أوكرانيا بالعربية | هل كُلّنا مُلحدون ؟... بقلم سامح سمير
كييف/ أوكرانيا بالعربية/ قد يبدو عنوان المقال غريبا نوعا ما خصوصا هذه الأيام الكورونية التي نعيشها، حيث معظم إن لم يكن كل الأخبار والمقالات تتحدث عن فيروس كورونا (كوفيد 19 وربما يكون هناك 20) وما إلى ذلك، تارة للترهيب من أمور عديدة وتارة للترغيب في أمور أخرى.
وكثرت الإقتراحات والتنبؤات والتحليلات والعلاجات والوصفات وفيما يخص نشأة الفيروس نفسه وما إذا كان حدثا طبيعيا أم أمرا مفتعل ، وما الأثار الإقتصادية والاجتماعية والسياسية المترتبة علي وجوده.
ما نريده هنا هو النظر للحدث بشكل كلي من أعلى من خارج الحدث، لا أن نغرق في الحدث نفسه ونفكر ونتكلم وكأن الفيروس أصاب نفوسنا وعقولنا وليس أجسادنا.
فليست هذه المرة الأولى ولن تكون الأخيرة التي تحدث فيها كارثة عالمية سواء كانت طبيعية أو مفتعلة.
ما يمكننا ملاحظته هو أنه في حالة كانت الكوارث التي تحدث طبيعية فإن التعامل معها وإستغلالها هو الذي يكون دائما ليس طبيعيا بل يكون من أجل إستغلال أثار الحدث لتحقيق مصلحة وهدف ما، ولو كانت ليست طبيعية أي مفتعلة فمن إفتعلها أكيد يريد يخلق مشكلة ما، لها آثار سلبية طبعا ليقدم بعدها الحل الذي يبدو هو الحل للمشكلة والذي هو ما يريده أساسا لفرض واقع جديد يضمن له تحقيق مايريده من مصالح وأهداف.
وطبعا من يستّغل الكارثة أو من يفتعلها أساسا لا يهّمه أبد الضحايا ولايقيم لهم وزنا لا كمّا ولا كيفا، فربما يعتقد أن الله خلقهم وسخرّهم من أجله وهم بمثابة قربان الى الله، أو ربما يعتقد أنه هو نفسه الها والضحايا عبيده، أو أنه يعتبر نفسه رأس مالي كبير وهؤلاء ملك له كأنهم سلعة أو أداة باعها أو استخدمها ليحصل على مايريد. وربما لا هذا ولا ذاك فهو يؤمن أن هذا هو حال الدنيا وطبيعتها وقانونها ونظامها القوي يأكل الضعيف المهم أن يصل القوي الى مايريده.
قابعون كالخراف
الشيء الأكيد والذي ليس عليه خلاف أننا لسنا سُعداء بما يحدث، على الأقل مانحن فيه الان ونحن قابعون كالخراف في الحظائر ننتظر مصيرنا منّا من سَيذبح ويُؤكل ومنّا من سَيُجز صوفه ومنّا من سَيُحلب لبنه ومنّا من سَيؤجل أمره إلى حين اخر وحدث اخر.
يقولون لنا أن العالم ونظامه بعد كورونا لن يكون مثلما كان قبلها.
ماهو هذا العالم الذي ينتظرنا؟
ماهي نوعية الوظائف التي يجب أن يبحث عنها من فقدوا وظائفهم؟ كيف سيكون التعامل النقدي بعدما أقنعونا أن النقود يمكنها نقل العدوى؟ ماهو النظام الإقتصادي والسياسي المقبل هذا؟
هل هذا النظام سيكون أكثر عدلا وإنسانية ورحمة وتوازنا وإستقرارا؟ أكيد لا
هل سيتم تعويض كل المتضررين تعويضا عادلا؟ أكيد لا
هل سَتقل الفوارق والفجوة بين الاغنياء والفقراء؟ أكيد لا
لماذا لا نعيش في عالم مستقر ومتوازن سياسيا وإقتصاديا وصحيا؟ لماذا لايحصل الانسان على رزقه بكرامة وشرف وعزة وكفاية وهو مرفوع الرأس امن على يومه وغده؟ لماذا لايكون هناك إعلام محايد حقا يقول الحقيقة لا يقول ما يَخدم مصالح من يمّوله؟ لماذا؟ ....لماذا؟ ....
إذن يمكننا أن نقول أن النظام العالمي ليس مستقيما ونحن لا نعيش ولا نَحكم حياتنا بالإستقامه. لأن كلمة الإستقامه هي كلمة جامعه لكل المعاني التي تحقق لنا ما نريده من عدل وعدالة وحق وخير وسلامه وأمن وتوازن وإستقرار وكل ما نفتقده الان.
