن منهاج الإخوان المسلمين محدود المراحل واضح الخطوات "ثم يحدد المراحل بـ : الفرد المسلم ، والبيت المسلم ، والشعب المسلم ، والحكومة المسلمة ، والوطن الإسلامي ، وإعادة البقاع التي عرفت الإسلام قبلاً ، وأخيراً إعلان الدعوة علي العالم . ثم يقول البنا : " وإنما نعلن في وضوح وصراحة أن كل مسلم لا يؤمن بهذا المنهاج ولا يعمل لتحقيقه لا حظ له في الإسلام " . فإن لم يكن هذا الفكر هو فكر تكفيري ، فماذا يكون الفكر التكفيري ؟ . ثم يذهب في نرجسيته إلي ما هو أبعد من ذلك حين يقول : " ولكننا أيها الناس : فكرة وعقيدة ، ونظام ومنهاج ، لا يحدده موضع ولا يقيده جنس ، ولا يقف دونه حاجز جغرافي ، ولا ينتهي بأمر حتي يرث الله الأرض ومن عليها ذلك لأنه نظام رب العالمين ، ومنهاج رسوله الكريم " هكذا دفعة واحدة ، نظام الإخوان هو نظام رب العالمين ، ومنهاج رسوله الكريم . ثم يستطرد : " نحن أيها الناس ـ ولا فخر ـ أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم ، وحملة رايته من بعده ، ورافعوا لوائه كما رفعوه ، وناشروا لوائه كما نشروه ، وحافظوا قرآنه كما حفظوه ، والمبشرون بدعوته كما بشَّروا ، ورحمة الله للعالمين ( ولتعلمُنَّ نبأه بعد حين ) " . فهُم أصحاب الرسول مثلهم في ذلك مثل أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضوان الله عليهم كتف بكتف ، بل أكثر من ذلك هم رحمة الله للعالمين شأنهم شأن النبي محمد (ص) ، ومن لم يصدق ذلك سيعلم نبأه بعد حين . ثم يمضي البنا مخاطباً إخوانه : " هذه منزلتكم ، فلا تصغروا في أنفسكم ، فتقيسوا أنفسكم بغيركم ، أو تسلكوا في دعوتكم سبيلاً غير سبيل المؤمنين " . فجماعته في نظره فوق المقارنة ، وقياسها بغيرها فيه استصغار لقدرها وحط من قيمتها ودورها . ثم يمضي البنا في رسالة التعاليم إلي القول : " فهذه رسالتي إلي الإخوان المجاهدين من الإخوان المسلمين ، الذين آمنوا بسموّ دعوتهم وقدسية فكرتهم " . ولا ندري ما هي القدسية في دعوة الإخوان التي تخطيء وتصيب ، ويؤخذ منها ويرد . ثم يستطرد : " وعزموا صادقين علي أن يعيشوا بها أو يموتوا في سبيلها " . وهنا تشم رائحة الدم وشواء اللحم البشري في سبيل فكرة الإخوان ودعوتهم . والأمر هنا ليس مجرد كلام نظري يُقال في جلسة علي مقهي أو عظة في صحن مسجد ، أي أنه ليس كلاماً للإستهلاك وتزجية وقت الفراغ ، ونفهم ذلك من حسن البنا نفسه حين يستطرد قائلاً : " إلي هؤلاء الإخوان فقط أوجه هذه الكلمات الموجزة ، وهي ليست دروسا تُحفظ لكنها تعليمات تُنَفذ " . ولاحظ معي أن الرسالة موجهة للإخوان المجاهدين من الإخوان المسلمين لا لكي تحفظ ولكن لكي تُنفّذ ، أما غيرهم فلهم : " دروس ومحاضراتً ، وكتب ومقالات ، ومظاهر وإداريات ، ولكل وجهة هو موليها ، فاستبقوا الخيرات ، وكلاً وعد الله الحسني " . ثم نأتي إلي أركان البيعة التي تمثل أولي خطوات تكوين جمهورية العميان ، وأركان البيعة في هذه الجمهورية عشرة هي : " الفهم ، والإخلاص ، والعمل ، والجهاد ، والتضحية ، والطاعة ، والثبات ، والتجرد ، والأخوة ، والثقة " . وبداية العَمَه في الفهم لديهم ، يقول البنا : " إنما أريد بالفهم : أن توقن بأن فكرتنا ( إسلامية صميمة ) وأن تفهم الإسلام كما نفهمه ".
وليس هناك مساحات أخري للفهم خارج هذا الإطار، فالإسلام هو ما يفهمه الإخوان وفقط . وفي ركن الطاعة يقول البنا : " وأريد بالطاعة امتثال الأمر وإنفاذه تواً في العسر واليسر والمنشط والمكره " . وهو ركن أقرب إلي الأنظمة العسكرية التي تقوم علي تنفيذ الأمر ولو غلط دون مناقشة ولا تردد ولا فهم . وهو يتساوق مع ركن الفهم . والدعوة في مرحلة التكوين تقوم باستخلاص العناصر الصالحة للجهاد ، ونظامها "صوفي بحت من الناحية النظرية ، عسكري بحت من الناحية العملية ، وشعار هاتين الناحيتين دائماً ، أمر وطاعة من غير تردد ولا مراجعة ولا شك ولا حرج . أي : كمال الطاعة المطلقة . ويرج السبب في تلك الطاعة العمياء لما قاله البنا : " وللقيادة في دعوة الإخوان حق الوالد بالرابطة القلبية ، والأستاذ بالإفادة العلمية ، والشيخ بالتربية الروحية ، والقائد بحكم السياسة العامة للدعوة " . فهل تتسق هذه الدعوة مع صحيح الدين ؟ . وهل يمكن أن تسوس هذه الدعوة دولة بالمفهوم الصحيح للدولة ؟ أم أنها تسعي إلي إعلان جمهورية العميان ؟ ! .
حسن زايد
كاتب عربي ومدير عام
المصدر: أوكرانيا بالعربية