فلماذا لا يوجد نظام مستقيم يحكم العالم؟
لان الهدف ليس الله
يوجد حديث من أحاديث الرسول محمد عليه الصلاة والسلام أنا أعتبره أفضل ما يمكن أن يقوله بشر على وجه الأرض. وحتى لو يوجد شخص غير مسلم ذو أي اتجاه، لا يمكنه أبدا عدم الإعجاب بهذا الحديث كحكمة أو كمقولة عظيمة.
عن أبي عمرو سفيان بن عبد الله الثقفي ، رضي الله عنه قال : قلت : يا رسول الله ، قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحدا غيرك ، قال : ( قل آمنت بالله ، ثم استقم ) رواه مسلم في صحيحه.
لو تكلمنا بلغة الأداء والعمل نجد الإنسان في هذه الدنيا بحاجه الى شيئين أساسيين مُهمين بدونهما يشعر كأنه ضائع تائه في هذا الوجود وهما الوسيلة والهدف، من ليس له وسيلة أي طريق يسلكه ونظام يلتزم به ليس له هدف والعكس صحيح.
بداية يحدد الإنسان هدفه ثم يستخدم الوسيلة (النظام) الموّصل لهدفه.
وطبعا كل هدف له الوسيلة المناسبة له والعكس صحيح كل وسيلة توّصل الى هدف ما.
بالرجوع الى الحديث الشريف (أو الحكمة والمقولة العظيمة لمن هو غير مسلم)
الله يجب أن يكون هو الهدف، والإستقامه هي الوسيلة المُوصّلة له.
فهل عرفنا الان لماذا النظام العالمي الذي يحكمنا ليس مستقيما؟
لان الهدف ليس هو الله. لو كان الهدف هو الله لكنا سلكنا واتبعنا الاستقامه فتحققت العدالة والخير والرخاء والامن والسلام والصحة والتوازن والإستقرار.
لايحق لأحد أن يفتح فمه ويصرخ ويقول الدنيا ليس فيها عدل ولا حق ولا مساواة ولا توازن والحياة ليست سعيدة (كل ما يمكن تلخيصه في كلمة إستقامه) وما إلى ذلك وهو لم يعرف الله بعد.
لا إ ستقامه بدون إيمان بالله ولا إيمان بالله بدون إستقامه.
ومن هو هدفه المال والسلطه أو اي هدف اخر غير الله، ومع ذلك يصرخ ويريد حق وعدالة وخير وحياة كريمة وتوازن (إستقامه) نقول له أنت أحمق وجاهل وواهم ولا يحق لك أن تطالب بأي حق أو عدالة أو حياة كريمة لأن الذين يستغلون الكوارث الطبيعية بشكل غير طبيعي أو يفتعلونها أساسا إن كانت غير طبيعية هدفهم أيضا المال والسلطة ليس الله وهم يصلون له أكثر فأكثر إذن وسيلتهم وهي عدم الإستقامه ناجحه.
الإيمان بالله فقط هو الذي يغني النفوس ويجعلها مستقيمة فيحصل العدل والحق والتوازن والحياة الكريمة للجميع.
من لا يؤمن بالله ولا يريد معرفته يُغلق فمه ولا يطالب بأي استقامه ولا حياة كريمة ولا توازن وإستقرار لأن هذا لم ولن يحدث لأنه ضد فطرة وطبيعة أداء الإنسان أساسا. وعليه أن يتحمل ما سوف يأتيه، ويرضى بالحياة الغير مستقيمة وينتظر مصيره الذي سوف يقرره عبيد المال والسلطة الذين ليس هدفهم الله لهذا ليست وسيلتهم الإستقامه.
ويبقى السؤال الأعظم هل نحن حقا مؤمنون بالله؟
هل الله هو هدفنا؟؟ ومحور حياتنا؟؟ بصرف النظر عن دياناتنا أو مذاهبنا أو طقوسنا أو معتقداتنا!!
أم أن لنا أهدافا ومحركات أخرى نعيش بها ولها والله بالنسبة لنا كلمة مبهمة غير واضحة وغير محسومه أساسا عند البعض ومشكوك فيها وغير مؤكدة عند البعض الاخر. ولو كان الله فعلّيا وعملّيا ليس هو هدفنا، ولهذا فالإستقامه ليست هي النظام العالمي الحالي أو الجديد أو القديم. فهل إذن كلنّا نعتبر مُلحدون ........؟
سامح سمير
كاتب عربي مصري في أوكرانيا
المصدر: أوكرانيا بالعربية